صور الحرب في التلفاز
تقوم الجزيرة يومياً بنقل أحدث الصور من الحرب في العراق. وغالبا ما تبث مثل هذه التقارير مرفقة بالملاحظة "خاص بالجزيرة" في أعلى الشاشة يميناً. وكان من ضمن هذه الصور على سبيل المثال لا الحصر، صور أربعة رجال أمن أمريكيين قتلوا وأحرقت جثثهم وشوهت وعلقت بقاياها الباقية على جسر. عرضت الجزيرة هذا الفيلم كأول محطة تلفزيونية ـ بشكل خاص، من ضمن ذلك الكثير من التفاصيل المفزعة. رئيس مكتب الجزيرة في القاهرة حسين عبد الغني يبرر قرار بث هذا الفيلم بقوله، إن الشريط أرسل إلى قناة الجزيرة. ويضيف قائلاً أنت نفسك صحافي أيضاً ولا بد لكل من يحصل على خبر ما أن يبثه أيضاً. ولكنه يؤكد من ناحية أخرى قائلا:
"نحن نحرص دوماً، على أن يكون عملنا متوافقاً والقيم الإنسانية. ما نبثه غير خاضع للرقابة، فنحن نقوم بعرض كل شيء، محاولين عرض أقل ما يمكن من العنف، ولكن لا بد من الناحية الأخرى من عرض صورة ما. نعمل من أجل الجمهور، وهو بدوره يريد رؤية شيء ما. نحن هنا بصدد الحديث عن 40 مليون مشاهد. أولئك الذين يرسلون لنا الأشرطة يعلمون حق العلم، أن هذه التسجيلات سوف تنال إعجاب المشاهدين."
باترك ليكليرك، مراسل شبكة التلفاز الألمانية ARD في الشرق الأوسط سابقاً ومدير قسم الشؤون الخارجية لدى قناة الـ SWR، يعرف عملية الـسير على حافة الهاوية هذه، إن النقاش حول الصور التي يجوز بثها يدور لدى طاقم برنامج "حدث اليوم" في شبكة التلفاز ARD في مدينة هامبورغ يوماً تلو يوم. قامت الجزيرة بتقديم التسجيلات الفظيعة لمشاهديها، ولكن لم تعرض في النشرات الإخبارية لـ ARD أية منها:
"إن مراسلينا يقومون طبعاً بإرسال مثل هذه التقارير إلينا، ولكننا لا نبثها كما هي، بل يتم عرضها مرة أخرى على الطاقم للموافقة عليها. وإذا كانت مثل هذه الصور التي تقدمت أنت بوصفها متوفرة، فغالبا ما نشهد مناقشة ساخنة، حيث نتمعن بها صورة تلو الأخرى، وعندها نقوم باتخاذ القرار بشأن ما يمكن بثه."
يجيب حسين عبد الغني على السؤال، عن حدود ما يمكن تحميله للمشاهد، وحدود ما يمكن بثه وما لا يمكن لدى قناة الجزيرة، بالنظر أيضاً إلى الواجب الأخلاقي، فيقول مستغرباً:
"نحن نعمل طبقاً للمعايير العالمية. ولا نختلف بهذا عن الـ CNN أو عن القنوات الألمانية مثلاً. لدينا تسجيلات بشأن الرهائن اليابانيين لم نقم ببثها، إذن نحن نتوخى الحيطة بشأن ما نبثه على شاشتنا. وكما قلت مسبقاً، نحن نتقيد بالمعايير العالمية."
هو على صواب فبما يتعلق ببث التسجيلات عن رمي الرهائن بالرصاص. فقد كانت الجزيرة فيما بدا بحوزة شريط مسجل عن قتل إيطالي رمياً بالرصاص ولكن القناة لم تقم ببثه. ويبدو هنا أيضا أن ثمة حدود لا زالت موجودة. ولكن قناة الجزيرة تنهال على مشاهديها يومياً وبكل ما في الكلمة من معنى بوابل من صور الحرب. فالخبراء يحللون الأحداث المختلفة أثناء المعارك في بغداد مثلاً بواسطة إعادة تصميمها فنياً على الحاسوب، محاولين توضيح ما حدث هناك بالضبط.
وقد وصفت القوات الأمريكية تقارير قناة الجزيرة بهذا الخصوص أكثر من مرة بأنها أحادية الجانب وبأنها معادية لأمريكا. رئيس مكتب الجزيرة في القاهرة يرد على هذه الأوصاف قائلاً: نحن نعمل بشكل حر ومستقل ونقوم بتصوير واقع ما يحدث هناك فقط.
وتهتم كذلك القناة العربية الأخرى، قناة العربية يومياً في برامجها الرئيسية بأحداث الحرب في العراق.
إشارات إلى برامج على شكل أفلام مصحوبة بالموسيقى تعلن عن حلقات حوار مع خبراء وعن تقارير لآخر أحداث الحرب في العراق. ثم تعرض صور لجنود أمريكيين وهم يزودون مدافعهم بالذخيرة، مشتبكين في القتال. مروحيات وطائرات حربية نفاثة تطلق الصواريخ. ثم تمزج صور قوات الائتلاف المقاتلة هذه مع صور ضحايا مدنيين وأحياء سكنية عراقية مدمرة. وهذا النوع من الإعلان عن البرامج كما يسمونه بعيد أيضاً كل البعد عن أن تستخدمه القناة الألمانية ARD. ويقول باترك ليكليرك:
"لا نستعمل هذه الأساليب لدينا. فنحن لا نعتبر أنفسنا ثمة مؤسسات إعلانية هناك تخدم حكومات أو جهات مشتركة في الحرب أو أحزاب دينية، التي تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة دون الاكتراث بمصالح غيرها. بل نريد أن نقيس أنفسنا بطريقة ما مع معاييرنا، في أن نعمل بشكل إخباري وبشكل موضوعي وأن نكون غير منحازين لأي طرف كان، ونحن مدينون بكل هذا لمشاهدينا بشكل أو بآخر."
إن الحرب في العراق باتت منذ أمد معركة من أجل الأنباء والصور الخاصة بوسائل الإعلام. ابتدأ الأمر بمن يسمون بالـ embeded Journalists، وهم محررو التقارير الذين سمح لهم بمرافقة الوحدات العسكرية عند بداية الحرب. والآن قد أصبحت الحالة مضطربة وخطيرة للغاية.
شبكة الـ ARD الألمانية منعت مراسليها من الدخول إلى منطقتي النجف والفلوجة. الجزيرة لا زالت في قلب الحدث. يقول حسين عبد الغني، رئيس مكتب الجزيرة في القاهرة " لدينا صحافيون شجعان، فهم يبقون داخل مناطق القتال، رغم القصف ورغم القتل، كما كان الأمر عليه آنذاك في أفغانستان."
بيتر شتيفي، قناة الـ SWR الألمانية
ترجمة مصطفى سليمان