هكذا يتعامل العرب وجيرانهم مع كوارث المناخ والبيئة
السيِّد تسومبريغِل، يعتقد الكثير من الخبراء أنَّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون من أكثر مناطق العالم تضرُّرًا بسبب تغيُّر المناخ. وفي الوقت نفسه أظهرت دراستك أنَّ السياسات الإقليمية نادرًا ما تطرح هذا الموضوع على جداول أعمالها. فما هو السبب؟
توبياس تسومبريغِل: توجد أسباب كثيرة. دولٌ مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن لديها نزاعات عسكرية وتسود في بعضها حروب أهلية. لذلك فإنَّ "السياسة الناعمة" لا تحظى هنا بأية أولوية. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ هذا الموضوع يمسُّ قضايا سياسية أساسية تتعلق بالسلطة والشرعية ويدعم هياكل الحكم السلطوية السائدة.
يمكننا أن نرى في دول الخليج -على سبيل المثال- كيف تستفيد بشكل خاص النخبُ السياسية والاقتصادية من المشاريع الكبيرة المُستدامة. وبشكل عام نرى على المستوى السياسي وكذلك لدى المواطنين وعيًا بيئيًا ضعيفًا جدًا، نادرًا ما يتم تعزيزه حتى من خلال حملات التوعية أو في قطاع التعليم.
بحسب دراستك فإنَّ الأمثلة الإيجابية موجودة بشكل خاص في شمال أفريقيا. فماذا يحدث هناك؟
توبياس تسومبريغِل: أصبح لدينا مع المغرب وتونس دولتان عملتا في السنوات الأخيرة على دفع عدد من السياسيات البيئية ومبادرات الاستدامة إلى الأمام. لعبت أيضًا في تونس القضايا البيئية دورًا في التحوُّل السياسي الأساسي بعد عام 2011. وكانت الحكومة حريصة جدًا على أن تأخذ معها الناشطين في مجال البيئة لأنَّهم يملكون صوتًا سياسيًا.
وماذا عن المغرب؟
توبياس تسومبريغِل: يمكننا أن نفهم جيدًا من مثال المغرب كيف يريد هذا البلد أن يبني لنفسه سمعة خضراء إيجابية. فقد تم في عام 2016 -على سبيل المثال- إقرار حظر على استخدام الأكياس البلاستيكية. وأراد الملك محمد السادس في العام نفسه دعم هذا القرار من خلال تنظيم مؤتمر الأمم المتَّحدة للتغيُّر المناخي في مراكش.
صورة خضراء في دول الخليج
كيف يبدو الوضع في دول الخليج؟
توبياس تسومبريغِل: يحاول الحكَّام هنا أيضًا أن يكوِّنوا لأنفسهم صورة خضراء. قطر -على سبيل المثال- كانت لديها قبل المغرب بفترة طويلة فكرة تلميع صورتها الدولية من خلال استضافة مؤتمر الأمم المتَّحدة للتغيُّر المناخي عام 2012 في الدوحة. وكان ذلك أيضًا ضروريًا جدًا، لأنَّ هذه الإمارة الغنية كانت لديها في ذلك الوقت النسبة الأعلى من "بصمة القدم البيئية" لكلّ فرد على مستوى العالم. يتم أيضًا في دولة قطر استغلال تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم من أجل حصولها على صورة خضراء.
ولكن دول الخليج تهتم قبل كلّ شيء باستدامة الطاقة. قد يبدو ذلك من الوهلة الأولى متناقضًا، ولكن من الممكن أن يحدث في هذا المركز العالمي لإنتاج الطاقة بالذات نقصٌ في الطاقة في السنوات القادمة. وهذا النقص بات يُلاحظ الآن خلال أشهر الصيف الحارة، عندما تعمل أجهزة تكييف الهواء بكامل طاقتها.
