عِظم التحديات ....غياب الإرادات...قصور الأدوات
في الرابع عشر من يوليو/ تموز 2009 يكون قد مضى عام على تأسيس الاتحاد المتوسطي، وعند النظر إلى محصلة هذا العام يجدها المرء غير مرضية، ويتبين له غياب الحماس الأوّلي للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدفع هذا التعاون الإقليمي إلى الأمام. كما أن المشاكل التي أثقلت عاتق سياسة الاتحاد المتوسطي حتى الآن هي نفسها التي تشكّل عبئا على هذا العمل المشترك باسمه الجديد "الاتحاد من أجل المتوسط".
تحديات منطقة البحر الأبيض المتوسط معروفة منذ سنين؛ منها عواقب التغير المناخي في المنطقة وضروريات الحصول على الطاقة وتدهور وسائل الرفاهية وزيادة الإكراه على الهجرة والإرهاب، وأيضا مشاكل أمنية أخرى تتعلق بحكومات المنطقة التي جُبِلت على الظلم. علاوة على ذلك تظل مشكلة تلوث مياه البحر الأبيض المتوسط وشح المياه وتخريب وتلويث أماكن الحياة الطبيعية والمناطق الزراعية في مناطق وشواطئ معظم الدول المطلة على ضفتي المتوسط من المشاكل التي يجب أخذها مأخذ الجد لأن التغلب عليها لا يمكن أن يتم بطريقة فردية.
قلاع التحديات...
وعلى الرغم من وجود محاولات أوروبية مشتركة للتعاون، إلا أن الخطط السياسية الفعالة اللازمة لعلاج هذه التحديات لا تزال معدومة. لهذا فإن ذلك يعتبر أيضا من الإشكاليات الكبرى التي تضاعفت مع الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، حيث أدت إلى زيادة زعزعة الأحوال الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص في المنطقة.
ولا يعتبر التعاون السياسي بين الاتحاد الأوروبي والدول المطلّة جنوبا على البحر الأبيض المتوسط شيئا جديدا، ففي عام 1995 دعم الاتحاد الأوروبي سياسته في المنطقة بتوقيع اتفاقية الشراكة الأورو- متوسطية (المسماه أيضا بعملية برشلونة)، وقام أيضا بتقوية العلاقات المؤسساتية مع دول الجوار المطلّة جنوبا على البحر الأبيض المتوسط في شكل اتفاقية تعاون تجارية أو المبادرة الأورومتوسطية. كما تم تأسيس هيئة رقابية برلمانية دائمة؛ تسمى الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية. وفي إطار سياسة الجوار الأوروبية ألحقت بها بدءا من 2004 علاقات مكثفة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وبعض الدول المطلّة جنوبا على البحر الأبيض المتوسط.
مرحلة جديدة...عوائق كبيرة
وبناء على خلفية هذه السياسات القائمة تم إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط عام 2008، ليعطي العمل المشترك دَفعة جديدة. وفي القضايا السياسية المستعجلة تم إطلاق مشاريع معينة لتعزيز السياسات القائمة، كما تم تقوية بنية العمل المشرك عن طريق تعيين رئاسة مشتركة دورية وأمانة عامة للاتحاد. وقد انتهت المرحلة الأولى من تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط نهاية العام الماضي. وبهذا بدأت الرئاسة الثنائية لفرنسا ومصر تتولى مهامها. كما أصبحت برشلونة مقرا للأمانة العامة للاتحاد بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في نوفمبر / تشرين الثاني 2008. وأيضا قد بدأت الاستعدادات للمشاريع الأولى لتكملة عملية برشلونة، منها الأمن البحري وتوليد الطاقة الشمسية.
بيد أن التعاون المشترك بقي أشهرا طويلة دون أدنى فائدة. ولم يؤدّ تأزم الصراع الشرق أوسطي نهاية 2008 إلى تأجيل اللقاءات السياسية وحسب، بل أيضا إلى تأجيل التعاون على المستوى التنفيذي. وفي تعليق لوزارة الخارجية الألمانية ردّا على سؤال من البرلمان الألماني في فبراير / شباط 2009 جاء فيه "بسبب أزمة الشرق الأوسط لن يُعقد في الوقت الحال اجتماع في نطاق الاتحاد المتوسطي".
