"العلمانية نقيض الأصولية وإحياء فكر ابن رشد ضرورة حضارية"

يدعو المفكر المعروف مراد وهبة في حوار مع موقع قنطرة إلى ضرورة إحياء فكر ابن رشد بوصفه أداة لجسر الهوة بين العالمين الغربي والإسلامي ووسيلة لدفع عجلة الإصلاح في المجتمعات الإسلامية نظرا لمساهمته من خلال الرشدية اللاتينية في تأسيس العقلانية الأوروبية. نيللي عزت حاورت مراد وهبه، الذي ينادي بتطبيق العلمانية في مصر ومحيطها العربي، على هامش فعاليات مؤتمر "العلمانية نقيض الأصولية"، الذي نظمه منتدى ابن رشد في القاهرة.

وجهت دعوة في مؤتمرك الأخير بضرورة تغيير العقول كمسألة أهم من تغيير الحكام؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك من وجهة نظرك، وماذا أصاب العقلان العربي عامة، والمصري خاصة؟

مراد وهبه: القضية من وجهة نظري ليست خروج شخص من الحكم وإحلال أخر مكانه أو الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة لأن كل هذه أحاديث يتسلى بها المثقفون، بل الأهم عندي يتمثل في تغيير وعلاج العقل المصري بصورة خاصة والعربي بصورة عامة من الداء الخطير الذي أصابه وهو التخلف الحضاري، فنحن في العالم العربي خارج المسار الحضاري لأن المسار الحضاري يبدأ بفكر أسطوري ويتطور لفكر عقلاني ومن خلال هذا التطور الحضاري تنشأ مجتمعات بثقافات وكل ثقافة تحاول إما تقترب أو تبتعد من المسار الحضاري.

الثقافة العربية ثقافة متخلفة لأنها محكومة بفقيه إسلامي يدعى "ابن تيمية" وهو ضد التأويل للنص الديني أي يرفض إعمال العقل في النص الديني ويطالب بالسمع والطاعة ولذلك قام بتكفير الفيلسوف ابن رشد الذي اضطهد في العالم الإسلامي وأحرقت مؤلفاته.

وهبه: بعد ذلك جاء القرن الثامن عشر، حيث نشأت الوهابية في شبه الجزيرة العربية التي تبنت جميع أفكار ابن تيمية وفي القرن ال20 تبنى الأخوان المسلمون أيضا هذه الأفكار، فأصبح هناك تلاحم عضوي بين الوهابية والأخوان المسلمين وتحكموا في العالم العربي، وهنا حدث التخلف. ولذلك أنا لا يهمني تغيير الحاكم لكن ما يشغلني المرشح الذي لديه الوعي بضرورة إيقاظ العقل. وأنا كفيلسوف متشائم من حدوث تغيير ولكن كمناضل أنخرط في عملية التغيير الذي أراها عبر الصدمات العقلية والعلمانية تعتبر أحد هذه الصدمات ولذلك أنادي بتطبيقها وأيضا لابد من إحداث صدمة في العملية التعليمية تعتمد على الإبداع وليس التلقين وضرورة تغيير المناهج الدراسية، والأمر الجيد أن وزير التربية والتعليم المصري الجديد أحمد زكي بدر بدأ عملية تطوير المناهج وأتمنى ألا يجد مقاومة عنيفة من التيارات الأصولية داخل الوزارة.

لديك تعريف خاص للعلمانية بخلاف التعريف التقليدي المتمثل في فصل الدين عن الدولة؟

وهبه: العلمانية عندي تعني التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق، ولكن اليوم نعيش كارثة، حيث تحول كل شيء إلى مطلق عن طريق الفتاوى الدينية. وقد ألفت كتابا بعنوان "ملاك الحقيقة المطلقة " يناقش أن من يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة يمثل آفة على البشرية والحضارة لأنه يمنعها من التطور والآن يملكها الآلاف في الشارع المصري والعربي وهم الأصوليون ولذلك يحاربون أي شخص يعمل فكره وعقله ويقومون بتكفيره في الحد الأدنى وقتله في الحد الأقصى، وخاصة أن تأثيرهم في الشارع العربي قوي ومحكم.

تساعد الأخوان المسلمين ليكون موجودين لتستمد بمزيد من الدعم الغربي لها؟

وهبه:لا أعتقد ذلك لأن الحقيقة ببساطة أن فكر الإخوان والأصولية الدينية مسيطر بقوة ومتغلغل داخل جميع أجهزة الدولة، ولذلك لا فرق بين الحزب الوطني أو غيره، فمجلس الدولة وكل أجهزتها يسيطر عليها الفكر الأصولي وداخل جميع المؤسسات التعليمية ، فالمدارس خلت من الطلاب لأنهم إما في حضن المؤسسة الدينية الإسلامية أو المسيحية وليس في حضن الدولة لأنها غائبة.