ما السبب؟
توبياس تسومبريغِل: هذا يعود إلى التغيير الديموغرافي وكذلك إلى الاستهلاك الضخم والهدر الصارخ للموارد ورأس المال الطبيعي، وهذا ملحوظ -على سبيل المثال- بالنظر إلى صالات التزلج في دبي. لقد بدأ العديد من هذه الدول في استيراد الغاز مثلًا من قطر، وذلك من أجل التمكُّن من تأمين الاستهلاك الوطني من الطاقة. تُجرِّب أبو ظبي والمملكة العربية السعودية استخدام الطاقة النووية، وقد أقامت دبي محطة توليد طاقة بالفحم، على الرغم من أنَّ الفحم يُعتبر المادة الخام -المستخدمة لتوليد الطاقة- الوحيدة التي غير متوفِّرة بشكل طبيعي هناك. تُظهر هذه الأمثلة أنَّ الأمر لا يتعلق كثيرًا بسياسة بيئية حقيقية، بل بمسائل تأمين الطاقة والاشتهار كمركز عالمي للطاقة.
نقص المياه يخلق صراعات
هناك دول أخرى في المنطقة لديها من ناحية أخرى مخاوف على أساسيات ضرورية جدًا…
توبياس تسومبريغِل: يمثِّل نقص المياه المشكلة الرئيسية في بلاد الشام وفي الهلال الخصيب وأيضًا في مصر. هذه المنطقة في الواقع غنية باحتياطيات المياه، ولذلك فقد تطوَّرت فيها بالتالي زراعة قوية. ولكن باتت لدينا الآن مخاوف بشأن تأمين المياه وذلك بسبب عوامل مثل الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب مياه البحر وتملح التربة وتلوثها.
من المعروف أنَّ الخلافات على المياه كانت في الماضي أيضًا سببًا لنشوب نزاعات…
توبياس تسومبريغِل: في الواقع، نحن نشهد في جميع أنحاء المنطقة عددًا من النزاعات حول موارد المياه، ومن ذلك اشتعال الصراع -كما نراه في وسائل الإعلام- حول إنشاء سدّ النهضة الإثيوبي الكبير في إثيوبيا.
لقد قال في سبعينيات القرن العشرين بطرس بطرس غالي، الذي أصبح في وقت لاحق الأمين العام للأمم المتَّحدة: إنَّ الحرب القادمة في الشرق الأوسط ستندلع بسبب المياه. وها هو صوت قرع الطبول الخطابية في القاهرة وأديس أبابا يرتفع وقد يتطوَّر هذا الخلاف إلى أزمة إقليمية. أعتقد أنَّ مثل هذه التكتُّلات ستزداد أكثر لأنَّ تدمير البيئة وتغيُّر المناخ يمكن أن يؤدِّيا إلى زيادة حدَّتها.
.......................................
طالع أيضا
الملكة نور: دعوة إسلامية لتحول العالم كلياً إلى الطاقات المتجددة
هل تراعي مباني إسطنبول الحديثة خطر الزلازل ومحدودي الدخل؟
كارثة من نوع آخر في العالم العربي الإسلامي
الطاقة الشمسية بديلا عن الذهب الأسود
"أزمة البيئة هي أيضا أزمة روحانية"
هل استمتعت بوجبتك البلاستيكية لهذا اليوم؟
ترويج صيد السمك المستدام في تيبازة الجزائرية
مساجد عادلة بيئياً واجتماعياً في ألمانيا
حماية البيئة بالاستعانة بالقرآن؟
حماية البيئة - مبدأ أصيل في الإسلام
التكنولوجيا الخضراء - طموحات كبيرة ومعوقات سلوكية
.......................................
لننتقل من الجيوسياسية إلى المستوى الاجتماعي: هل أثارت القضايا البيئية احتجاجات جماهيرية أيضًا؟
توبياس تسومبريغِل: لقد لعبت الاعتبارات البيئية في السنوات الأخيرة دورًا مصاحبًا في الكثير من موجات الاحتجاجات. وكان تركيز الاحتجاجات الرئيسي على الظلم الاجتماعي ومواجهة القيادة السلطوية والفساد. ولكن الأمر يتعلق طبعًا في نهاية المطاف أيضًا بالتلوث البيئي والاستغلال وتوزيع الموارد الطبيعية.
