أسهم "حلال" في ظل تعاليم الشريعة
يرى ميشائيل صالح غاسنر الخبير في شؤون البنوك الإسلامية بأنه يترتب على أجهزة الإعلام المسلمة أن تضع الزبائن المسلمين في الصورة حول المسائل المالية وأن تدفعهم إلى مراعاة جدية العرض المقدم من جهة ما وعما إذا كانت هذه الجهة تملك ترخيصا رسميا في ألمانيا أم لا. فهناك بالفعل عروض أخرى تتسم بالجدية والنزاهة في مجال الاستثمار المالي.
بناء على معلومات مجلة "مانيجير" هناك حوالي 150 صندوقا ماليا إسلاميا منتشرة في كافة أنحاء العالم علما بأن هذا الرقم يزداد يوما بعد الآخر. ففي الآونة الأخيرة قامت مؤسسة DWS الاستثمارية التابعة للبنك الألماني (دويتشه بنك) بإنشاء صناديق مالية جديدة، وهذا تماما ما فعلته أيضا كلتا المؤسستين المصرفيتين BNP Paribas والتأمينية AXA.
معايير "داو جونز" الإسلامي
في العادة تهتدي بنوك الاستثمارات الملتزمة بتعاليم القرآن بمعايير "داو جونز" الإسلامي (المتعلق بالسعر النسبي لأهم أسهم الشركات) والتابع لبورصة نيويورك مع العلم بأنه يخضع لإشراف علماء متخصصين في تعاليم الشريعة الإسلامية.
هؤلاء العلماء يسهرون على كون الشركات المسجلة في البورصة وفقا لمعايير "داو جونز" الإسلامي تتعامل مع الزبائن وفقا لمفهوم الربح "الحلال" في الإسلام. وهم لا يرون مانعا من حيازة الأسهم ولكن ذلك غير مسموح به في رؤيتهم في حالة كافة القطاعات الاقتصادية المختلفة.
إذ يحظر التعامل مع الشركات الاقتصادية ذات العلاقة بإنتاج المشروبات الكحولية والتبغ وألعاب الحظ وقطاع الخلاعة الجنسية وأندية الليل والأسلحة وفي حالة المصارف وشركات التأمين التي تدر أرباحا في الأسهم. كما يتم في حالات كثيرة تجنب التعامل مع شركات الطيران الجوي والفنادق لكونها تقدم لزبائنها مشروبات كحولية.
المجالات المحرمة
نظرا لوجود مجالات خالية من الشفافية تختلط فيها قواعد الصواب والخطأ منها على سبيل المثال وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية التي وإن اتسمت بحد ذاتها بالصواب مبدئيا إلا أنها قد تنقل محتويات الإباحة الجنسية، ونظرا لتعذر التأكد بصورة مطلقة من الانعدام التام لأرباح الأسهم في الاستثمارات المالية الجارية فإن ذلك يدفع المستثمرين المؤمنين إلى تقديم تبرع بقيمة 2 إلى 3 بالمائة من الريع من قبيل التحسب والحيطة.
كذلك يحظر الاستثمار في شركات يزيد حجم الرأسمال الأجنبي فيها عن 33 بالمائة من مجموع الرأسمال. نظرا لخط الحرص الشديد الذي تهتدي به صناديق الأسهم المالية الإسلامية فقد امتنعت بناء على تقدير المراقبين عن التعامل مع شركات كبيرة أشهرت إفلاسها من بعد مثل شركتي Worldcom أو Parmalat مما جعلها تتجنب الوقوع في مطب الخسائر.
كما أن الصناديق الإسلامية لم تتعرض بعد انهيار "الاقتصاد الجديد" New Economy لاهتزازات تستحق الذكر. هذا الأمر يجعل الصناديق الإسلامية ذات جاذبية كبيرة بالنسبة للمستثمرين الذين يراعون قواعد الأمان والانضباط الأخلاقي على حد سواء.
خبراء إسلاميون للرقابة
تهتدي بمعايير "داو جونز" الإسلامي كذلك الشهادات المتعلقة بمدى التزام المؤسسات المعنية بمبادئ العدالة الإسلامية والصادرة عن البنك الألماني منذ أربعة أعوام . هذا وينصح باقتنائها المستثمرون المتسمون بـ "مقدار محدود من الاستعداد للمخاطرة التجارية".
يقوم كل أربعة شهور خبراء تابعون لما يسمى دار الاستثمار بالفحص والتأكد عما إذا كان حاصل المصادر المالية لمؤسسة ما ما زال يتمشى مع تعاليم الشريعة الإسلامية أم لا. دار الاستثمار هذه هي مجموعة تتألف من البنك الألماني ومؤسسة راسيل وود للاستشارات المالية ومركز الدراسات الإسلامية التابع لجامعة أكسفورد.
