تابوات حول قضايا الأقليات
لم يتوقف سيل الدعاوى الموجهة ضد بعض المثقفين الأتراك وتبريرها بدعوى تحريض الشعب والاستهانة بسمعة الانتماء القومي التركي. فبعد القضية الموجهة ضد الروائي باموك تعين على اثنين من المستشارين الحكوميين المثول أمام القضاء منذ الأسبوع الماضي بسبب تقرير نقدي أعداه حول قضية الأقليات. تقرير كتبه غونتر زويفارت.
بدأت المفاوضات المباشرة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في الثالث من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الالتزام بحرية التعبير عن الرأي مقياسا لانضمام تركيا إليه، فما زالت المحاكم تبت هناك في قضايا ذات طابع سياسي بل ازداد حتى عدد هذه القضايا.
حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة تحت المراقبة
كان جل الاهتمام مسددا في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى القضية المرفوعة ضد أورهان باموك الذي يعتبر اليوم أشهر كتاب البلاد، حتى تم في يناير (كانون الثاني) الماضي إغلاق ملف هذه القضية. قبل ذلك تمت مقاضاة هرانت دينك ناشر المجلة الأسبوعية الأرمنية أغوس. جرت بعد ذلك في بداية فبراير(شباط) مقاضاة خمسة صحفيين أتراك في اسطنبول بتهمة التزامهم ومشاركتهم في مؤتمر عقد للبحث في المذابح التي وقع الأرمن ضحية لها في الفترة بين 1915 و1917.
كما تمت في الأسبوع المنصرم محاكمة الأستاذين الجامعيين إبراهيم كابوغلو وباسكين أوران في أنقره . كان هذان الأستاذان قد أعدا قبل عامين في إطار عضويتهما في لجنة استشارية معنية بشؤون حقوق الإنسان تابعة للحكومة دراسة حول قضية الأقليات طالبا فيها بمنح الأقليات مزيدا من الحقوق كما اقترحا إعطاء تعريف جديد لمفهوم المواطنة المدنية. وما زال ينظر حتى اليوم في 60 قضية أخرى ذات طابع سياسي.
يتم رفع مثل هذه الدعاوى استنادا الى بنود واردة في قانون العقوبات التركي الجديد الذي أصبح نافذ المفعول ابتداء من شهر يونيو (حزيران) 2004، علما بأن تلك البنود كثيرا ما تكون قابلة للتفسيرات الاعتباطية. يعطي القانون المذكور للمدعي العام وللمحاكم حرية تصرف بعيدة المدى فيما تخيّم على المواطنين بشأن ما هو مسموح وما هو محظور هالة كبيرة من الغموض.
كان سن قانون العقوبات الجديد من الشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي للبدء في مفاوضات الانضمام بينه وبين تركيا. وفي أثناء المشاورات التي جرت في هذا السياق لفت ناشطون في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان النظر إلى النواقص والمتاهات التي تعتري هذا القانون لكن المسؤولين في بروكسل لم يعبأوا في أغلب الحالات بتلك التحذيرات.
أربع "جنح" تخضع للعقوبة
هناك أربع جنح تخضع للعقوبة في سياق القضايا الآنية ذات الصفة السياسية وهي أولا الاستهانة بالانتماء القومي التركي (باموك ودينك)، ثانيا تهمة القذف بحق الدولة أو بالأجهزة التابعة لها (المحاكمة الثانية لكل من باموك وكابوغلو وأوران)، ثالثا تهمة التأثير على القضاء (دعاوى ضد صحفيين من ذوي النزعة الليبرالية)، رابعا تهمة تحريض السكان على العنف والكراهية.
تظهر الدعوى الموجهة ضد الأستاذين الجامعيين الطريقة التي يتم عبرها تطبيق اللائحة المذكورة في آخر الأمر كما تكشف في نفس الوقت النقاب بوضوح عن نظام القضاء المتسم بطابع سياسي. بالإضافة إلى ذلك تلقي الدعوى المذكورة أضواء ساطعة على دور الدين في بلد يتبنى مبدأ العلمانية وإن تم ذلك على نحو محض شكلي.
كانت الحكومة التركية التي سبقت حكومة إردوغان قد أسست "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ضمن ديوان رئاسة الوزراء" وجاء ذلك نتيجة لمطالب طرحها الاتحاد الأوروبي بإلحاح على تركيا في هذا الشأن. وتقرر أن يقوم أكاديميون وموظفون حكوميون مع ممثلي منظمات غير حكومية بإعداد خطط إصلاحية مشتركة. بعد انقضاء ثلاثة أعوام على ذلك، -علما بأن الفعاليات السياسية كانت قد نست في هذه الأثناء تماما وجود هذا الجهاز- أصدرت "مجموعة العمل المسماة : الحقوق الثقافية وحقوق الأقليات" التابعة للمجلس المشار إليه تقريرا تضمن نتائج عملها، وقد نجمت عن ذلك معالم استياء وسخط.
