البرادعي...أحلام التغيير في مواجهة سيناريوهات التوريث

أثارت عودة محمد البرادعى إلى القاهرة جدلا واسعا، لاسيما بعد تصريحاته التي أعلن فيها استعداده للترشح لمنصب رئيس الجمهورية في حال توافر الأرضية المناسبة لذلك. هذه العودة أوجدت حراكا سياسيا في المشهد المصري العام، تراوح بين حملات التأييد والمعارضة. نيللي يوسف ترصد لنا من القاهرة واقع هذا المشهد.

ما حدث يوم الجمعة الماضي أمام صالة وصول رقم 3 بمطار القاهرة الدولي يؤكد سواء شاء البعض أو لم يشأ أن رياح التغيير قد بدأت تتحرك صوب مصر حتى وإن لم تحقق هدفها في نهاية المطاف، فتجمع المئات في استقبال الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة لم يكن حدثا عاديا في الشارع المصري أو داخل الأوساط السياسية المصرية. فبرغم تباين الآراء حول ما إن كان حلم أم وهم، إلا أنه من المؤكد أن البرادعي أثار جدلا لن ينتهي قريبا.

"الحماس الذي فاق التوقعات فور ظهور البرادعي داخل المطار من منتظريه يؤكد الرغبة القوية لدي المصريين في التغيير"، هكذا يرى عبد الرحمن يوسف، منسق الحملة الشعبية المستقلة لدعم وتأييد البرادعي ومؤسس مجموعة على موقع الفيس بوك بعنوان" البرادعي رئيسا لمصر 2011"، والذي سيجتمع بمشاركة بعض أعضاء الحملة في الأيام المقبلة مع البرادعي وبعض ممثلي القوي السياسية المعارضة لمناقشة الأفكار المختلفة للإصلاح السياسي وفرص التغيير السلمي والاقتراحات المتنوعة ما بين تأسيس لجنة من الخبراء أو إجراء انتخابات موازية.

ويؤكد عبد الرحمن يوسف في حوار خاص مع موقع قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي أن الحملة أسست منذ شهور قليلة فور إعلان الدكتور البرادعي في حواره مع شبكة سي إن إن الأمريكية عن إنه يفكر في الترشح لرئاسة مصر إذا تغيرت بعض مواد الدستور لتسمح له بذلك. ويقول إن الحملة تضم في عضويتها مئات المتطوعين من مختلف الأعمار والمهن والذين ينتمون لكافة محافظات مصر بعد أن اتفقوا على أن مصر تمر بمرحلة من أخطر مراحلها وإنها تكاد تكون مهددة بالفناء بسبب ظلم وفساد النظام الحاكم.

أهداف الحملة

ويحدد أهداف الحملة في توعية الجماهير بضرورة التغيير واستغلال جميع وسائل الاتصال الجماهيري والشعبي لحشد الطاقات من أجل دعم البرادعي فور توافر الغطاء القانوني لذلك، كما أنهم يقومون بتمويل الحملة من أموالهم الخاصة. ويرى عبد الرحمن الذي يعمل كاتبا وله دواوين شعر ساخرة ضد النظام المصري الحاكم، أن البرادعي ليس مجرد وهم كما يراه البعض وأن التغيير ممكن إذا تحرك الناس.

ويؤكد أن الناس بدأت تتحرك بالفعل بدليل الاستقبال الحافل في المطار والذي بدأت الحملة الإعداد له عبر تدريبات لمئات الشباب منذ وقت مبكر على كيفية توجيه الجماهير ورفعهم لافتات تحمل شعارات مختلفة مثل "مصر فيها ألف بديل والبرادعي أكبر دليل"، "مصر حرة وليست للتوريث" و "نعم للبرادعي رئيسا للجمهورية".

رسالة ترهيب من النظام

ويشير لقنطرة إلى أن العدد كان من المفترض أن يكون متضاعفا لولا رسالة النظام عشية وصوله بالقبض على اثنين من الناشطين أثناء ترويجهم للافتات تؤيد البرادعي. وعبر عن عدم تعجبه من التعامل الأمني الحريص مع الجماهير بالمطار لأنه إذا كان رجال الأمن تصرفوا بصورة مغايرة أمام كاميرات وسائل الإعلام العالمية، لكانوا خدموا البرادعي أكثر وأكثر مثلما خدمته الصحافة الحكومية بالهجوم عليه والذي صرح عنه البرادعي بأنها بهذا الهجوم صنعت منه بطلا قوميا، كما أنه لو كان تم الاعتداء علينا لكان كأنه اعتداء على شخص البرادعي ، لأنه شخصية ذات وزن عالمي وتحظى باحترام الجميع بحسب قوله.

