مسيرة حلم.....من عصر "الجمل" إلى تقنية "النانو"

في مؤشر على رغبة المملكة العربية السعودية في تطوير قطاع التعليم العالي وبحضور عدد كبير من قادة دول العالم وممثليهم افتتح العاهل السعودي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.هذه الجامعة استقطبت العديد من العلماء والباحثين البارزين من مختلف أنحاء العالم وخرجت على الكثير من القيود التي ضربت على النساء في هذا البلد. آرنفريد شينك يعرفنا بهذا الصرح الأكاديمي.

​​عملا بالمقولة المأثورة "اطلب العلم ولو في الصين" وإذا تطوَّر كلّ شيء تمامًا مثلما يأمل الملك عبد الله، عاهل المملكة العربية السعودية، فعندئذ لن يضطر المرء في مملكته في المستقبل إلى السفر والابتعاد إلى هذا الحدّ لطلب العلم. إذ بدأت في مطلع شهر أيلول/سبتمبر وبالقرب من مدينة جدة وعلى بعد أقل من مائة كيلومتر عن مكة، الدراسة في جامعة سعودية، من المفترض أنَّ تصبح ذات يوم واحدة من أفضل جامعات العالم - جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، كاوست.

والملك عبد الله أنفق اثني عشر مليار ونصف مليار دولار على إنشاء هذه الجامعة التي تبلغ مساحة حرمها الجامعي ستة وثلاثين كيلومترًا مربعًا ومن المفترض أن يتم تجهيزها بأحدث المختبرات التي سوف يعمل فيها عدد من المدرِّسين الجامعيين والعلماء البارزين من مختلف أنحاء العالم. وكذلك سوف يتم منح ثلثي مقاعدها الدراسية التي يبلغ عددها ألفي مقعد إلى الخرِّيجين الجامعيين القادمين من الخارج. ومن المفترض أن تنضم هذه الجامعة إلى الجامعات الرائدة في مجال الأبحاث في العالم، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT في مدينة كامبريدج.

شراكات أكاديمية عالمية

وعقدت الجامعة شراكات مع أشهر الجامعات، مثل جامعة بيركلي وجامعة كمبريدج وجامعة ستانفورد ومركز إمبريال كوليدج لندن، ومع جامعة ألمانية واحدة فقط، هي الجامعة التقنية في ميونخ. وتحصل هذه الجامعات والمعاهد على مبالغ تبلغ ملايين الدولارات من أجل متابعة مشاريع أبحاثها في جامعة الملك عبد الله وتطوير هذه الأبحاث. وتركِّز الجامعة على دراسة العلوم البيولوجية وتقنيات النانو وتكنولوجيا الطاقة وعلوم وهندسة المواد وعلوم الحاسوب. وستحصل الجامعة التقنية في ميونخ على واحد وعشرين مليون دولار من أجل إنجاز ثلاثة مشاريع. ومن بين هذه المشاريع مشروع إعداد رسم ثلاثي الأبعاد للمملكة العربية السعودية، لا يصوِّر فقط سطحها الخارجي، بل كذلك الطبقات الجيولوجية الموجودة تحتها.

​​ومن خلال جامعة الملك عبد الله بلغت المملكة العربية السعودية ذروة حماسها لبناء الجامعات - هذا الحماس الذي دبّ منذ بضعة أعوام في دول الخليج. فقد أدرك شيوخ الخليج أنَّ نهاية عصر النفط لم تعد بعيدة، وبدأوا البحث عن بدائل من أجل تأمين مستقبل إماراتهم ودولهم؛ فالمعرفة تشكِّل المادة الأولية في المستقبل. والخليجيون يرغبون بشكل خاص العلوم الطبيعية والمواد التقنية. وغالبًا ما يتم شراء المعرفة من الغرب، وذلك من أجل ضرورة السرعة في العمل - وعلى الرغم من ذلك - من أجل ضمان الجودة.

وتأتي الجامعات عن طيب خاطر إلى منطقة الخليج، وقبل كلِّ شيء من الولايات المتَّحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا؛ فهذه المنطقة تشكِّل سوقًا نامية، وهنا يرغب المرء في احتلال مراكز وهكذا يصبح التعليم من الصادرات الأكثر رواجًا. فعلى سبيل المثال أقامت قطر مدينة تعليمية ضخمة، تقدِّم فيها العديد من الجامعات الأميركية برامجها التعليمية. وفي إمارة أبو ظبي أنشأت جامعة السوربون فرعًا لها، كما أنَّ حاكم دبي يسعى من خلال مؤسَّسة ينفق عليها مليارات الدولارات إلى تطوير الأبحاث ودفعها إلى الأمام.