هناك بعض الفقهاء سيردون عليك ويقولون أنك متحامل ضد الدين على الرغم من أن الإسلام دعا لإعمال العقل؟

وهبه: نعم وهنا أنا أقول أنني ليست لدي مشكلة مع أي دين ولكن مشكلتي مع الفكر الديني الأصولي وليس فقط الفكر الإسلامي الأصولي، بل أيضا المسيحي واليهودي الأصولي. ولكن الدين كرسالة يؤمن بها الفرد وتتعلق بقلبه، فلا جدال على ذلك ولكن أنا ضد الفكر الذي يرفض إعمال العقل في فهم المعتقدات الدينية التي يصوغها الفقهاء.

هل ممكن أن تصبح مصر دولة علمانية؟

وهبه: يمكن حدوث ذلك بطريقتين البطء والتراكم مثلما حدث مع الرأسمالية ولابد من إحياء فكر ابن رشد بدلا من فكر ابن تيمية، والعلمانية هي الحل لخروجنا من حالة التخلف. ولكن الكثيرون نصحوني بالابتعاد عن استخدام لفظ العلمانية لأن الناس ينظرون إليها على أنها كفر وبدعة غربية ولكن أنا أرفض ذلك لأنه في نظري لا يوجد شرق وغرب، بل يوجد مسار حضاري. والغرب قام بترجمة مؤلفات ابن رشد الفيلسوف المسلم وحقق بها حضارة وأحيانا يغضب مني أصدقائي الغربيين بسبب ذلك ويتهمونني بسوء النية. ولكن المثير أنه خرجت في لبنان مؤخرا مظاهرة تطالب بأن تكون لبنان دولة علمانية لأول مرة، ولكن في مصر استبعد في الوقت الحالي خروج مظاهرة من هذا النوع ولكن المطلوب بالفعل حدوث تيار علماني في العالم العربي وخاصة أنه لن تتحقق الديمقراطية بدون العلمانية.

أنت تفكر في إنشاء قناة فضائية علمانية تواجه القنوات الدينية الأصولية المنتشرة؟

وهبه: أدعو لهذه الفكرة ولكن ماليا لا أستطيع تأسيسها بمفردي، وأحلم بقناة علمانية خاصة بعدما نظمت عام 1982 مؤتمرا بجامعة الدول العربية بالقاهرة بعنوان "الفلسفة ورجل الشارع" خاصة أن الفيلسوف يخاف من رجل الشارع لكونه الذي أعدم الفيلسوف سقراط، ولكني أرى أنه من الواجب خروج الفلسفة من الجدران الأربعة للمؤتمرات والندوات لتواجه رجل الشارع، وفي أثناء المؤتمر أحضر بعض الصحفيين بائع بطاطا لنتحاور معه عن قدرته على التغيير ولم يصدق أنه يستطيع التغيير في حياته أو مجتمعه لأنه يعتمد على فكرة القدر والنصيب. وفي عصر سقراط كان يحاور الناس في السوق، أما الآن فالسوق العصري التكنولوجي هو القناة الفضائية وحتى الكتاب الآن تراجع وأصبح التليفزيون هو الكتاب العصري.

ولكني تعرضت للنقد والهجوم من جراء هذه الفكرة واكتشفت أن هناك خطورة أن الفيلسوف يسحب رجل الشارع من الأصوليين الدينيين المتحكمين في فكره، فمن ينتقدوني يرون أن الأفضل للمجتمع ألا يفكر رجل الشارع ويظل عقله في غيبوية دائمة! ولكني مازالت أحلم بهذه القناة التي تحدث صدمة وتنشر الوعي، لأن كل البرامج الحالية على شاشات الفضائيات تشجع على تغييب العقل والدعوة للانفعالية والعاطفية.

وهل يمكن تطبيق النموذج التركي على مصر؟

وهبه: لا أعتقد خاصة وأن العلمانية في تركيا فيها نقطة ضعف تتمثل في كونها مدعومة من الجيش، ما يعني أنه إذا حدث أي ضعف بالجيش يمكن أن يقضي على العلمانية وهو الأمر الذي بدأت بوادره الآن وذلك لأن كمال أتاتورك مؤسس العلمانية في تركيا كان متعجلا ولم يعتمد على التراكم و تغيير العقل.

