الإسلاموفوبيا...خطر يهدد أسس الديمقراطية في أوروبا
خنازير نافقة تم رميها في باحات مساجد في ألمانيا، وخروج مظاهرات معادية للإسلام تنظمها حركة بيغيدا، واعتداءات على نساء محجَّبات، بالإضافة إلى إشعال النار في مؤسَّسات إسلامية. هذه مجرَّد بعض الأمثلة على العنصرية المعادية للإسلام في الفترة الأخيرة. لقد زادت في أوروبا التوجُّهات والهجمات المعادية للإسلام بشكل ملحوظ. وصار اليمينيون الشعبويون يتلقُّون المزيد من الإقبال، وأصبحت التصوُّرات النمطية حول المسلمين أكثر انتشارًا في وسط المجتمعات الأوروبية. إلى هذه النتيجة توصَّل "تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي"، الذي تم تقديمه في شهر أيَّار/مايو 2016 إلى البرلمان الأوروبي في بروكسل.
بتكليف من معهد البحث التركي SETA قام باحثون من خمس وعشرين دولة أوروبية بجمع بيانات شاملة حول الإسلاموفوبيا والعنصرية ضدَّ المسلمين. ومن خلال نشر هذه المجموعة الكبيرة من البيانات، يسعى الباحثان المختصان في العلوم السياسية، أنيس بيرقلي من الجامعة الألمانية التركية في إسطنبول وفريد حافظ من جامعة زالتسبورغ النمساوية، إلى لفت انتباه السياسيين والرأي العام إلى ظاهرة، لم يتم التعامل معها بجدية حتى الآن من قبل الكثيرين. وفي هذا الصدد يقول فريد حافظ: "الآن لم يعد بالإمكان إنكار وجود الإسلاموفوبيا في أوروبا. حيث يظهر وبكلِّ وضوح تقريرنا المكوَّن من ستمائة صفحة من الوثائق أنَّ لدينا مشكلة".
الإسلاموفوبيا مصطلح يثير الجدل في مجال العلوم الاجتماعية؛ والبعض يعتبرونه غامضًا. ومن بين الانتقادات المتكرِّرة لهذا المصطلح أنَّ "الإسلاموفوبيا" وسيلة يستطيع من خلالها المرء تجنُّب أي شكل من أشكال انتقاد المسلمين والجمعيات الإسلامية والإسلام. ولذلك فإنَّ "تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي" يتضمن في المقام الأوَّل توضيحًا لهذا المصطلح، من أجل التمييز بين التحريض المشحون بالسخط والاستياء وبين النقد المستنير، الذي يعتبر نقدًا مشروعًا وحسب، بل ويعتبر أيضًا ضروريًا من أجل النقاشات الثقافية.
الإسلاموفوبيا لا تعني مباشرة انتقاد الإسلام
وذلك لأنَّ الإسلاموفوبيا لا تعني مباشرة انتقاد الإسلام، وهذا ما يشرحه مُعدُّو التقرير بوضوح. وهم ينظرون إلى الإسلاموفوبيا باعتبارها تكوينًا "لهوية إسلامية ثابتة، تعمل من خلال تلفيقات سلبية ويتم تعميمها على جميع المسلمين".
وفي الحالات الفردية يمكننا أحيانًا وعلى الرغم من ذلك أن نتناقش فيما إذا كان إبداء رأي ما لا يزال يعتبر من الانتقادات المشروعة للدين أم أنَّه يشكِّل بالفعل صورًا نمطية إسلاموفوبية. وهذه الصور الإسلاموفوبية تعتبر غير واضحة وتتغيَّر في مختلف السياقات.
وبحسب هذا تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي فإنَّ الصور النمطية تخدم أولاً وقبل كلِّ شيء في تكوين صورة عن "نحن" الخاصة بمجتمع الأكثرية وعن المسلمين باعتبارهم الخصم الغريب، أي "الآخرين". وهنا يتعلق الأمر أيضًا بسلطة الأكثرية، التي تريد حرمان الأقلية من حقوقها المشروعة ومن المشاركة في الموارد الاجتماعية.
وبالاعتماد على مجموعة كبيرة من البيانات يُبيِّن هذا التقرير وجود زيادة كبيرة في مشاعر السخط والاستياء المعادية للإسلام في أوروبا العام الماضي 2015. فقد كان عام 2015 عام الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو والهجوم الإرهابي في سانت دينيس. وفي الوقت نفسه شهدت أوروبا في خريف عام 2015 ذروة ما يعرف باسم أزمة اللاجئين. وبالنسبة للباحث فريد حافظ فقد كانت هذه الأحداث الثلاثة بمثابة العامل الحاسم لانتشار الخطابات الإسلاموفوبية في أوروبا.
وفي هذا التقرير بحث الباحثون في مختلف مجالات الحياة. وتساءلوا: هل يتم التمييز ضدَّ المسلمين أثناء بحثهم عن عمل؟ وهل تحتوي المناهج والكتب المدرسية أو غيرها من المواد في المؤسَّسات التعليمية على محتويات إسلاموفوبية؟ وما هو الدور الذي تلعبه الإسلاموفوبيا في الانتخابات وفي البرامج السياسية الخاصة بالأحزاب؟ وكيف تبدو التغطية الإعلامية؟ وهل يتضمَّن النظامُ القانونيُّ قوانين ولوائح تمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية؟ وما هي المواقع المعادية الموجودة على شبكة الإنترنت، وما هو الدور الذي تلعبه هذه المواقع في النقاش العام؟
معظم الضحايا من النساء
وفي فرنسا، البلد الذي تعيش فيه أكبر أقلية إسلامية من حيث العدد في أوروبا، سجَّلت منظمة "التجمُّع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا" ارتفاعًا في الهجمات على المساجد والمؤسَّسات الإسلامية والمسلمين بنسبة بلغت خمسمائة في المائة خلال الستة أشهر الأولى من عام 2015. وهذه الهجمات تشمل الاعتداءات اللفظية والجسدية على حدّ سواء. وفي الاعتداءات الجسدية تم إحصاء جميع الحالات التي كان فيها الضحايا غير قادرين على العمل ثمانية أيَّام على الأقل. وقد كان ثُلثا الضحايا من النساء المسلمات.