كما أنهم قاموا بإعداد كتاب يطلق عليه "الكتاب الأبيض" في 16 صفحة ردا على المنتقدين بأنه لا يصلح رئيسا لكونه قضي معظم حياته خارج مصر ولا يعرف عن مشاكلها شيئا. ويؤكد أنهم يعرفون هدفهم ولكنهم سيحاولون البحث في الفترة المقبلة عن وسيلة للوصول لهذا الهدف المتمثل في حياة سياسية حقيقية عبر التغيير السلمي، مشيرا إلى أن المجموعة تعمل في الشوارع وليس فقط على الإنترنت برغم أنه ساحتهم الأولى، ولكنهم ينزلون للشارع ولكن بصورة محسوبة عبر انتقاء الأوقات و المناسبات التي لا يكون فيها فرصة للأمن للقبض عليهم مثلما توجهوا للمطار لأنه ليس فيه أي حجة بالتعدي على القانون.

ويرى عبد الرحمن في حواره مع موقع قنطرة أن البرادعي ما هو سوى وسيلة و ليس غاية، فهو لم يزعم أنه بطل خارق أو منقذ، بل هو يرى نفسه وسيطا سلميا للتغيير. وعلى موقع فيس بوك أطلق آلاف الشبان المصريين حوالي 150 مجموعة تؤيد البرادعي منها "كلنا مع البرادعي"، "علشانك يا بلدي ...عايزين البرادعي" وحملة "عايز حقي" التي تقوم بحشد الناس لعمل توكيلات بالشهر العقاري للدكتور البرادعي لتفويضه لإعادة وصياغة دستور جديد لمصر.

حملة "اطلع بره" تستغل لامبالاة بعض المصريين

ولكن هناك أيضا حملات ضده على الإنترنت وأيضا أصوات من الشارع المصري فهناك حملة "إطلع بره" والذي يؤكد فيها مؤسسوها على الفيس بوك أنه لا يصلح للرئاسة لعجزه عن فهم البيئة المصرية وحقيقتها، كما أنه هناك أناس في الشارع لا يفرق معهم عودته من دونها لأنهم لا يعرفونه ولا يعتقدون أنه سيحقق أي شيء خاصة في ظل حالة اليأس التي تسيطر على الناس بالشارع وانفصالهم عن الحياة السياسية بحثا عن لقمة العيش في ظل الظروف الخانقة.

ومن ناحيته يرى المحلل السياسي محمد جمال في حوار مع قنطرة أن البرادعي هو الظاهرة السياسية الأهم حاليا في مصر لأنه ألقى حجرا في المياه السياسية الراكدة وحطم جدار الصمت والخوف لدي الكثيرين، كما أنه يضع ضغوطا على النظام خاصة أن البرادعي شخصية يصعب التخلص منها أو تلفيق قضايا له لنزاهته ومكانته الدولية المرموقة.

ويرى أنه يمثل أملا بالتغيير خاصة لدي الشباب لأنه لا يمتلك جيشا أو حكومة، بل فكرة قوية. ولكنه يرى أن أغلبية الناس بالشارع المصري تعيش حالة من التغييب وتشعر أنها لن تقدم أو تؤخر في الانتخابات الرئاسية، ويؤكد كما قال البرادعي بعد وصوله مصر إن النظام الحالي نجح في إبعاد الناس عن السياسة وأدخله في مأساة رغيف الخبز وأنبوبة الغاز.

تعديل الدستور شبه مستحيل

ويعتقد أنه من الضروري استعادة روح الشعب أولا حتى يستطيع الوقوف خلف شخصية مثل البرادعي وخاصة أن الشعب أولوياته أصبحت معكوسة وأصبح همه الأساسي ما دار في أحداث مباراة مصر والجزائر. ويرى أنه من الصعب على البرادعي تعديل المادة 76 من الدستور التي تجعل ترشحه شبه مستحيل، لأنها وضعت خصيصا لإتاحة الفرصة فقط لمرشح الحزب الوطني الحاكم والتي تنص على أن من يترشح لابد أن يكون عضوا في أحد الأحزاب قبل عام على الأقل من الانتخابات وأن يكون مضى على تأسيس الحزب 5 سنوات، كما أن المرشحين المستقلين فيشترط الدستور أن يحصل المرشح على تأييد 250 عضوا منتخبا في مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والتي يسيطر عليها الحزب الحاكم.