أنت تدعو لحل علماني للصراع العربي الإسرائيلي...ما هو هذا الحل؟

وهبه: نحن في العالم العربي محكومون بثلاثة أصوليات وهم الأصولية الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولذلك لابد للتيار الضمادي أن يكون علمانيا وهذا غير متواجد إلا في إسرائيل ولذلك طالبت بمسار علماني يساعد في حل الصراع ويخفض من حدة الأصوليات الثلاث ليخلق أمل في حدوث السلام، خاصة أن السلام لا يمكن أن يحدث مع الأصولية بل يحدث مع العلمانية وليس مع الفكر المطلق، بل النسبي وأيضا ليس مع الثبات بل التغير.

وقد اشتركت في عدة تجمعات بالخارج تناقش السلام في الشرق الأوسط مع مفكرين أردنيين ومصريين وفلسطينيين وإسرائيليين للترويج لهذه الأفكار، وهناك من اتهمني بالخيانة ولكني لا أبالي بمثل هذه الأصوات.
فعدم الحوار كارثة ولابد للفلسطينيين والإسرائيليين من بدء الحوار بفكر علماني لا يتعامل مع أصولية يهودية لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية وأصولية إسلامية ومسيحية لا تعترف بدولة إسرائيل، فالحل هو الحوار والاعتراف.

تتحدث عن العلمانية وكأنها الحل السحري لكافة المشكلات؟

وهبه: لا ليست حلا سحريا ولكنها التطور الطبيعي للحضارة الإنسانية التي بدأت منذ القرن ال16 لكونها تؤكد أن كل شيء نسبي وأن الإنسان لم يعد مركزا للكون ويستحيل عليه الوصول للحقيقة المطلقة.

ماذا عن أحدث كتبك؟

وهبه: الكتاب الأخير عنوانه "سلطان العقل" ويناقش ضرورة إخضاع كل شيء يخضع لسلطان العقل في ثلاثة فصول متعلقة بالزمن الماضي والحاضر والمستقبل، وأعكس فيه الفكرة التقليدية التي تقول إننا في الزمن نتحرك من الماضي للحاضر للمستقبل ولكني قلت إن الزمن يتحرك من المستقبل وإذا لم نتحرك من المستقبل لن نتحرك أبدا، فلابد من وجود غاية مستقبلية نعمل على الوصول إليها ونتخلص ممن يطالبون بالعودة للتراث لأنه شيء ميت وبلا فعالية.

أجرت الحوار: نيللي يوسف
مراجعة: هشام العدم

ولد مراد وهبة في 13 أكتوبر عام 1926 في مدينة أسيوط جنوب مصر.درس الفلسفة في جامعة القاهرة ونال الدكتوراة من جامعة الإسكندرية. هو عضو في عدة منظمات دولية منها الأكاديمية الإنسانية والاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية، إضافة إلى المجلس الأعلى للثقافة المصري، ومن أشهر مؤلفاته "محاورات فلسفية في موسكو" ،"فلسفة الإبداع"، "مستقبل الأخلاق"، "جرثومة التخلف" ، "ملاك الحقيقة المطلقة" و "الأصولية والعلمانية". أسس عام 2001 منتدى ابن رشد مع عدد من المثقفين بهدف خلق تيار علماني وإحياء فكر الفيلسوف ابن رشد.

قنطرة

الإسلام والعلمانية:
هل هناك تضارب بين الهوية الإسلامية ومبدأ العلمانية الفرنسية؟
صهيب بن شيخ الفصل بين الدين والدولة يعزز ويكرس الوجه الإلهي الروحي للإسلام ويمنع في نفس الوقت إساءة استخدام الدين كوسيلة لبسط النفوذ والسلطة، هذا ما يقوله مفتي مرسيليا صهيب بن شيخ في الحوار التالي

الإسلام والديمقراطية:
علمانية دون إصلاحات دينية
على عكس ما حدث في أوروبا فإن العلمانية في العالم الإسلامي سبقت الإصلاح الديني، ما ترك عواقب وخيمة على التطور السياسي للمجتمعات الإسلامية. نادر هاشمي يستعرض إشكالية محاربة العلمانية في ظل غياب إصلاحات عقائدية شاملة.

الاستبداد السياسي في العالم العربي:
لعنة الدكتاتورية وشبح الديمقراطية
على الرغم من بعض المحاولات الضعيفة لإحداث إصلاحات سياسية في بعض الدول العربية وبعد هذه الدول عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وحقيقة أن القادة العرب في معظمهم من الطاعنين في السن، إلا أنهم استطاعوا أن يبقوا على حكمهم على مدار عقود طويلة. ولكن كيف نجح هؤلاء في التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية وما مسوغاتهم لرفض الإصلاح والديمقراطية؟ نور الدين جبنون في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.