علاقات دبلوماسية حسّاسة
وبناء على ضغط بعض الدول العربية تم بالفعل إلغاء اللقاءات على المستوى السياسي والمستوى العملي. فعلى سبيل المثال لم تجتمع "اللجنة الدائمة المشتركة" – وهي هيئة أطلقها المؤتمر التأسيسي ومقرها بروكسل تتكفل بعقد اجتماعات سريعة عند حدوث أزمات – في الرُّبع الأول من عام 2009. وفي القمة التأسيسية للاتحاد من أجل المتوسط التي عُقدت في العاصمة الفرنسية باريس في يوليو / تموز 2008 أكثرت الدول المشاركة الـ43 من الكلام حول الصراع الشرق أوسطي دون أن تتخذ قرارا سياسيا بشأنه.
وعلاوة على ذلك تم تحديد الصفة الدولية لجامعة الدول العربية، وأصبح يُسمح لها بالمشاركة في كل الاجتماعات الخاصة بالاتحاد من أجل المتوسط مع عدم تمتعها بحق التصويت. في مقابل هذه المجاملة حصلت إسرائيل على منصب نائب الأمين العام. بيد أن تلك الاستعدادات الأولية للعمل المشترك بين الجانبين العربي والإسرائيلي تدهورت إثر الحرب في قطاع غزة في ديسمبر/ كانون الأول 2009.
مشاركة غير متكافئة
إلى جانب الصراع الشرق أوسطي هناك أربعة تحديات أخرى تثقل عاتق التعاون في الاتحاد من أجل المتوسط، منها أولا عدم وجود تكافؤ في المشاركة بين الدول المطلة على البحر الأبيض شمالا وبين تلك التي تطل عليه جنوبا. ولا يزال الاتحاد المتوسطي يُعتبر في نظر دول المنطقة الجنوبية، على وجه الخصوص، مشروعا لصالح الاتحاد الأوروبي، إن لم يكن مشروعا للمصالح الفرنسية السياسية. والسبب في ذلك يرجع، إلى حد ما، إلى طريقة الرئيس الفرنسي في عرض الموضوع وطريقته في التفاهم، لكن ذلك يعود أيضا إلى الموقف المعارض الحالي لبعض الدول المطلة على البحر الأبيض جنوبا. يضاف إلى ذلك أيضا تصرف تركيا بتحفظ، حيث تريد - كمرشح غير متفق عليه للانضمام للاتحاد الأوروبي - الحيلولة دون أن تصبح عضويتها في الاتحاد الأورومتوسطي بديلا عن عضوية الاتحاد الأوروبي.
ضعف قوة التحول
ولكن، هل البداية التي اتُّخذت حاليا تخدم بشكل كاف التحول السياسي والاجتماعي اللازم لتعزيز الاستقرار والأمن بصفة دائمة في المنطقة. فعندما أطلقت فرنسا مقترحاتها الأولى لإقامة الاتحاد الأورومتوسطي كان المراقبون مندهشين من التخلّي عن الشروط السياسية في طريقة العمل، أي التخلي عن محاولة ربط العمل المشترك مع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط بأي شروط ، مثل الحفاظ على المعايير الدستورية والحقوقية. وطبقا لتلك المقترحات كان الاتحاد من أجل المتوسط يفضّل منذ البداية تنفيذ المشاريع على الاهتمام بالقضايا الإشكالية، مثل قضايا حقوق الإنسان ودولة القانون. هذا يبين شِقّا بسيطا من مطالب عملية برشلونة التي اعتبرتها المشاركة الأوروبية في المنطقة نوعا من المساهمة في تغيير الأنظمة السياسية والاقتصادية في المنطقة.
البعد عن التسييس محفوف بالمخاطر
لكن البعد عن تسييس التعاون - في الإطار المتعلق بالمشاريع والمصحوبة بالربط غير كافٍ للمجتمع في الدول المطلة جنوبا على البحر الأبيض المتوسط – لا يعزز قوة التحول في سياسية الاتحاد الأوروبي الخاصة بحوض البحر المتوسط وربما يضعفها أيضا. هذه السياسة التي لا تساند قضايا التحول بصورة جدّية تتعارض مع المصالح الأمنية لدول الاتحاد الأوروبي البعيدة والقريبة المدى.