​​من ناحيته يرى جورج إسحق القيادي بحركة كفاية أنه لابد أن ينزل البرادعي وسط الناس، لافتا إلى أن التحام البرادعى مع القاعدة الشعبية سيمكنه من تغيير بعض مواد الدستور إلى جانب عودة الإشراف القضائي للانتخابات وإلغاء حالة الطوارئ. ويعتقد أن قوى المعارضة في مصر عليها الاتحاد مع البرادعي ليقود مصر نحو التغيير بحق. كما يؤكد الدكتور حسن نافعة منسق حملة ضد التوريث إنهم ينتظرون من البرادعي أن يقود حالة حراك سياسى تتطلبه الأوضاع في مصر الآن لتحويلها إلى النظام الديمقراطي، مشيرا إلى أن المناخ أصبح ملائما لتحقيق هذا التحول في ظل اتجاه مصر من سيئ إلى أسوأ بالرغم من القيود المفروضة علي قوى المعارضة.

ويرى أن البرادعي قادر على ذلك لأنه ليس مكبل بهذه القيود ولم يصاب بالأمراض السياسية الموجودة في مصر ولن يتقيد وراء حزب كما أعلن لأنه يرى أن الأحزاب مجرد ديكور في مسرحية عبثية يلعبها النظام الحاكم. ويشدد على إمكانية التفاف الجميع حول البرادعي على اختلاف توجهاتهم سواء كانوا إخواناً أم شيوعيين أم ليبراليين أو غيرهم، لأنه يقف على مسافة واحدة من الجميع. ويتوقع نافعة أن يتمكن البرادعى من القيادة، لأنه ليس أحد رموز النظام، وله ثقل دولي وكل ما يقوله سيتابعه العالم.

مرشح افتراضي

بينما يرى أيمن نور رئيس حزب الغد أن البرادعي مجرد مرشح افتراضي برغم من أنه يتمتع بكاريزما لأنه لا ينتمي للتيار الذي يرغب في التغيير عبر التطرف الديني أو تيار اللاعقلانية ولكنه يقدم بديلا عقلانيا ليبراليا قويا. كما يصف المستشار محمود الخضيرى منسق "مصريون من أجل انتخابات حرة نزيهة" أنه سيسعي مع البرادعي وباقي القوي لتوحيد صفوف جميع التجمعات والحركات بحيث يعمل كل منهم في اتجاه مع توحيد الهدف الرئيسي المتمثل في التغيير والإصلاح السياسي.

ويشير إلى أن هناك فكرة مطروحة بتشكيل لجنة تحضيرية لصياغة دستور جديد برئاسة الدكتور يحيى الجمل وعضوية الدكتور محمد البرادعى والدكتور حسن نافعة وأيمن نور وآخرين. ومن جانبه يرى جهاد عودة، عضو بالحزب الوطني الحاكم، أن البرادعي لا يمتلك أي آليات حقيقية وأن فكرة التغيير لم يخترعها لأن الحزب الوطني يغير ويصلح منذ فترة طويلة ولا يمكن هدم انجازاته بسهولة والبدء من نقطة الصفر.

نيللي يوسف ـ القاهرة
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

المشهد السياسي في مصر ومسألة التوريث:
من الجمهوريات إلى الملكيات المقنعة
يرى الباحث الألماني المختص في الشؤون المصرية، شتيفان رول، في هذه المقالة التحليلية أن النظام المصري يتبنى إستراتيجية مزدوجة لتأمين سلطة الرئيس مبارك والعمل على توريث الحكم إلى ابنه جمال، مستفيدا بذلك من كبار رجالات الأعمال الذين يشكلون غطاء لهذا السيناريو وسط عجز المعارضة المصرية عن التصدي لهذه المحاولات.

قراءة في فترة حكم الرئيس المصري حسني مبارك:
مصر من الفوران إلى البركان...هرم مصر الرابع ومستقبل بلاد الفراعنة
يحكم حسني مبارك مصر منذ 28 عاما، ونشأ معه جزء كبير من الشعب كرئيس دولة يتواجد في كل مكان. والآن وبعد أن أصبح عمره 81 عاما تتساءل مصر كلها كيف سيكون مستقبل هذه البلاد؟ أميرة الأهل في استقصاء لفترة حكم حسني مبارك.

الفساد في مصر:
سقوط الفرعون
بادرت حركة "كفاية" المعارضة في مصر مؤخراً إلى تصعيد المواجهة بينها وبين نظام الرئيس حسني مبارك، وذلك بإصدار تقرير ضخم تجرأ على ذكر أسماء وتفاصيل بشأن الفساد المستشري بين قادة الدولة. ولم يحدث قط خلال تاريخ مصر الطويل أن بلغت الجرأة حد نشر الغسيل القذر للبلاد على هذا النحو. بقلم باري روبين.