السلطات المصرية تتدرب على ردع مؤسسات المجتمع المدني
الرسالة التي تبعث بها أحكام السجن على أعضاء منظمات غير حكومية أجنبية في مصر هي رسالة واضحة. فما حصل للمؤسسات الألمانية والأمريكية يمكن أن يحصل للمؤسسات غير الحكومية المصرية. وهذا يعني أنه لا يمكن لأية مؤسسة حقوقية أو نسائية في مصر أن تؤدي واجبها بأمان.
وفي هذا الصدد، تشكل مؤسسة كونراد أديناور الألمانية والمؤسسات الأمريكية المتّهمة هدفاً تتدرب به السلطات المصرية على ردع الناشطين ومؤسسات المجتمع المدني المحلية. أما مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في القاهرة، أندرياس ياكوبز، فإن قرار المحكمة بسجنه لمدة خمس سنوات أصابه في مقتل، وإن كان ذلك معنوياً، ذلك أن ياكوبز، بالإضافة إلى موظف ألماني آخر، ليسا موجودَيْن في مصر، وصدر الحكم بحقهما غيابياً.
وهنا تجدر الإشارة إلى الغرابة في هذه القضية، فالموظفون الأجانب العاملون في المؤسسات المتهَمة أُطلق سراحهم بكفالة، ومن ثم تم رفع حظر السفر عنهم، مما يعني أن الهدف كان المحافظة على نبرة التهديد في الرسالة دون إيذاء الموظفين الأجانب في تلك المؤسسات.
البطل الحقيقي في القضية المخجلة
إلا أن أمريكياً واحداً، هو روبرت بيكر، الذي كان يعمل في المعهد الوطني الديمقراطي (NDI)، رفض مغادرة البلاد تضامناً مع زملائه المصريين، ولذلك طُرد من المؤسسة التي يديرها ديمقراطيو حزب أوباما، وهذا يوضح مدى وقوف تلك المؤسسات وراء موظفيها. حُكِمَ على بيكر بالسجن لمدة سنتين، وهو يعد البطل الحقيقي في هذه القضية المخجلة.
هذه القضية جزء من سلسلة قديمة، فإبّان نظام مبارك، كانت السياسة الرسمية هي الحفاظ على حالة المنظمات غير الحكومية مبهمة، بهدف الضغط عليها حين تقوم بممارسة نشاطات تزعج السلطات. وحتى عندما أرادت تلك المنظمات تسجيل نفسها رسمياً، تعرضت للمماطلة من خلال إجراءات بيروقراطية، وهذا مستمر حتى اليوم.
إن النقاش الدائر حول قانون أكثر تقييداً لعمل المنظمات غير الحكومية لا يبشر بخير في المستقبل، إذ حتى في مصر ما بعد الثورة، تريد الدولة الحفاظ على السيطرة التامة، أو إلغاء الكلمة الثانية من مصطلح "منظمات (غير) حكومية".
كريم الجوهري
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013