وفي النهاية تعتبر الأزمة المالية الاقتصادية الحالية تحديا أمام نجاح سياسة منطقة البحر الأبيض المتوسط، فجزء كبير من المشاريع التوجيهية تقوم على تجنيد القروض التشجيعية والقطاع الخاص، بيد أن الأزمة قللت من القدرة على التمويل. والميزانية المخصصة حاليا لسياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة بمنطقة البحر الأبيض المتوسط – تقد بنحو 16 مليار يورو من 2007 حتى 2013 – لا ينبغي تكملتها بأموال إضافية. كما أن التوترات الاقتصادية والاجتماعية ازدادت بشكل واضح بسبب العواقب المباشرة للأزمة في المنطقة وما نتج عنها من زيادة الإكراه على الهجرة. أضف إلى ذلك تراجع الإنفاق في مجال البيئة والمرافق والطاقة والتعليم في المنطقة بسبب نقص ميزانية الدول. وهذا قد يترك آثارا سلبية على فرص تطور الدول المطلة جنوبا على البحر الأبيض المتوسط.
تغيّر بؤرة الاهتمام
ولا يتعلق مستقبل سياسة الاتحاد الأورومتوسطي فقط بالتطورات في المنطقة مباشرة، ولكن أيضا بالأهمية المستقبلية لدول الجوار عند الاتحاد الأوروبي. وطبقا للتقاليد يتأرجح الاهتمام بين الجنوب والشرق حسب الدولة العضو في الاتحاد التي ترأس المجلس. فمثلا، وجهت الرئاسة الألمانية في المنتصف الأول لعام 2007 اهتمامها نحو الشرق، أما في عام 2008 فكانت بؤرة الاهتمام بقيادة باريس منصبة نحو الجنوب.
والآن سوف يعود التأرجح إلى اتجاه الشمال الشرقي لأن الرئاسة التشيكية الحالية والرئاسة السويدية التي سوف تتولى مهامها بدءا من يوليو/ تموز 2009 تريد دفع الشراكة الشرقية إلى الأمام بناء على اقتراح من السويد وبولندا. من الممكن إذن تفهّم هذا التركيز الإقليمي بناء على المصالح الجيوسياسية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لكن التحدي يبقى في إيجاد توازنٍ مقبول لدى جميع الشركاء الأوروبيين بين المجال الجغرافي والقدرة على التغلب على العقبات الكبيرة التي تقف عائقا أمام تعزيز التعاون.
دانيلا شفارتسر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009
دانيلا شفارتسر ترأس مجموعة أبحاث "الاندماج الأوروبي" التابعة لمؤسسة العلوم والسياسة في برلين.
قنطرة
الاتحاد من أجل المتوسط:
تراجع في الطموحات وشكوك في تحقيق التوقعات
تعد إقامة المشاريع الانتقائية في مجالات البنية التحتية من أبرز مكونات "الاتحاد من أجل المتوسط"، لكن التحدي الأكبر يكمن في تنفيذ هذه المشاريع بعد فشل عملية برشلونة في تحقيق أهدافها التنموية والسياسية. وسيدعم تنفيذ هذه المشاريع عملية التنمية في بلدان الجنوب بشكل ينعكس إيجابيا على الأمن الأوروبي، مثلا من خلال الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية. منصف السليمي في قراءة للتحديات التي تواجه الاتحاد.
الاتحاد المتوسطي بعيون فرنسية:
حلم للسلام والثقافة
قبل أسبوع من تولي بلاده مهام الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية، حاملاً في جعبته ملفات عدة في مقدمتها الترويج لمشروع الاتحاد المتوسطي. راينر زوليش في قراءة تحليلية لطموحات ساركوزي المتوسطية.
اتحاد دول حوض البحر المتوسط:
الحلم الجديد بالدور الريادي القديم
اتفقت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي على أن يحل "الاتحاد المتوسطي" محل التعاون القائم مع دول حوض البحر المتوسط المجاورة للاتحاد الأوروبي. رودولف شيمللي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوضح دلالات هذا الاتفاق في حوار مع عبد الرحمن عثمان.