رواية بيئية...نبوءات سياسية...حروب مائية
في عام 2067 تضرب العالم موجة جفاف، فقد تحققت أسوأ النبوءات المتعلقة بتغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض. وتقوم القوى الكبرى الجديدة وهي الصين واليابان وأوكرانيا-الأمر الذي يدعو للدهشة- بتقاسم الموارد المائية الشحيحة فيما بينها، وتحكم هذه البلدان من قبل الشركات الكبرى لتوريد المياه. كما يصبح تساقط الأمطار من الأمور النادرة، ويتم التحكم به من خلال أكثر التقنيات تطوراً، التي تتيح تحديد موعده مسبقاً.
أما الناس الظمآى على الدوام فيشربون "مياه أوهيا" أو "مياه غوبوغوبو"، التي يتوجب عليهم شرائها من الشركات الكبرى. فمن الممنوع خزن المياه للأغراض الخاصة، ويتم مراقبة هذا المنع من خلال نظام مراقبة صارم جداً.
صورة موحشة
يشكل هذا السيناريو القاتم نقطة انطلاق رواية الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون المثيرة "هيدرومانيا". ويضع الكاتب إلى جانب صورة النهاية القاتمة الموحشة أوضاعاً سياسية، تصيب كل إسرائيلي برعب كبير: فإسرائيل، وهي مسرح أحداث الرواية، تأخذ بالتقلص لتصبح في النهاية مجرد جيب صغير. أما فلسطين فقد حسمت لصالحها الصراع، الذي دام عقوداً طويلة، وأصبحت القدس عاصمة فلسطين في عام 2030.
ولا يتبقى من أراضي دولة إسرائيل سوى شريط ضيق على شاطئ البحر المتوسط ومدينتين كبيرتين، تُدمر إحداهما، وهي طبريا، في حملة شنها الفلسطينيون خلال أحداث الرواية، بحيث لا يبقى من إسرائيل سوى العاصمة مدينة قيساريا وبعض المناطق المحيطة بها. ويصبح عدد لا يُحصى من الإسرائيليين لاجئين، أما الأشخاص الأكثر فقراً فيسكنون منازل بدائية أقاموها على حطام المدمرات الحربية الموجودة على الشاطئ، التي تصبح "أحياءً سكنية عائمة" تحمل أسماءً رنانة مثل "بحر رقم ثمانية".
فساد وخيانة وقتل
لكن على الرغم من هذه الديستوبيا المترعة بالفقر والظلم والمرض يبقى في رواية "هيدرومانيا" الصراع في الشرق الأوسط إلى تفصيل على هامش الأحداث. وتقدم الرواية في المقام الأول أثارة وحركة، فبطلتها مايا، وهي موظفة سابقة في وزارة المالية، تحمل جنيناً في أحشائها وتعيش بمفردها منذ أن اختفى زوجها أيدو، وهو مهندس مياه ناجح، من دون أن يترك أثراً.
في بداية الرواية تخضع ما لعملية "ديو": ففي عالم "هيدرومانيا" المستقبلي يحمل كل شخص شريحة في عضده، يُزرع تحت جلده لغرض الاتصال والمراقبة. وبفضل هذه الشريحة الذكية و"نظارة الاتصال"، التي يضعها الأشخاص أغلب القوت على أنوفهم، يمكن لهم التوجه إلى أي مكان يريدون والتصفح في شبكة الإنترنت وإجراء المكالمات الهاتفية، لكنها تُمكن في الوقت نفسه من تحديد مكانهم ومراقبتهم في أي وقت.
يجلب داغي، وهو أحد معارف أيدو، لمايا شريحة عالية القيمة لأحد المحامين المرموقين، الذي توفي مؤخراً. لكن مايا لم تعرف أن المحامي أيفيغ كان ضحية جريمة قتل. لا تعرف أن أيفيغ كان على اتصال بزوجها أيدو، وأنه كان مشتركاً في المفاوضات حول مشروع خزان المياه السري الذي يقوم به أيدو. وبينما يألف القارئ تفاصيل التقنيات الحديثة المحيرة في واقع حياة مايا، انقلبت أحداث الرواية وتنفتح على حين غرة هوة عميقة من الفساد والخيانة والقتل.
ضد سلطة الاحتكار
يسعى أيدو منذ سنوات إلى تحطيم سيطرة شركات بيع المياه، ويطور في السر نظاما فعالا جديدا لخزن المياه، يُسمى "جي جي" ومن الممكن أن يشكل منافسة جادة لهذه الشركات. ولا يبقى أمام مايا سوى أن تخشى من أن زوجها قد وقع في مأزق أو احتمال مقتله. وخلال غيابه تقوم مايا، التي تعد هي الأخرى من معارضي شركات المياه، بتسيير شؤون مشروعه. لكنها سرعان ما تتورط في أفاعيل خطرة، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى اعتقالها بشكل مؤقت وإلى أن تتعرض لعمليات الاستجواب وتسليم شريحتها الغالية. وتنتقل إلى العيش مع عائلة أخيها في خارود، وهي قرية بالقرب من قيساريا. وهناك تبدأ في تطبيق معرفتها في مجال خزن المياه، وتتمكن بمساعدة أهل القرية من بناء مشروع خزان كبير.