طالب مؤلف التقرير ، باسكين أوران، الذي يعمل أستاذا جامعيا للعلوم السياسية في أنقره بحماية الأقليات اللغوية والدينية في تركيا والاعتراف بها بدلا من مواصلة إنكار وجودها وإرغام كافة المواطنين على تبني الهوية التركية السنية السائدة رسميا في البلاد.
طالب المؤلف كذلك بتقديم دعم للغات الأقليات وحذر في نفس الوقت من مغبات تهميشها وخلق عقبات لا يمكن تخطيها حيال رغبتها في بناء مراكز لممارسة الطقوس الدينية فيها.هذا وقد دافع رئيس المجلس الاستشاري المذكور، إبراهيم كابوغلو، الذي يعمل أستاذا للقانون الدستوري في جامعة اسطنبول عن هذا التقرير الخاص بقضية الأقليات.
يمثل هذان الأستاذان الجامعيان اليوم أمام القضاء. أما التهمة الموجهة لهما فهي تحريض "الشعب على الكراهية والعنف المتبادلين... نتيجة للإشارة إلى وجود اختلاف بين الشرائح الاجتماعية والمجموعات الشعبية والأديان والمذاهب والأقاليم".
مواطنون "أصليّون" وآخرون "فرعيون" داخل الأمة التركية
في حقيقة الأمر يكون كل شخص عرضة للعقوبة في حال الإفصاح السياسي عن هوية تقع خارج نطاق الهوية السياسية التركية نفسها. إذ لا يعترف بصفة الأقليات إلا في حالة الطوائف غير المسلمة أي للمسيحيين واليهود. وقد نصت معاهدة لوزان بحكم كونها الوثيقة الدولية لإنشاء الجمهورية على التزام تركيا بهذا التنازل.
لكن أتباع الطوائف غير المسلمة يدفعون لقاء هذا الاعتراف ثمنا غاليا، فهم في واقع الحال لا يصبحون من خلال ذلك مواطنين من الدرجة الأولى. فهناك أحكام صادرة عن المحاكم العليا تصف هؤلاء الأشخاص تكرارا بـ"الأجانب" وتؤدي إلى المساس بالحقوق الملكية وبحقوق التصرف بالنسبة للمؤسسات الكنسية التابعة لتلك الطوائف. كذلك فإن نص الدعوى الموجهة ضد الأستاذين الجامعيين يفرّق في سياق الإشارة إلى الأمة التركية بين أتباعها "الأصليين" والآخرين "الفرعيين".
المواطنون "الأصليون" هم الأفراد المنتمون للدين الإسلامي فحسب، كما أن مصطلح "الأقلية" تقييم يحفل على قدر كبير من تقليل الشأن. لهذا لم يكن من المدهش أن يرفض الناطقون باسم العلويين، علما بأنهم تابعون للدين الإسلامي أيضا، لجوء الاتحاد الأوروبي إلى تصنيفهم كـ"أقلية دينية".
إذن فإن الإسلام يشكّل بالنسبة للدولة التركية عنصرا رئيسيا من عناصر الانتماء إلى الهوية التركية، وهذا الأمر من القواسم المشتركة بين الأكراد والأتراك. أما بالنسبة للحياة العامة فالمطلوب عدم وجود دور للإسلام فيها، علما بأن حرص تركيا على التقيد بهذا المبدأ يتسم بالتزام أشد حدة حتى من الوضع داخل دول الاتحاد الأوروبي. فقد اعتبرت محكمة الدولة العليا في غضون الأسبوع الماضي الالتزام بمسيرة حياة مبنية على العلمانية عاملا من عوامل التدرج الوظيفي لدى الدولة.
في واقع الأمر هناك تزامن بين إكساب قضية الأقليات طابع التابوات وبين تسخير الإسلام من قبل أجهزة الدولة. في كلتا الحالتين تقوم الدولة نفسها بتعريف المفاهيم المتعلقة بالانتماء وتوحي للمواطن بكيفية التعاطي مع ذلك.
غونتر زويفارت
ترجمة عارف حجاج
© قنطرة 2006
قنطرة
صحيفة كاريكاتير ترسم أردوغان على هيئة ضفدع أو حمار وحشي
تراجعت عمليات ملاحقة وقمع الصحفيين تماشيا مع تهدئة الوضع السياسي في المجتمع التركي. ولكن بالرغم من أنه تكاد لا تتخذ عقوبات سجن، فإن تركيا بالنسبة للصحفيين ليست جنان النعيم. تقرير عمر إرزيرين
كفاح من أجل الحقيقة والسياق التاريخي السليم
احتى بعد انقضاء 90 عاما على المذابح، ما زال لمسألة العلاقة بين جمهورية تركيا الفتية والأرمن وقع تلاطم الأمواج الهائجة. إلا أن هناك اهتماما متزايدا بأبحاث المؤرخين الساعين إلى دراسة هذه القضية في سياقها التاريخي الحقيقي.تقرير يورغين غوتشليش
تركيا والإتحاد الأوروبي
يخيم على النقاش حول القيم الحضارية والإسلام مرارا وتكرارا السؤال ، فيما إذا كانت تركيا تابعة للاتحاد الأوروبي أم لا.