الأفغان كبش الفداء

عائلة أفغانية تنتظر في أحد المكاتب. (Photo: Picture Alliance / ZUMAPRESS.com | Ahmad Halabisaz)
يعيش ملايين الأفغان في إيران: هنا، عائلة أفغانية في طهران. (Photo: Picture Alliance / ZUMAPRESS.com | A. Halabisaz)

في خضم الضربات الإسرائيلية، يغذي النظام في طهران، الشكّ تجاه اللاجئين الأفغان ويلاحقهم بتهم التجسس. يتحدث أفغانيون في إيران لـ "قنطرة"، عن محاولات النجاة من القصف والملاحقة الأمنية.

الكاتبة ، الكاتب: عمران فيروز

منذ اندلاع الحرب مع إسرائيل، بات العديد من الأشخاص في إيران عرضة مباشرةً للصواريخ. فقد قُتل حتى يوم الأحد ما لا يقل عن 430 شخصًا جرّاء الهجمات الإسرائيلية، وفقًا لوزارة الصحة الإيرانية. بينما تشير منظمات حقوقية إلى أن عدد الضحايا قد يكون ضعف هذا الرقم.

وقد غادر العديد من الإيرانيين الميسورين العاصمة طهران في الأيام الأخيرة ولجأوا إلى مناطق لم تصلها نيران الحرب بعد. أما بالنسبة للأقليات والفئات المهمشة ومحدودي الدخل، فإن العثور على ملاذ آمن يُعدّ أمرًا صعبًا.

وتقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن نحو 4.5 مليون أفغاني وأفغانية يعيشون في إيران، وعلى مدى عقود، فرّ العديد من الأفغان إلى هذا البلد المجاور، حيث يعيش كثير منهم في وضع غير قانوني ويجرى استغلالهم كعمالة رخيصة.

لقد شُيّدت معظم ناطحات السحاب في المدن الإيرانية الكبرى على أكتاف اللاجئين الأفغان الذي ينشطون في قطاع البناء. واليوم، يضطر العديد من هؤلاء العمال إلى البحث عن مأوى يحميهم من الغارات الجوية، سواء في ورش البناء أو داخل المصانع.

"الشرّ الأعظم"

تقول خاترة أحمدي*، وهي أمّ تبلغ من العمر 50 عامًا وصلت مؤخرًا إلى طهران مع عائلتها: "جئنا إلى هنا لأننا لم نعد نشعر بالأمان في أفغانستان. كانت ممارسات طالبان القمعية تزداد يومًا بعد يوم. ماذا عسانا نفعل الآن؟ أنفرّ مجددًا؟".

ورغم أن ظروف اللاجئين في إيران سيئة، إلا أن الكثيرين يعتبرونها أفضل حالًا من الحياة تحت حكم طالبان المتشددة. فمنذ عودتهم إلى السلطة عام 2021، تصاعدت مظاهر الفصل بين الجنسين بشكل صارم يفوق ما هو موجود في إيران، فضلًا عن القمع العشوائي الذي بات يوميًا.

وقد تعرّض منزل أحمدي في أفغانستان للمداهمة مرارًا من قبل مقاتلي طالبان. وتقول عبر الهاتف: "أنا أرملة، لكنهم لم يهتموا بذلك. كانوا يظنون أن عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية مختبئون في بيتنا".

وتتساءل أحمدي عن أهداف إسرائيل والولايات المتحدة قائلة: "هنا في إيران توجد بنية تحتية وتعليم وثقافة، هل المطلوب أن يُدمّر كل هذا بالقنابل؟".

أما أولئك الذين يعلّقون آمالهم على تغيير في السلطة في طهران بدعم أمريكي أو إسرائيلي، فلديها رسالة من واقع تجربتها: "أفهم أن كثيرين في إيران يكرهون نظام الملالي"، تقول، "لكن في أفغانستان، لم يؤدِّ أي تغيير في الحكم من الخارج إلى نتائج إيجابية. غالبًا ما تلا الشرّ شرٌّ أعظم". 