وكما هو الحال في روايته "اغتيال جميل" يستخدم غافرون تقنية المونتاج الروائي المتوازي، حيث تُروى الأحداث حول اختفاء أيدو من خلال توظيف تقنية الاسترجاع. وخلال معايشة القارئ، كيف تؤكد مايا قدرتها على أنها مهندسة مياه ومديرة مشروع جيدة على الرغم من أنها في أشهر الحمل الأخيرة، نعرف بشكل متواز ما هي الأخطار التي يقع فيها أيدو، حين يحاول تسويق نظامه "جي جي" لشركات المياه الكبرى.
ثقافة متطورة خاوية
على صفحات الرواية، التي تقترب من 300 صفحة، يجتمع عدد كبير من الشخوص، ومن بينهم آسافجي البالغ من العمر 99 عاماً، والذي تتعرف عليها مايا في خارود. ويمد آسافجي نوعاً من الجسور بين الأزمان، فهو يُذكر من خلال قصائده والنصوص القصيرة، التي تقترب من المقالات، في أن الناس كان لديهم في وقت ما من الماضي قدر كاف من المياه. وبحنين ينظر إلى الأيام الخوالي الأكثر سعادة، حين كان المطر يهطل بغزارة، والطبيعة الغنية تجود بثرواتها.
ومن خلال هذه الشخصية يتضح ما هي حقيقة الموضوع، الذي يرمي إليه غافرون: الخسارة التي تهدد بفقدان حياة كريمة مليئة بالحرية والمشاركة في مواجهة التصحر المتزايد والتقنيات الضخمة. فعالم 2067 يسوده الفقر والعوز على الرغم من المستوى المتقدم الذي وصل إليه التطور، والناس لا يكادون يعرفون متعة، فليس هناك مشروبات كحولية أو قهوة، ولا شيكولاته أو فستق.
فطنة روائية
تعد رواية "هيدرومانيا" رواية بيئية مثيرة، لكنها تتمتع براهينة موضوعية ومن دون رسومات مزعجة. ويصل بنا ذكاء غافرون الروائي إلى أنه لا يوظف أيدو، المهندس العبقري والمعارض لشركات المياه العظمى، كشخصية إيجابية تماماً. وعلى الرغم من أنه يوصف كشخص مثالي وشجاع وأن علاقته بمايا تتمتع بالانسجام، حين يظهر مجدداً في النهاية فجأة، إلا أن عناده ليس له حدود.
فقد هرب إلى استراليا من دون أن يهتم بأمور مايا ويقف إلى جانبها في محنتها. ولا يعود إلا بعد أن يعرف أن مايا استطاعت بمفردها أن تدير مشروع جي جي. وهكذا تصل الرواية في نهاية المطاف إلى سؤال أخلاقي فيما إذا يُسمح للعالم في تعريض ولائه لأقرب الناس إليه إلى الخطر من أجل الوصول إلى أهدافه.
إن ظهور القضايا السياسية الراهنة في خلفية أحداث رواية خيال علمي مثيرة، لا يعد مفاجأة كبيرة. لكن على الرغم من ذلك يؤكد غافرون هنا أيضاً أنه روائي يتمتع بالشجاعة، يتوقع لقرائه الإسرائيليين مثل هذا السيناريو المستقبلي، الذي تتقلص فيه إسرائيل لتصبح مجرد جيب شحيح المياه، بينما تصعد فيه فلسطين لتكون دولة متنفذة في منطقة الشرق الأوسط.
فولكر كامينسكي
ترجمة: عماد م. غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
حوار مع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون:
لعبة كمبيوتر في خدمة السلام
وضع الكاتب الإسرائيلي آساف غافرون نصوص لعبة كمبيوتر تحمل اسم "صانع السلام" في محاولة منه لتعزيز رؤية السلام في الشرق الأوسط. غافرون عرض كذلك في روايته "اغتيال جميل" وجهات نظر غير معتادة بسبره غور العالم الداخلي الخاص بشخص إسرائيلي وقع ضحية الإرهاب وبشخص انتحاري فلسطيني. أريانا ميرزا تحدَّث مع هذا الكاتب الإسرائيلي.
رواية آساف غافرون "اغتيال جميل"
عين على تراجيديا الإرهاب
الأديب الإسرائيلي آساف غافرون في روايته "اغتيال جميل" يروي قصة إسرائيلي نجا بأعجوبة من ثلاث عمليات انتحارية، كما يصور في روايته هذه أيضا حياة فلسطيني وقع ضحية التطرف والتفكير بالقيام بعملية انتحارية. فولكر كامينسكي يعرض لنا هذه الرواية.
السيرة الذاتية لساري نسيبة:
"كان لي موطن اسمه فلسطين"
تشكل سيرة "كان لي موطن اسمه فلسطين" لساري نسيبة تعبيرا عن فضاءات حالمة تتنقل بين الذاكرة المكانية والزمانية في فصول من الأحداث السياسية والمحطات التاريخية التي تشكل نقاطا مفصلية في تجسيد الحالة الفلسطينية بكل مدخلاتها وانعطافاتها. أندرياس بفلتش في عرض لهذه السيرة.