في ألمانيا لا توجد حتى الآن أرقام موثوقة حول عدد الاعتداءات الإسلاموفوبية، وذلك بسبب عدم تسجيل كلّ منها على حدة. ولكن في الفترة من شهر كانون الثاني/يناير وحتى تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 وقع نحو ثمانمائة وخمسين اعتداءً على مرافق ومصالح للاجئين، جُرح فيها ثلاثة عشر شخصًا.
وبالإضافة إلى مظاهرات حركة بيغيدا المعاداة للإسلام بكلّ صراحة، يوجد في ألمانيا شيء آخر ملفت للنظر: ففي النقاش العام كثيرًا ما يتم استخدام مصطلح "الثقافة اليهودية المسيحية"، الذي يتم من خلاله استبعاد المسلمين كطرف "آخر" لا يتوافق أبدًا مع القيم الأوروبية، وفي الوقت نفسه يتم إخفاء المحرقة.
الإسلاموفوبيا حتى من دون وجود مسلمين
والإسلاموفوبيا تعمل أيضًا من دون وجود مسلمين، وهذا ما تظهره البيانات والتحليلات من العشر دول في أوروبا الشرقية. وهذه الدول هي في الحقيقية الشيء الجديد في تقرير الإسلاموفويبا، لأنَّ الدراسات السابقة كانت تركِّز على أوروبا الغربية. ففي كلّ من المجر وليتوانيا ولاتفيا وبولندا تعيش فقط جاليات إسلامية صغيرة من حيث العدد، ومع ذلك فإنَّ الإسلاموفوبيا تُستخدم هناك بنجاح كـ"وسيلة للتعبئة السياسية".
وفي دول الكتلة الشرقية السابقة تُستخدم الصور النمطية المعادية للإسلام بصراحة من أجل الدعاية السياسية، وليس فقط من قبل أحزاب المعارضة اليمينية المتطرِّفة والمعادية للإسلام، مثلما هي الحال في أوروبا الغربية. ومن الأمثلة الشديدة اللهجة على ذلك، مثلاً تصريح الرئيس التشيكي وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي ميلوس زيمان، الذي قال إنَّ تدفُّق اللاجئين إلى أوروبا عمل مدبَّر من قبل جماعة الإخوان المسلمين المصرية ويمكن وصفه على أنَّه "غزو منظم"، يهدف إلى "السيطرة بشكل تدريجي على أوروبا".
وكذلك تظهر البيانات أنَّ "النساء المسلمات هنّ الأكثر تضرُّرًا من الإسلاموفوبيا - عندما يمكن التعرُّف عليهن كمسلمات مثلاً من خلال ارتداء الحجاب"، مثلما يقول الباحث فريد حافظ. حيث تعاني النساء المحجبات من التمييز، وخاصة عند بحثهن عن عمل يصبح الحجاب عائقًا، وكثيرًا ما تزداد في جميع أنحاء أوروبا صعوبة العثور على عمل بالنسبة للنساء المحجَّبات.
ولكن بالإضافة إلى ذلك فإنَّ النساء المسلمات يعانين أيضًا من التصوير النمطي في وسائل الإعلام والنقاشات العامة، التي تصوِّرهن على أنَّهن مظلومات. وبالنسبة لفريد حافظ فإنَّ للعنصرية "دائمًا عنصر جنسي". وهذا يتجلى - بحسب رأيه - في فكرة المرأة المسلمة "التي يجب تحريرها".
وعلى الرغم من العدد الكبير من الاعتداءات الموثَّقة، لكن يجب علينا أن نفترض أنَّ كثيرًا من الحوادث المعادية للمسلمين لا يتم الإبلاغ عنها. ولذلك تزداد أهمية الهيئات والمبادرات، مثل "هيئة توثيق المسلمين النمساوية ومبادرة "التبليغ عن الإسلاموفوبيا" في هولندا. يدعو مُعدُّو التقرير إلى ضرورة الاعتراف بجرائم العداء ضدَّ المسلمين على أنَّها أعمال إجرامية. وحتى الآن لا يتم في معظم البلدان الأوروبية تسجيل هذه الجرائم كجرائم خاصة من نوعها، وفي ألمانيا بات يتعيَّن تسجيلها بشكل منفصل منذ عام 2016.
لقد أظهرت تطوُّرات عام 2016 مدى خطورة العنصرية المعادية للمسلمين على السلم الاجتماعي. فالإسلاموفوبيا تشكِّل خطرًا كبيرًا يُهدِّد أُسس الديمقراطية الدستورية في أوروبا، ويُهدِّد كذلك السلم الاجتماعي والتعايش بين مختلفة الثقافات. ولذلك فقد بات يجب على السياسيين والمجتمع المدني أن يأخذوا أخيرًا هذا التهديد على محمل الجد.
كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016