علاقات من أجل المستقبل

ضمن النشاط الألماني لإعادة إعمار العراق زار عدد من الأساتذة الجامعيين العراقيين ألمانيا، بغية التدريب والتعرّف على نظام التعليم الألماني. كما تم تنفيذ مشروع منح دراسية عن طريق الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي. تقرير هيرمانّ هورستكوتّه

طلاب ألمان يدرسون في مكتبة جامعية، الصورة: د.ب.أ
ألمانيا تتمتع بسمعة حسنة في المجال العلمي والتقني

​​ضمن النشاط الألماني لإعادة إعمار العراق زار عدد من الأساتذة الجامعيين العراقيين ألمانيا، بغية التدريب والتعرّف على نظام التعليم الألماني. كما تم تنفيذ مشروع منح دراسية عن طريق الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، حيث دعى طلاب عراقيين لقضاء فترات دراسية في ألمانيا. تقرير هيرمانّ هورستكوتّه

لا يكاد يوجد أفضل من هذه الفرصة التي واتت أحمد الكبان من كلية العلوم والتكنولوجيا في جامعة بغداد: فهو يشارك منذ شهر أيّار/مايو مع مجموعة من زملاء دوليين في دورة دراسية لكيمياء المواد الخام، تستمر ثلاثة أشهر في جامعة آخن التقنية، التي تعتبر الجامعة الأولى في أوروبا في هذا الاختصاص.

"أشعر أنني مندمج في خوض تجارب مثيرة" على حد قول أحمد الكبان، الذي أتى حديثًا للمشاركة في دورة استطلاعية في مجموعات عمل مختلفة، وذلك لكي يجد موضوعاً لأطروحة الدكتوراة التي سيقدمها في جامعة بغداد.

يقول عميد الكلية، يوخين شنايدر: "لا بد للزملاء في العراق من الاطلاع على المستوى العالمي للبحث العلمي وأساليب العمل الحديثة، بعدما أنقطعوا أكاديمياً طيلة ثلاثة عشر عامًا من الحصار الذي فُرض على العراق. لهذا السبب كنت سعيدًا لاستقبال عضو منحة دراسية عراقي، أرسلته إلى كليتنا الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي".

ومعظم المشاركين في المنح الدراسية، حالهم كحال أحمد الكبان، في مطلع الثلاثين من العمر. فمن البديهي أن تنمي لديهم روح العمل الجماعي القيام بنشاطات اجتماعية مشتركة بعد إتمام الواجبات اليومية وفي نهايات الأسابيع. فهكذا علم الضيف العراقي فيما بين على أنه: "كان يوجد قبل ألف ومئتي عام وفي ظل شارلمان الكبير علاقات ثقافية مباشرة ما بين بغداد وآخن".

ألمانيا تتمتع بسمعة حسنة في المجال العلمي

يبلغ حالياً عدد الأساتذة الجامعيين العراقيين الذين تم اختيارهم في الرحلة الأولى لزيارة جامعات ألمانية أربعة عشر أستاذًا جامعيًا. كما يتم تمويل هذا البرنامج التنموي من قبل الإمارات وقطر وتشمل فعالياته كل من فرنسا وإنكلترا والمنطقة العربية.

أما ألمانيا فتأتي في المقدمة، وذلك لسبب وجيه جدًا: فالمدير العام لوزارة التعليم العالي العراقية، السيد صباح الموسوي، درس الجيولوجيا في مدينة ماينتس الألمانية، ومنذ ذلك الحين تربطه علاقة وفاء بنظام التعليم العالي الألماني. وهذا يدعم مجدداً فلسفة تيودور بيرشيم، رئيس الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي: "بناء علاقات مع قادة الغد في كل العالم بأسرع ما يمكن".

لقد آن الأوان - بعد مرور عامين على نهاية الحرب - لكي يعود العراقيون إلى ممارسة العمل العلمي والسياسي من جديد، حسبما تؤكّد دوروتا رولاند، سكرتيرة الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي. قامت إدارة شؤون التنمية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية بتخصيص مبلغ عشرين مليون دولار مباشرة بعد سقوط صدام حسين، من أجل تدعيم أواصر التبادل الثقافي ما بين جامعات أمريكية وجامعات عراقية.

إنجازات ألمانية

هذا وقد تشكّل أول وفد من الوفود التي أرسلتها منظمة اليونيسكو إلى العراق بعد الحرب، من خبراء أمريكيين ويابانيين وإيطاليين؛ أي أن هؤلاء الخبراء كانوا من "تحالف الخيّرين"، ولكن لم يكن من بينهم خبير ألماني أو فرنسي.

ورغم ذلك يُفضّل الكثيرون من الباحثين العراقيين ألمانيا لعدم تدخلها في الحرب. حيث اتضح ذلك أثناء حديث مع ثلاثة منهم في معهد التعليم العالي في كولونيا. ومن الممكن أيضاً أن يعود سبب ذلك إلى الميول التقليدية، مثلاً نحو التقنيات الألمانية منذ بناء سكة حديد اسطنبول - بغداد في عهد القيصر غليوم الثاني.

كذلك كان أول منقّب آثار، قام بأعمال الحفريات في بابل القديمة قبل ما ينيف عن مائة عام، هو الألماني روبرت كولديفه. ونتيجة ذلك لا غرابة في أن يعود الفضل حاليًا في إبرام أول اتفاقية جامعية للعمل المشترك ما بين جامعتي ماربورغ وبغداد، أيضًا إلى عالم الآثار فالتر زومَّرفيلد الذي يُدَّرس في تلك الجامعة.

