قصص من الماضي قد تصلح لعصرنا الحالي
ربما يكون السؤال حول كيف يمكن لأتباع الديانات المختلفة أن يعيشوا معًا بسلام، أقدم من التوحيد ذاته، ويبدو أحيانًا سؤالا غير قابل للإجابة اليوم. ومع ذلك، فإن الإجابة بسيطة للغاية: من خلال قبول بعضهم البعض. بالطبع، لا ينجح هذا الأمر بمجرد أن يدخل السعي وراء السلطة والسياسة اللعبة، حيث يتم استغلال البشر والأديان كأدوات سياسية وتحريضهم ضد بعضهم البعض.
ورغم ذلك، نجح التعايش السلمي بين أتباع الديانات المختلفة من حين إلى آخر عبر التاريخ، مثلما حدث في دمشق منذ نحو مئة عام. حيث كانت سوريا لفترة طويلة منطقة (دولة) معقدة متعددة الأعراق، يتعايش فيها المسيحيون واليهود والمسلمون والعديد من الجماعات الدينية الأخرى مع بعضهم البعض دون مشكلات إلى حد كبير. من ذكريات طفولته الخاصة، يعود الكاتب والممثل المسرحي اليهودي السوري موسى عبادي (1910-1997م) بنا إلى الحياة داخل الحارة في كتابه "الملكة والخطّاط".
صدر الكتاب في البداية باللغة الفرنسية عام 1994، قبل أن يُترجم لاحقا إلى اللغة العربية، والآن يأتي في ترجمة ألمانية لجيرهارد ماير من دار "مانيسّي" الألمانيّة مع خاتمة للروائي السوري-الألماني رفيق شامي.
يُعد الكتاب جوهرة أدبيّة ذات فهم عالمي تشتد الحاجة إليه الآن. بالطبع مكانتها كقطعة من الأدب العالمي الخالد مضمونة لهذا السبب وحده، ولكن الفضل في ذلك يعود أيضًا إلى أن عبادي نجح بطريقة مرحة وفكاهية في إحياء حارة اليهود في دمشق -وهي حارة لم تعد موجودة اليوم، كما يوضح شامي في خاتمته.
ترعرع شامي، المولود عام 1957، في شارع موازٍ للزقاق الذي يتحدث عنه عبادي بألوانه الزاهية. اليوم -كما يقول شامي- لا يزال يعيش هناك اثنا عشر يهوديًا فقط، وقد دُمرت العديد من المنازل، فيما يسيطر أنصار حزب الله على منازل أخرى بالحارة. في عشرينات القرن الماضي، كان الجالية اليهودية تبلغ حوالي تسعة آلاف نسمة، وكانت هناك معابد يهودية ومدارس يهودية في قلب دمشق.
يوضح شامي أن الكتاب يحكي عن ماضٍ ملموس، ويعرض من خلاله صورة إنسانية لمجتمع مستقبلي يعيش فيه جميع الناس معًا على قدم المساواة، بحرية وانفتاح، دون أن يضطروا إلى تبرير أنفسهم بسبب دينهم أو جنسهم أو عرقهم. في عالم أكثر عقلانية، سيكون هذا أيضًا أمرًا بديهيًا. لماذا يجب عليك تبرير شيء لم تختاره لنفسك بشكل عام؟، الفكرة في حد ذاتها سخيفة - ومع ذلك فهي للأسف واقع يومي.
الحوار بين الأديان في الحياة اليومية
في الواقع، إن تبني موسى عبادي مثل هذا الموقف الإنساني العميق ليست مصادفة بأي حال من الأحوال، وليس فقط بسبب سنواته الأولى من الحرية في دمشق بين نهاية الإمبراطورية العثمانية وبداية الاحتلال الفرنسي عام 1920. فقد شهد بداية الحرب العالمية الثانية (1939-1945) كطالب بجامعة السوربون في فرنسا، قبل أن يهرب إلى مدينة نيس، حيث أنقذ مع شريكه وعدد قليل من المؤيدين أكثر من 500 طفل يهودي من موت محقق بإخفائهم عن أنظار غزو جحافل النازية (الجيش الألماني). بعد الحرب، عمل عبادي لعقود كممثل ومؤلف وصحافي.
يتألف كتاب "الملكة والخطّاط" من ست وعشرين حلقة أو قصة قصيرة تدور أحداثها في حارة اليهود ومحيطها، والتي كانت تسمى "الغيتو" ، في وقت لم يكن الاسم يحمل دلالات سلبية بعد أو مرتبطًا بأهوال الهولوكوست. غير أنها في الواقع، كانت حيّاً مفتوحاً يسهل الوصول إليه مع زقاق مركزي.
قصص قصيرة بين فقراء طنجة مليئة بالجنس والموت والكثير من الذباب
في مجموعة محمد شكري القصصية المتنوعة والتجريبية "حكايات طنجة" يلتقي الواقع بالغرابة ويبدو أن القصص غير المتوازنة التي طرحها المؤلف الراحل تدور حول حوافها بسرعة كبيرة لدرجة أنها قد تطير إلى خارج صفحات الكِتاب. مارسيا لينكس كويلي تستقرئ الترجمة الإنكليزية لموقع قنطرة.
يروي عبادي بعين مُحِبة أحيانا، وبنظرة حنين للماضي في أحيانٍ أخرى، الحياة اليهودية الإسلامية المسيحية في المدينة وجميع أنواع الشخصيات والحوادث الطريفة. على سبيل المثال، محاولة إنشاء مدرسة تضم ثلاثة فصول، والتي تفشل بسبب نسيانهم التحقق من المتقدمين لوظائف التدريس. يقوم أحدهم بإزالة الأثاث من الفصل الدراسي ويجلس على الأرض أمام التلاميذ ويقلي سمكة – سواء كانت تلك طريقة رمزية لتعليم الأطفال أم لا، فهي واقعة مثيرة للشك.
في تلك الأثناء، يتبين أيضا أن الملكة الشرفية محتالة، وإن كانت ثرية وكريمة للغاية، ولهذا يتذكرها أهل الحارة باعتزاز في الماضي رغم قصصها الغامضة. كل قصة من هذه القصص جديرة بالقراءة ليس فقط لأنها تُعيد الحياة إلى حقبة ماضية، بل أيضا توضح في كل صفحة تقريبًا كيف يبدو الحوار بين الأديان في الحياة اليومية: ببساطة عن طريق التعاطي مع إخوانك من البشر كما هم.
ترجمة النسخة الألمانية لجيرهارد ماير، مع كلمة ختامية لرفيق شامي.
مانيسه فيرلاغ 2024
صدر الكتاب باللغة الفرنسية وتُرجم إلى اللغة العربية عام 2011.
© Qantara.de 2024