أين على سبيل المثال؟
توبياس تسومبريغِل: تظاهر الناس في المغرب -على سبيل المثال- من أجل الحصول على مياه الشرب بشكل أفضل، وفي لبنان ضدَّ الفساد في إدارة النفايات وفي تونس ضدَّ آثار التلوُّث البيئي بسبب المنشآت الصناعية. توجد بالإضافة إلى ذلك احتجاجات ترتبط دوافعها ارتباطًا مباشرًا بآثار تغيُّر المناخ، ولكن مع ذلك يُنظر إليها في النقاش العام بشكل مختلف: مثلًا ضمن سياق الفيضانات المختلفة، التي عانت منها في السنوات الأخيرة مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية. فقد شهدت شبكات التواصل الاجتماعي بالذات بعد الفيضانات الشديدة في عام 2009 احتجاجات كبيرة جدًا بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
خاصةً لأنَّ الكثير من الناس فقدوا حياتهم بسبب الجهل بالمخاطر. ولكن مع ذلك لم يُنظر إلى هذا الفيضان كثيرًا ضمن إطار مشكلات المناخ، بل من ناحية سوء الإدارة والفساد في الدوائر الحكومية. وفي حين أنَّ أمير جدة قد استقال ظلّ انتقاد الأسرة المالكة السعودية وسياستها البيئية غير الموجودة ضئيلًا جدًا.
صعوبة عمل المنظمات غير الحكومية
ما سبب ضعف أداء المنظمات البيئية المؤسَّسة من قِبَل المواطنين في جميع دول المنطقة تقريبًا؟
توبياس تسومبريغِل: هذا يعود إلى سببين: فمن ناحية تنظر الدولة دائمًا إلى هذه المنظمات غير الحكومية على أنَّها تشكِّل تحدِّيًا أو أطرافًا منافسة تهدِّد استقرار الحكومة وشرعيتها. وذلك لأنَّ الناس في النهاية قد يصبح لديهم انطباع بأنَّ الدولة لم تقم بمهامها الأساسية. يخشى الحكَّام السلطويون كثيرًا من أن يؤدِّي ذلك في نهاية المطاف إلى اضطرابات سياسية.
ومن ناحية أخرى تواجه مثل هذه المنظمات صعوبات في عملها لدى المواطنين أيضًا. إذ لا يرى الناس ببساطة حاجة كبيرة للنشاطات غير الحكومية. وكِلا العاملَيْن يجعلان العقبات القانونية والمؤسَّساتية التي تواجه المنظمات غير الحكومية كبيرة جدًا جدًا.
هل تذكر لنا مثالًا على ذلك؟
توبياس تسومبريغِل: نشأت في إيران خلال العقد الماضي الكثيرُ من المنظمات البيئية غير الحكومية. وحتى أنَّ حكومة روحاني دعمتها ابتداءً منذ عام 2013، لأنَّ المعنيين قد أدركوا أنَّ بإمكانها معالجة المشكلات البيئية المحلية بشكل أكثر فعالية. ولكن بعد ذلك ازدادت أعمال القمع في الأعوام الأخيرة. وعلى سبيل المثال لقد تم في مطلع هذا العام (2020) اعتقال العديد من أعضاء "مؤسَّسة التراث الفارسي للحياة البرية" بتهمة تجسُّس مزعوم.
ذكرت في دراستك فرضيةً تفيد بأنَّ ثروة الموارد الطبيعية تؤدِّي إلى زيادة حِدة الممارسات السلطوية. فما الذي تقصده بذلك؟
توبياس تسومبريغِل: غالبًا ما يُقال إنَّ عائدات مبيعات النفط والغاز يمكن استخدامها لتقديم هبات رعاية اجتماعية سخية للمواطنين، مثل الرعاية الصحية المجانية. من الممارسات السلطوية الشائعة أن يُقال: طالما أنَّكم لستم مجبرين على دفع الضرائب فلا يجوز لكم المطالبة بالتمثيل [السياسي].