استعراض تلفزيوني

يبدو أن النظام الإيراني يرى أن المسؤولين عن المآسي الحالية ليسوا فقط خارج البلاد، بل ربما في الداخل أيضًا، وتُطرح تساؤلات مثل: من يتقاضى المال من جهاز الموساد الإسرائيلي؟

ففي التلفزيون الرسمي الإيراني، جرى عرض مجموعة من الرجال الأفغان الذين تم اعتقالهم بتهم واهية، واتهامهم بالإرهاب أو التجسس.

كما وردت تقارير –لم يمكن التحقق منها بشكل مستقل–، عن تنفيذ مداهمات في أحياء يسكنها لاجئون أفغان.

يقول محمد حليم*، الذي غادر أفغانستان قبل عامين واستقر في طهران، إن "النظام يتهم الأفغان بالتعاون مع الموساد". تمكن حليم من الفرار مع أصدقائه الإيرانيين إلى شمال البلاد بعد الهجمات الإسرائيلية.

ويضيف في اتصال عبر الفيديو، بفضل خدمة ستارلينك التي لا تزال تعمل بالبلاد: "يقال إن جواسيس من الأفغان زوّدوا الإسرائيليين بإحداثيات المواقع". إذ لا يزال الإنترنت يعمل عبر الأقمار الصناعية بخلاف بقية وسائل الاتصال في البلاد.

ويتابع: "الآن نشهد عقوبات جماعية من جديد. كونك أفغانيًا يعني أنك يجب أن تكون أكثر حذرًا من أي وقت مضى".

وتُعدّ العنصرية تجاه الأفغان في إيران ظاهرة قديمة ومتجذرة، سواء على المستوى الاجتماعي أو المؤسسي، ففي عدة محافظات، يُمنع الأفغان رسميًا من الاستقرار. كما ذاعت أخبار في السنوات الأخيرة عن حدائق عامة لا يُسمح للأفغان بدخولها.

الموساد في البلاد

ويُحتجز لاجئون أفغان في العديد من مراكز الاعتقال داخل إيران، حيث تتم إعادتهم قسرًا إلى بلادهم بشكل جماعي منذ سنوات. أما على الحدود الإيرانية-الأفغانية، فغالبًا ما يتعرضون لانتهاكات جسيمة من قبل الجنود الإيرانيين.

وبرغم كل ذلك، لا يستبعد حليم أن يكون بعض الأفغان قد تعاونوا فعلًا ضد النظام. "مثل كثير من الإيرانيين، أعتقد أن الموساد كان موجودًا هنا منذ فترة طويلة، قبل هذه الهجمات الأخيرة." ويتساءل: "كيف يمكن أن تحدث هجمات من هذا النوع؟ من الواضح أنهم موجودون هنا."

ويضيف أنه سمع بأن بعض الأفغان الفقراء جُنّدوا مقابل المال لتنفيذ مهام بسيطة، "لكن في النهاية، من يتعاون مع الإسرائيليين هم الإيرانيون أنفسهم في الأساس".

ورغم أن هذه الادعاءات لا يمكن التحقق منها، إلا أن كثيرًا من الأفغان يعتقدون صحتها. إذ يعيش معظم اللاجئين في فقر مدقع، ويحتاجون إلى المال لإعالة عائلاتهم التي غالبًا لا تزال في أفغانستان، وفي مثل هذه الظروف، فإن قبول المال من جهات مشبوهة يبدو أمرًا مفهومًا من الناحية الإنسانية.

وكان النظام الإيراني نفسه قد أغرى اللاجئين بالمال في وقت سابق. خلال الحرب في سوريا، جُنّد الآلاف من اللاجئين الأفغان، بمن فيهم قاصرون، للانضمام إلى ما يُعرف بـ"لواء فاطميون" للدفاع عن نظام الأسد الحليف لطهران. وقد وُعد الشباب وعائلاتهم بأوراق إقامة إيرانية وبفرص تعليمية، لكن كثيرين لم يعودوا أبدًا.

*تم تغيير الأسماء لدواعٍ أمنية

هذا النص ترجمة محررة من النص الأصلي بالألمانية.

قنطرة ©