أعياد الميلاد في الشرق...ثقافة مسيحية ناطقة باللغة العربية
"ياأجراس الفرحة هلي
الليلة طل العيد
ياشموع الهيكل
نور علينا بنور جديد
يا نور المتجلي
بعيدك فينا الفرحة تزيد"
أجراس الفرحة "اليوم عيد، عيد الميلاد" هكذا ينشدون في الشرق الأوسط هذه الأيام. يحتفلون كما لو قد ولد طفل فعلا. أغلب الناس في ألمانيا لا يتصورون أنه يوجد مسيحيون في الشرق الأوسط، أو يُحتفل هناك بعيد الميلاد، وبالأحرى يوجد أناشيد دينية للميلاد. فالعالم العربي بالنسبة لهم هو الإسلام، على الرغم من وجود أقلية مسيحية كبيرة. وغالبا مايتم تناسي أن مهد المسيحية هناك.
فسيفساء الثقافة
تُمثل المسيحية في الشرق الأوسط جزءا كبيرا من فسيفساء الثقافة المتنوعة في المنطقة. حيث يوجد هناك أقدم الآثار المسيحية إضافة الى الليتورجية والتراتيل التي انتشرت منذ القرن الثاني الميلادي في جميع أنحاء المنطقة.
استطاع السكان في جميع هذه البلدان لقرون عديدة الحفاظ على وجودهم كمسيحين في بيئة إسلامية. فهم أحفاد المسيحيين الأوائل، وجميع كنائسهم هي تقريبا كنائس رسولية.
تعود أكثر هذه التجمعات المسيحية الى عهود قديمة. فهي لم تتكون كما هو الحال في أوروبا من خلال البعثات التبشرية للكنائس المسيحية. لقد فتح المسيحيون العرب للأوروبيين مدخلا للوصول إلى جذورهم.
ملايين المسيحيين في المنطقة العربية
يعيش في المنطقة العربية حوالي 18 مليون مسيحي .توجد كنائسهم أساسا في مصر ولبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق. تشكلت هناك أول جماعات مسيحية. في بعض الكنائس لا تزال تستخدم اللغة السريانية بشكل يومي في القداس الإلهي وعدد من التراتيل والصلوات الأخرى كلغة ليتورجية، وهي بالأساس لغة يسوع المسيح.
الطقوس هناك لها علاقة مع الثقافات القديمة لهذه المنطقة. وتُقام جميعها بلغتين، العربية وبإحدى اللغات القديمة المتواجدة في هذه المناطق: القبطية والآرامية واليونانية التي كانت لفترة لغة الثقافة القديمة للساحل الشرقي للمتوسط.
كنائس شرقية أصلية
مع مرور الوقت تطورت الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط مثل شجرة زيتون قديمة. لديها عدة فروع قوية، وهي الكنائس الشرقية الأصلية: البيزنطية والسريانية والقبطية والأرمنية. وكل كنيسة أنتجت طقوسا خاصة بها. ومن بعدُ نمت العديد من الأغصان على كل فرع. وكل غصن لديه تاريخه القديم، ونظامه، وغالبا أحكام قضاء خاصة به..
لم تعرف المسيحية في بدايتها عيد الميلاد. لقد أدرج 25 ديسمبر/ كانون الأول في وقت لاحق كموعد للاحتفال بعيد الميلاد. كان آنذاك يُحتفل في 6 يناير/ كانون الثاني بعيد النور. لذلك مازالت بعض الكنائس الشرقية تحتفل بمولد المسيح في اليوم السادس من شهر يناير/ كانون الثاني.
الدور الثقافي لمسيحيي الشرق
على مر القرون، لعب المسيحيون الشرقيون دوراً حضارياً وثقافياً وعلمياً في هذه البلدان. كان لهم دور حاسم في تطوير المسرح والسينما والموسيقى والأدب والفنون التشكلية لأنهم كانو منفتحين على كل الاتجاهات الثقافية الجديدة في العالم. لم يكن لهم كمجموعة دور في الحياة السياسية. على عكس دورهم الثقافي.
تقاليد عيد الميلاد الأوروبية لم تكن معروفة عند المسيحيين الشرقيين. لكن مع مرور الوقت أصبح عيد الميلاد أكثر أهمية. عن طريق التواصل مع أوروبا دخلت العديد من هذه الطقوس والتقاليد الى الشرق مثل شجرة الميلاد، وبابا نويل الذي يجلب الهدايا للأطفال.
العيد الصغير وقداس منتصف الليل
يُعتبر عيد الميلاد ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد الفصح. ويُـقال لــه الـعـيد الصغـيــر. تبدأ الاستعدادات للعيد قبل أسبوعين في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط. ولاتقتصر احتفالات الميلاد على الأسرة وإنما له أيضا أجواء احتفالية اجتماعية ودينية. تقام الاحتفالات أيضا خارج البيت. يجتمع الرجال والنساء والأطفال ليلة العيد في الساحة أمام الكنيسة. يرتدون أفضل مالديهم من ملابس والمجوهرات، كما لو كانوا في طريقهم الى حفل زفاف. يرقصون ويغنون، وتعزف الفرق الموسيقية ومن بعدُ يجوبون الشوارع والأزقة.
ثم يعود الجميع حتى الآطفال إلى الكنيسة لحضور قداس منتصف الليل. و يشعلون النار أمام الكنيسة لتأكيد أن المسيح أتى إلى العالم وغمر البشر بنوره. في نهاية القداس يوزع الخبز على الجميع، ويأخذ كل شخص قطعة ويأكلها.
التصالح مع الخصوم
من بعدُ لا يذهبون مباشرة البيت، بل يتجمعون أمام الكنيسة، يتبادلون الحديث، يتعانقون ويقبلون بعضهم البعض. وكأنهم في سوق شرقي. وتعم الفرحة عند الجميع. لا أحد يحضر القداس دون أن يتصالح مع كل من تخاصم معه. يدوم الاحتفال مدة أربعة أيام يتبادل فيها الجميع الزيارات والتهاني بميلاد المسيح.
تسامح وعيش مشترك
عاش المسيحيون فترة طويلة بسلام مع المسلمين ولديهم سوية تقاليد وثقافة مشتركة. الدولة لها طابع إسلامي، غير أنها متسامحة مع الأقليات. هكذا كان الوضع إلى اليوم.
ترزخ المسيحية هناك حاليا تحت المزيد من الضغوط، بسبب تنامي القوى الأصولية الراديكالية، وانهيار سلطات الدولة وعدم كفاية الفصل بين الدين والدولة. ويزداد العنف الموجه ضد الأقليات الدينية.
أجواء نهاية العالم...من يهاجر لا يعود
تعم بين المسيحيين العرب اليوم أجواء نهاية العالم. وللهروب من خطر النزاعات في بلادهم يختارون طرق أخرى: اليوم في القرن الواحد والعشرين يهاجر المسيحيون من الشرق الأوسط بشكل كبير. كل عائلة تحاول بكل المستطاع إرسال أولادها الى الخارج. ولا يبقى هناك سوى كبار السن. الهجرة هي أهم موضوع لديهم. ومن يهاجر لا يعود. ولكن كلما ازدادت هجرة الأقليات أصبحت فرص تحديث المجتمعات الإسلامية بشكل كامل ضئيلة.
سليمان توفيق
حقوق النشر: قنطرة 2014