نجاح من أجل حقوق النساء
يُصاب المرء بما يشبه الصدمة الثقافية لما يصادفه في غرب طهران. ويصاب بخيبة أمل كل من يتوقع رؤية سيدات يرتدين التشادور الذي يغطيهن من رؤوسهن وحتى أخمص أقدامهن، ورجالا بلحى مكفهرة. فالطاغي الآن لدى الشباب الإيراني هو صيحات موضة الخمسينات الأميركية مع لمسة البانك، حيث لا يزال إلفيس برسلي يتلبسهم.
أما النساء فغارقات في بحر من غوتشي وشانيل وبرادا ويرتدين الفساتين الملفوفة الضيقة المصنوعة من قماش ناعم وسراويل الجينز الضيقة، إضافة إلى غطاء الرأس الإجباري وتحته كميات هائلة من سبري الشعر.
في انتطار البطلة
إننا ننتظر وسط زعيق أبواق سيارات التاكسي والعابرين ورجال الشرطة وحراس الأخلاق الذين يراقبون التقيد بقوانين اللباس بنظرات صارمة. وسط تلك الزحمة الصاخبة تشق سيارة مرسيدس جديدة فضية اللون بنوافذ غامقة طريقها الينا. تفتح الباب فنتطلع إلى داخل السيارة. يا إلهي! أنها هي! أشهر سائقة سباق سيارات في إيران. إنها لاله صديق.
ترسم بسمة على شفتيها، تدعونا لدخول السيارة ثم تقودنا بسرعة هائلة بين واجهات الأبنية الرمادية القبيحة إلى مكان بعيد، وتحديداً إلى ساحة مصنع قديم لمناشير الحديد، حيث حلبة السباق والتدريب على السياقة. بسرعة البرق ترتدي صاحبة الثلاثين ربيعاً سروال السباق.
هذه هي ثياب عملها منذ ثماني سنوات. نشأت لاله - وتعني بالعربية زنبقة - في عائلة رياضية. إثنان من أخوتها رياضيان نشطان. وهي مارست من قبل رياضة قفز الخيول التي اتخذتها مهنة لها لفترة طويلة. تقول بحماسة: "أحب السرعة للغاية. نحن مسلمون ورغم ذلك نستطيع التمتع بحياتنا، إننا نعيشها".
التطلع الى الحرية
إذا أردنا أن نتلمس بأيدينا الفجوة القائمة بين الدولة والشعب، فما علينا إلا زيارة الأماكن الكبرى مثل شمال طهران، حيث ترتدي السيدات الإيرانيات الشابات والرجال أيضا ثياباً مستفزة. إنها تلك العلامات الخارجية الشخصية التي تثير الشك تجاه النظام الإيراني.
ويشعر الإيرانيون بالإهانة بسبب تلك اللوائح والقوانين والمراقبة الدائمة، فمراقبو الأخلاق يوقفون أحيانا الأمهات اللواتي يجرن عربات أطفالهن للفت أنظارهن إلى قصر معاطفهن أو الى التساهل في تغطية رؤوسهن.
أرادت الإيرانيات تمييز أنفسهن عن السيدات الغربيات بعد الثورة من خلال ارتدائهن الملابس الإسلامية، أما اليوم فهن يعارضن صورة النساء النمطية التي لا تزال سائدة منذ عهد ما بعد الثورة في إيران. ويعبرن عن احتجاجهن من خلال ملابسهن والظهور بمظهر أنيق. تلعب السيدات تلك اللعبة التي لا تخلو من الخطر بكل شجاعة ويحاولن اجتياز الحدود المرسومة لهن. إنهن يلعبن مع حراس الأخلاق: يرجعن اليوم غطاء الرأس الملون إلى الخلف، ويقمن غداً بطلاء الأظافر، وبعد غد يرتدين أحذية مفتوحة.
الحصول على فتوى
لا يجوز تحميل تلك الحريات الصغيرة أكثر مما تستحقه، فهذا روتين بالنسبة للإيرانيين. وثمة من يفسر في الغرب هذه الظاهرة على أنها انتصار الغرب على الشرق. وهذا ما تعارضه الإيرانيات بقولهن: "لا علاقة للأمر بتفوق الغرب على الشرق. نحن إيرانيات ونريد أن نكون أحراراً في اختيار طريقة مشينا ولباسنا، نريد الحرية، هل أوضحت لك مقصدي؟"
لاله صديق فهمت تلك الرسالة. لقد استطاعت بعد جهد جهيد الحصول على فتوى تسمح بمشاركة النساء في الألعاب المختلطة. وكانت قد مُنعت سابقاً من الإشتراك في السباق بحجة أن النساء يشكلن مصدر خطر. واليوم هي النجم الذي لا يُقهر في رياضة سباق السيارات. لقد وقعت لتوها عقداً إعلانياً مع شركة سايبا، أكبر شركة صانعة للسيارات في إيران. وستقوم لاحقاً بتدريب السيدات الشابات.
تشع بالحيوية واللطف ولا تغادر الضحكة شفتيها. كما بدت السعادة واضحة على محياها حين عرضت علينا فيلماً قصيراً تم تصويره من قبل فريق تلفزيوني إيطالي. يظهر بعض المشاهد المؤثرة والغريبة في نفس الوقت ردات الفعل التي تُثيرها لاله صديق بين صفوف زملائها.
يصورها الفيلم في مدينة مشهد المقدسة، وسط الصحراء في شرق إيران. ترتدي معطفاً أزرق اللون يُعانق جسدها بقوة وهي في الجزء الأمامي من الصورة. خلفها نصب تذكاري للإمام الشيعي رضا. تمر أمامها أعداد كبيرة من الزائرين. وتبقى السيدات اللواتي يلبسن التشادور واقفات أمامها وينظرن إليها بإعجاب وشك على حد سواء. يتعثر رجل في مشيته لأن نظراته الحائرة تمسمرت عليها بينما تروي لاله أنها تعزف على البيانو وترسم وتركب الخيل، ولكن لاله تتابع حديثها غير آبهة به.
ومن ثم ترينا فيلماً صورته بنفسها. تمشي في حلبة السباق ويتحلق حولها سائقو سيارات السباق فيما المطر يهطل. أحدهم يتفحص سيارات السباق. نسمع ضحكتها وأسئلتها المنهمرة على زملائها. تبدو عليهم علامات الإنزعاج مما يجري، وكأنهم في موقف محرج، إلا أنهم لا يخرجون عن حدود الأدب.
مشاكل المرأة متشابهة
ورداً على سؤال إن كانت تعلم أنها تعيش حياة غير نمطية حتى بالنسبة للمقاييس الغربية، تجيب بنعم وأن الناس في الولايات المتحدة الأميركية استغربوا مما تفعله، وتردف قائلة: "ولكن تلك هي حياتي، إنها حياتي اليومية."
وأطلقت ضحكة بعد سؤالها إن كانت تعلم أن المرء لا يتصور وجود علاقة بين الجمال والديناميكية وبين إيران وأن المرء يعتقد أن الحجاب يمثل عقبة في طريق المرأة قائلة "المرأة تواجه المصاعب في أي بقعة على وجه البسيطة، ربما تكون تلك المصاعب أكثر تعقيداً في إيران". ولكن لهذا السبب بالذات لا تقفن الإيرانيات مكتوفات الأيدى حيال ذلك، إنهن يكافحن على طريقتهن الخاصة، تارة بغوتشي وأخرى بقيادة سيارة سباق.
بقلم: فاطمة صغير
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2007