جامعة ليبرالية في بيئة محافظة

والمملكة العربية السعودية التي تعدّ دولة ثيوقراطية بدأت الآن تتحسَّس طريقها نحو التحوّل إلى أمة متعلمة. فهل يمكن أن يتحقَّق ذلك في السعودية؟ في هذا البلد الذي فيه الكثير من المحظورات لما له علاقة بالفكر الحرّ؛ هذا البلد الذي يعتبر مستواه العلمي متأخرًا جدًا ونظامه التعليمي من أسوأ الأنظمة التعليمية في العالم، ويعدّ فيه علماء الدين ورجال الشرطة الدينية أصحاب الكلمة الأخيرة.

ومن المفترض أنَّ جامعة الملك عبد الله ستكون جامعة ليبرالية؛ فهي أشبه بجامعة مبنية في منطقة تقع خارج حدودها الإقليمية. ومن المقرَّر أن تكون هذه الجامعة قادرة على العمل باستقلال عن الوزارات السعودية. ومن المفترض كذلك أن تتابع فيها النساء والرجال سوية الدراسة والبحث، وحتى إنَّه سوف يُسمح فيها للنساء بقيادة السيارات - وعلى الرغم من أنَّ هذا الأمر غير مهم من الناحية العلمية، بيد أنَّه يعتبر في المملكة العربية السعودية ذا قيمة رمزية كبيرة. وفي حفل وضع حجر أساسها في عام 2007 أعلن عدد من المسؤولين وكبار الشخصيات في المملكة العربية السعودية أنَّ جامعة الملك عبد الله سوف تغيِّر المجتمع. وقال النقَّاد الذين كان بعضهم أيضًا من العالم العربي، إنَّ هذا المشروع يمثِّل رغبة السعودية المعتادة في تصميم كلِّ شيء بشكل عظيم، يؤدِّي في آخر المطاف إلى تحقيق إنجازات قليلة جدًا.

حصاد قد يطول انتظاره...

ولكن يتَّضح من خلال الشخص الذي احتل منصب رئاسة الجامعة أنَّ إخضاعها لإشراف دولي لا يعتبر مجرَّد ادِّعاء وهمي؛ حيث تم تعيين البروفيسور تشون فونغ شي رئيسًا للجامعة، وهو مهندس حصل على الدكتوراه في جامعة هارفارد وكان مؤخرًا رئيس جامعة سنغافورة الوطنية. وكذلك يدل تكليف شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو) ببناء هذه الجامعة، وليس وزارة التعليم العالي الأقل كفاءة، على أنَّ السعوديين يريدون حقًا النجاح.

ويبقى علينا الانتظار لنرى إلى أي مدى يمكن أن تخرج جامعة الملك عبد الله في الواقع من محيطها المغلق وتؤثِّر في المجتمع السعودي. ولنرى كذلك إذا كانت هذه الجامعة نموذجًا يلبِّي احتياجات البلد؛ وهل فكَّر المسؤولون بربطها بالاقتصاد السعودي؟ وما هي الفرص التي ستكون لدى المتخرّجين منها من أجل تطبيق ما تعلموه في بلدهم؟

والملك عبد الله يسعى إلى إحداث تغيير في المملكة العربية السعودية، ليس فقط في قطاع التعليم. ولكن الملك الآن في الخامسة والثمانين من عمره، ومشاريع الإصلاحات مرتبطة ارتباطًا شديدًا به شخصيًا. وهذه التجربة ستكون في الأعوام المقبلة وفي الصحراء السعودية تجربة جديرة بالملاحظة ومثيرة للاهتمام.

آرنفريد شينك
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دي تسايت/قنطرة 2009

قنطرة

غيدو شتاينبرغ: المذهب الوهابي عقبة تعترض طريق الإصلاح في السعودية
تحالف بين النخبة السياسية والدينية
على الرغم من أن الحكومة السعودية عمدت منذ بضعة سنوات إلى اتخاذ خطوات تهدف إلى إكساب السياسة الداخلية طابعا أكثر انفتاحا، إلا أنه ليس من المتوقع أن يفرز ذلك إصلاحات جذرية، حسب رأي الباحث غيدو شتاينبرغ.

المؤتمر الثقافي الألماني السعودي في برلين:
حق الانتخاب وقيادة السيارة
كان وضع المرأة في المملكة وفي ألمانيا أحد الموضوعات الهامة على جدول أعمال المؤتمر الثقافي الألماني السعودي في برلين، الذي أقامته وزارة الخارجية الألمانية بالتعاون مع وزارة التعليم العالي السعودية. تقرير مارتينا صبرا.

من أجل إسلام قائم على التسامح:
ما ينبغي على العربية السعودية القيام به
رغم بعض المبادرات التي قامت بها المملكة في السنوات الماضية لوقف انتشار الإسلام الراديكالي، إلا أن سياسات شتى بحاجة إلى إعادة نظر، لا سيما ما يخص الحرية الدينية. مقالة بقلم فهد ناظر.