وقد حازت تلك الشهادات في عام 2006 على جائزتي تقدير من مجلة "يورو ماني" في مجال "التعامل المالي السليم وفقا لمبادئ الإسلام"، حيث اعتبر هذا المصرف المالي أحدث البنوك وأكثرها تكريسا لتحسين جودة العمل بين غيره من المصارف المالية.
المعروف أن هذه الشهادات التي تتضمن حسب الاختيار أسهما إما أوروبية أو آسيوية أو أمريكية أو عالمية مدونة في البورصة الألمانية أيضا. هذا وإن ذكر الناطق الصحفي باسم البورصة الألمانية بأن معدل بيع وتداول الشهادات المذكورة هناك "لا يتبوأ إلا مركزا محدودا".
صناديق ليست موجهة الى الألمان
لعل أسباب ذلك تعود إلى كون تلك الشهادات ما زالت غير معروفة. فالزبائن المقيمون في ألمانيا والراغبون في حيازة تلك الشهادات كان عليهم الإمعان في الاستفهام عنها. يقول توما (البنك الألماني) في هذا الشأن "بوسع المهتمين بالشهادات أن يصلوا إلى المعلومات اللازمة فوق صفحاتنا الإلكترونية".
لكن النصوص الخاصة بذلك صادرة باللغة الإنجليزية فقط. بالإضافة إلى ذلك فإن عملية الوصول إلى تلك المعلومات معقدة في حد ذاتها. يضيف توما قائلا:
"يتم إعداد المنتجات المتمشية مع قواعد الشريعة الإسلامية خصيصا لمنطقة الشرق الأوسط". فالبنك الألماني أو على وجه التحديد مؤسسة DWS التابعة له تتلقى القدر الأكبر من الطلبات. فالصناديق المالية الخمسة التابعة لمؤسسة DWS المسماة "نور الإسلام" والتي افتتحت في نهاية عام 2006 الماضي في دبي ليست موجهة على الإطلاق للزبائن الألمان أنفسهم.
أما في المنطقة العربية فإن البنوك الغربية تدرك بأنها تتعامل هناك مع مشتري أسهم يتسمون بدرجة عالية من الإيمان الديني ويولون بالتالي أهمية فائقة لصواب العملية الاستثمارية من الناحية الأخلاقية. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن هؤلاء المستثمرين يملكون بفضل ارتفاع أسعار النفط مبالغ طائلة.
فشل "صندوق الصقور" في الخليج
ومع ذلك فإن استراتيجية التركيز في المقام الأول على المستثمرين من منطقة الخليج لم تؤت بثمار تستحق الذكر. فقد كانت الريادة في هذا المجال في السوق المالية الألمانية للصندوق الاستثماري المسمى "صندوق الصقور" الصادر عن مؤسسة كومينفيست المالية التابعة للبنك التجاري الألماني "كوميرتس بنك".
فقد تم إغلاق ذلك الصندوق المالي عام 2005 بسبب قلة الطلب عليه. وكانت قيمة الصندوق قد انخفضت من 40 مليون يورو في عام 2000 إلى 4 ملايين فقط في أواخر مراحله. يعقب كلاوس بيكر من مؤسسة كومينفيست المالية على ذلك بقوله: "اعتقدنا يومها بأننا سنملأ فراغا كبيرا في هذا المجال لكن الذي ثبت هو أن توقعاتنا كانت خطأ".
لا يملك هذا الخبير المصرفي تفسيرا للأسباب التي أدت إلى فشل مشروع اتضح بأنه تحديثي بمعدلات معقولة. وهو يتكهن بأن من أسباب ذلك ربما كون القيود الدينية قد عمدت إلى الحد كثيرا من قيمة الريع. هذا ولم تعرض في ألمانيا أسهم من "صندوق الصقور" للبيع، لكن هذا الحال يسري على حد قوله على "عدد كبير آخر" من العروض المالية الأخرى وإلا تسبب ذلك في ظهور تكاليف عالية.
يضيف بيكر بأن كل ما يسع العاملين في المصارف الاستثمارية فعله هو مجرد عرض منتجاتهم الجديدة في الأسواق المالية لا أكثر. أما الخبير الاستثماري غاسنير فإن الفشل الذي لحق بالصندوق المذكور لم يكن مدعاة لدهشته، فهو يقول:
"لقد قدم البنك المذكور طلبا بالسماح بتداول أسهمه في ألمانيا إلا أنه لم يقم بدعاية منهجية مكثفة لترويج بيع الأسهم". هذا وما زالت الحاجة ماسة لوجود مؤسسة مالية تتعامل وفقا للتعاليم الإسلامية بالنظر إلى الطاقة التوفيرية الكبيرة التي ثبت وجودها لدى الأتراك المقيمين في ألمانيا. لكنه لا يسع لمؤسسة مالية متخصصة مسجلة في ألمانيا أن تحافظ على بقائها الاقتصادي طالما ظلت عروضها تقتصر على عدد محدود من المنتجات. لهذا السبب قام غاسنير بنقل مقره من كولونيا إلى لندن.
ماتيلدا يوردانوفا- دودا
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007