انتصار ساحق للنارجيلة
يقول شتيفان البالغ 25 عاما من العمر: "دخّنت نارجيلة لأول مرة قبل عام، وكان ذلك أثناء الإجازة التي أمضيتها في تركيا.". ومنذ هذه التجربة أصبح شتيفان يتردد بصورة منتظمة على مقهى "شيشة لونج" في حي فريدريكسهاين في مدينة برلين. يتم إعداد وتهيئة الشيشة بطريقة فنية متقنة على كل طاولة تقريبا من طاولات هذا المقهى الشهير المحبوب.
و تسمع دمدمة الماء فيما يلتف المبسم في أعلى خرطوم النارجيلة. إن تدخين النارجيلة يعني المتعة وفي نفس الوقت تعزيز الاتصال بالغير. هذا وسرعان ما اكتشف سفين زميل شتيفان أيضا متعة تدخين النارجيلة المشهورة في الشرق. يقول سفين "إنني لا أشرب أبدا المشروبات الروحية ولا يعجبني تدخين السجائر، أما تدخين الشيشة فهو متعة من نوع خاص.فالدخان البارد ممتع ولا يسبب بحة في الحلق كما تعجبني رائحة التبغ المعطّر، هذا كله بالإضافة طبعا إلى الجو الاجتماعي المسلي."
للنارجيلة تقاليد طويلة قديمة في المنطقة العربية. فتدخين التبغ الخشن المخلوط بعسل السكر ورائحة الفواكه المعطّرة معروف هناك منذ القرن السابع عشر. وعلى عكس الحال بالنسبة لمشروبي القهوة والشاي فإن تدخين النارجيلة لم ينتشر في أوروبا أبدا. أما اليوم فيبدو أن زيادة عدد المقاهي التي توفر النارجيلة للزبائن على نحو قياسي مؤشر بانتصار هذا العطر الحلو المذاق ولو أن ذلك قد جاء متأخرا.
يزداد بإطراد عدد الألمان الذين يكتشفون الولع بهذا التقليد الشرقي لتدخين النارجيلة. وصاحب مقهى "شيشة لونج"، وهو عراقي الأصل، أصبح سعيدا لكون تدخين النارجيلة يلقى فضولا وإعجابا لدى الزبائن. لكنه بحكم تجربته في حقل المطاعم والمقاهي يفضل أن يكون العرض المقدم مزدوجا: "نحن نوفر هنا خليطا بين بار الكوكتيل ومقهى النارجيلة."
تدخين النارجيلة لا يقتصر على الرجال
مريحيل عمر اللبناني وصاحب مطعم "بابل" يقيّم النارجيلة بمثابة تتويج الخدمة المقدمة للزبائن: " بعد تناول العشاء أو بعد انقضاء ساعات العمل كان تدخين النارجيلة لمدة ساعة أو اثنتين مسببا للراحة والاسترخاء. هكذا ينبغي أن تفهم أوروبا هذا التقليد الشرقي."
يود صاحب هذا المطعم من خلال تقديم حفلات الرقص الشرقية وعرض صورة للأجواء الشرقية الأصيلة بصورة دورية، أن يجذب جمهورا رصينا وثريا. وهو يعترض على المقولة القائلة إن تدخين النارجيلة محبب إلى نفوس الشباب وحدهم، فيقول: "النارجيلة أصبحت في هذه الأثناء محببة إلى نفوس كافة الزبائن بغض النظر عن العمر أو الطبقة الاجتماعية، وهذا يسري مثلا على الأطباء والمحامين. كما أن النارجيلة ليست شيئا يحتكره الرجال." يوضح عامر ذلك بقوله إن أبناء بلده لبنان يعشقون تدخين النارجيلة سواء كانوا رجالا أو نساء، وهذا غير معروف في ألمانيا نظرا لأن النساء في المنطقة العربية يدخنّ في البيوت أكثر من الأماكن العامة.
النارجيلة تعكس صورة من الوطن
يمكن التعرف في مطعم بابل بسهولة على مفعول الاسترخاء الذي ينجم عن تدخين النارجيلة. فقد استند رجل وامرأة على وسائد وثيرة مطرزة. وقد رفض هذان العاشقان إبداء الرأي في هذا الموضوع. لكنهما اكتفيا بالرد على سؤال حول أسباب شعورهما بالسعادة وهما يدخنان النارجيلة في ظل أجواء شرقية، حيث بررا ذلك قائلين "هذا بمثابة صورة من الوطن".
مثل هذه الصورة من الوطن تنقلها كذلك العديد من المقاهي في الأحياء الفقيرة لبرلين. في تلك الملتقيات التي يشرب فيها الشاي والقهوة يكاد يكون كل الزوار تقريبا من أصول تركية أو عربية. هناك يكون تدخين النارجيلة شيئا بديهيا. لكن الزوار الرجال لا يجدون فيها لا المشروبات الروحية ولا أجواء الأناقة ولا النساء.
أما عشاق تدخين النارجيلة الألمان فإنهم كحال سفين و شتيفان لا يرغبون في أن يتم التدخين في مثل هذه الأجواء الشرقية الأصيلة. يقول شتيفان الذي يمارس مهنة المبرمج الحاسوبي "في الواقع ليس لدي اهتمام حقيقي بالحضارة الشرقية"، لكنه لا يريد مؤكدا افتقاد النارجيلة، وربما يقتني في يوم ما نارجيلة له شخصيا.
ليست النارجيلة رخيصة الثمن ولكنها متوفرة بأنواع عدة ويمكن الحصول عليها في المحلات المتخصصة أو عن طريق الإنترنت. هذا يسري أيضا على الفحم المستخدم لإشعال النارجيلة وشتى أنواع خليط التبغ المستورد غالبا من اليمن. ويبلغ سعر العبوة التي تزن 250 غرام من التبغ المعطر حوالي 10 يورو بالنسبة للمستورد الفردي. ما يزال من الصعب التكهن عما إذا كان تدخين النارجيلة هنا في ألمانيا سيصبح واسع الانتشار.لكن مريحيل عامر متفائل في هذا الصدد، حيث يقول " في خلال السنوات العشر المقبلة سيكون عدد مدخني النارجيلة في ألمانيا أكثر من لبنان."
بقلم أريانا ميرزا
ترجمة عارف حجاج