ولكن يمكن أيضًا استخدام هِبات الرعاية الاجتماعية بشدة من أجل تهدئة الاحتجاجات، مثلما حدث في عام 2011 في دول الخليج. ومع ذلك يجب علينا عدم المبالغة في تقدير أهمية ما يسمى بنظرية الدولة الريعية. وذلك لأنَّ الممالك والإمارات الخليجية الثرية قد بدأت في هذه الأثناء أيضًا بفرض ضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة.
هل يؤدِّي خطر جائحة كوفيد 19 إلى جعل التحوُّل إلى المزيد من الاستدامة من الكماليات؟ أم أنَّ هذه الأزمة تقدِّم فرصة تاريخية؟
توبياس تسومبريغِل: يحاول الناس في جميع أنحاء العالم إنعاش اقتصادهم المهزوز بشدة، ولكنني أخشى من أن يعودوا بقوة أكبر بكثير إلى نماذجهم القديمة. تعاني بعض دول المنطقة من ضربة مزدوجة: فهي لم تتعافَ بعد من أزمة النفط في عام 2014 والآن يأتي التراجع التالي في أسعار النفط.
هذا يعني إذن من غير الواقعي أن تجبر الأزمة الناس على الاستثمار في التقنيات الخضراء؟
توبياس تسومبريغِل: ما من شكّ في أنَّ هناك مبادرات للابتعاد عن توليد الطاقة بالوقود الأحفوري لكي تصبح عملية توليد الطاقة أكثر كفاءة، ولكن فقط على مستوًى وطني. وذلك لأنَّ دول المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية لا تزال تريد في الواقع مواصلة استخراج النفط وإنتاجه، وقبل كلِّ شيء بيعه، من أجل الحفاظ أيضًا على استقرارها الاقتصادي وبالتالي على استقرارها السياسي أيضًا.
وعلى الرغم من وجود مبادرات خضراء تبدو واعدة على الورق فقط، فإنَّ الناس يتجاهلون مرارًا وتكرارًا حقيقةَ أنَّ جميع هذه البلدان لا تزال تعمل الآن أيضًا بنشاط في البنية التحتية الخاصة بالنفط والغاز لديها وتقوم حتى بتوسيعها. السعوديون مصمِّمون على أنَّ آخر قطرة نفط يجب أن يتم استخراجها من حقولهم وليس من أي مكان آخر.
هل يعني هذا أنَّ كلَّ شيء في النهاية مجرَّد "غَسْل أخضر"؟
توبياس تسومبريغِل: هذا الاتِّهام صحيح من دون شكّ في بعض الجوانب. إذ إنَّ الكثير من الحكومات تهتم بضمان الازدهار الاقتصادي ودولة الرفاهية وكذلك بصيانة صورتها في الداخل والخارج. غير أنَّ الأمر يتعلق في المقام الأوَّل بخدمة زبائن هذه الحكومات. ومع ذلك فأنا أعتقد أن الحديث حول "التخضير" منطقي أكثر من الحديث حول "غَسْل أخضر".
أبو ظبي -على سبيل المثال- وعدت بأنها تعتزم تأسيس أوَّل مدينة خالية تمامًا من الانبعاثات [الغازية الضارة] وذلك من خلال تأسيسها "مدينة مصدر". لكن في هذه الأثناء ابتعد المعنيون عن هذه الفكرة وباتوا يتحدَّثون فقط حول تعويض الانبعاثات أو بعبارة أخرى فقط حول العمل بانبعاثات كربونية منخفضة. ومع ذلك يتم في النهاية عمل شيء ما هنا من أجل التقليل من الانبعاثات على مستوى العالم. وهذا على أية حال أفضل بكثير من تخلي هذه البلدان تمامًا عن حماية البيئة.
حاوره: كريستوفر ريش
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2020
توبياس تسومبريغِل باحث مختص في العلوم الإسلامية والسياسية وعضو في "مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق" Capro، ونشر دراسة حول كيفية تعامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مع قضايا البيئة.
[embed:render:embedded:node:39675]