لقد بدأت مساعدة إعادة البناء التي تمنحها ألمانيا للعراق، بالتبرّع بكتب بلغ عددها حوالي مليون كتاب، قُدِّمت من قبل الجمعية الألمانية للبحث العلمي DFG ومجمع العلوم بالإضافة إلى جهات أخرى تدعم الثقافة.

كما دعت الجمعية الألمانية للبحث العلمي إلى عقد مؤتمر دولي في مدينة بونّ حول "حماية التراث الثقافي في حالات الحرب". إذ كانت قنوات التلفزة تتناقل منذ وقت قصير صوراً للمتحف الوطني العراقي الذي تعرّض للنهب والسلب، ولمديرته التي كانت تبكي على ما تعرَّض له المتحف.

ثم قامت الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي قبل سنة بدعوة ستين أستاذ جامعي عراقي إلى "دورات تدريبية شتوية" استمرت عدة أسابيع في كل من برلين وإرلانغن وماينتس وماربورغ ودورتموند.

ومن بين مواضيع تلك الدورات مثلاً معالجة الصدمات النفسية لدى ضحايا الحرب أو النظام الاتحادي الفيدرالي كنموذج يمكن تطبيقه في العراق كونه بلدًا متعدد الشعوب. يقول محمد جواد علي، مدير مركز الدراسات الدولية في جامعة بغداد: "لقد استطعنا للمرة لأولى أن نلتقي من جديد مع زملاء في الخارج".

ويضيف زميل له من جامعة السليمانية: "ببساطة يمكننا أن نُفكِّر بشكل أفضل عندما نلتقي خارج العراق. هنا لا نسمع أصوات إطلاق نار ومدافع، مثلما اعتدنا سماع ذلك في بغداد ومناطق أخرى من العراق".

العراقيون لايزالون أكفاء

كان العراق متصدِّرًا دول المنطقة في المجالات العلمية إلى أن جاء الحصار الذي فُرض عليه قبل خمسة عشر عامًا. ومن المثير للدهشة أن الأساتذة الجامعيين العراقيين الثلاثة، الذين يستضيفهم معهد التعليم العالي في كولونيا، لا يزالوا قريبين من المستوى العالمي للبحث العلمي، مثلما لاحظ زملاؤهم من الأساتذة الجامعيين الألمان.

فهكذا يحلِّل مهندس طاقة عراقي خزّان الطاقة الشمسية الخاص بالمعهد العالي في كولونيا ويحاول التحسين من قدرته. أما الآخر فهو مختص بالهواتف النقَّالة ويجري حاليًا تجارب على ما قام بإثباته نظريًا في أطروحة الدكتوراة التي قدّمها في العراق حول أعطال الاستقبال.

وحكمت، الأستاذ الجامعي الثالث في هذه الحلقة، يصوِّر على الحاسوب عملية طوفان. يعلّق زميله الألماني قائلاً: "في الحقيقة إن ما كان ينقص حكمت في العراق، هو فقط أحدث برنامج حاسوبي".

ومعظم العلماء العراقيين المبعوثين في هذه المنح الدراسية - حالهم كحال الخبراء الثلاثة الموجودين الآن في كولونيا - هم علماء طبيعة أو تقنية. بالإضافة إلى ذلك يقيم في يينا أستاذ عراقي آخر مختص بعلوم اللغة الألمانية، وبعد فترة قصيرة سيصل إلى جامعة ماربورغ عالم عراقي مختص بالسياسة.

أحيانًا يلعب الحظ دورَاً في إيجاد المكان المناسب للشخص المناسب. إذ أن المشاركين العراقيين في هذه المنح ومستضيفيهم الألمان لا يستطيعون في البدء تقييم بعضهم البعض إلا طبقًا للصيغة الواردة في الأوراق الرسمية.

التعاون الأكاديمي

منذ عام 1990 انقطعت أواصر العلاقات بين علماء كلا البلدين؛ هذه العلاقات التي كان من الممكن أن تستخدم الآن أيضًا في اختيار المبعوثين في المنح الدراسية. وحتى الساعة لم تقم الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي أيضاً بإرسال ممثل لها إلى بغداد، مثلما فعلت في العاصمة الأفغانية كابول، بسبب خطورة الأوضاع الأمنية في العراق.

فهكذا لا تستطيع دوروتا رولاند، سكرتيرة الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، إلا أن تعقد الآمال على إقامة علاقات مستمرة عن هذه الدورات الجارية، التي تستضيف فيها ألمانيا أساتذة جامعيين عراقيين.

كذلك يُفترض الآن أن يقام برنامج لتنمية مؤهلات طلاب ماجستيرعراقيين ممن لديهم مؤهلات خاصة - يتم اختيارهم بقدر الإمكان من بين طلبة الأساتذة الجامعيين العراقيين الزائرين حاليًا في ألمانيا، بغية توطيد العلاقات الأكاديمية بين البلدين.

قامت وزارة الخارجية الألمانية برصد الأموال الضرورية لذلك. كما أن فيلفريد غروليك، رئيس قسم الشؤون الثقافية والتعليم في وزارة الخارجية الألمانية، متأكد من أنه "لن يصمد نظام ديمقراطي في العراق من دون إعمار البنى المدنية، أي من دون بناء جامعات حديثة أيضًا".

بقلم هيرمانّ هورستكوتّه
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©

قنطرة

كتب من أجل العراق
تنشط مبادرات ألمانية عديدة لدعم إعادة بناء العراق في مجالي الثقافة والعلوم. يتم علي سبيل المثال جمع كتب لمكتبة القسم الالماني في جامعة بغداد، كما يدعى علماء من العراق لتكميل تحصيلهم العلمي في ألمانيا. معلومات عن هذه النشاطات في الملف التالي