لماذا اغتيل الرئيس الشيشاني السابق؟
كان أصلان مسخادوف يحبني. لم نستطع أن نتحاور أثناء جولاتي التي قمت بها في الشيشان في حزيران/يونيو عام ٢٠٠٠، وذلك لأن القنابل قطعت علينا لقاءاتنا الثلاثة. بعثت له أسئلتي، وأرسل لي جوابًا مطولاً على شريط مسجل، يدين فيه الإسلام المتزمّت المتطرف. ويوضّح في آخره قائلاً: »في دولة الشيشان الحرة لن تجبر امرأة شيشانية قط، على ارتداء الحجاب«.
لماذا مسخادوف؟
هل ستتحرر الشيشان في يوم من الأيام؟ ولا سيما أن أصلان مسخادوف، الرئيس المنتخب في ظل مراقبة انتخابية عالمية قد مات، لقد تم اغتياله. الآن تكشفت خطة القيادة الروسية، حيث سيكون شامل باساييف وحده؛ أي قائد المتطرفين الذي أنشأته القيادة الروسية نفسها، والذي أبقت عليه المرة تلو الأخرى، من بوجونوفسك حتى داغستان، هو شغلها الشاغل.
فلاديمير بوتين، رجل المخابرات السوفييتي، الذي يقضي عطلته سوية مع المستشار الألماني شرودر والرئيس الإيطالي بيرلسكوني، يواجه الآن نظيره الإرهابي الذي لا يملك جبروته بعد، لكنه يملك قسوته. من الممكن لحمام الدم هذا أن يستمر، ويمكن أن تتكرر الاعتداءات من جديد.
الاختبار المميت
لقد أعلن مسخادوف وقف إطلاق النار من طرف واحد، وأوضح أنه يؤيد القيم الغربية ولا يؤيد قيم الإسلام المتزمت المتطرف. وقد وافق كل الـ»بويفيك«، أي كل المجاهدين، على وقف إطلاق النار. إذ أثبت مسخادوف مقدرته. فكانت هذه لحظة اغتياله. حتى لا تنتشر في كل شمال القوقاز روح الـ»ثورات المستمرة« التي يخشاها صديقنا، القيصر الروسي.
النقص الأخلاقي
لم يجرؤ أي زعيم غربي، على مطالبة الكرملين بإجراء محادثات مع الزعيم الوحيد الشرعي لشعب منهك وباسل. وفي هذه المناسبة يصح أن نذكر القائد الأفغاني مسعود. الذي ناضل ضد الروس وضد الإسلاميين المتطرفين، لكن الحكومات الديموقراطية الغربية تخلت عنه، وكانت نهايته الاغتيال لمصلحة بن لادن.
ولم يعرب أي من ممثلينا السياسيين في الغرب عن معارضته لفلاديمير بوتين، عندما اعتبر حركة التحرر الشيشانية المسلحة نوعًا من الإرهاب العالمي. وعلى العكس: فقد وصف كل من شيراك وشرودر رئيس الكرملين بفضل تعاطفه مع صدام حسين كملاك سلام من الدرجة الأولى.
غباء سياسي أم ماذا؟
بالإضافة إلى النقص الأخلاقي، يثبت زعماؤنا السياسيون أنهم يعانون أيضًا من قدر كبير من الغباء السياسي. فمن الذي سيهدئ الآن آلاف المعذبين، الذين لا يحلمون إلا بالثأر؟ ومن سيتمكن من إجراء محادثات مع الروس، إذا كانوا سيدركون الجنون القاتل الذي يستحوذ عليهم؟ وكيف سنجد في هذا الجيل الذي لا يعرف إلا الحرب والقتل، إنسانا له شخصية، وقبل كل شيء موقفا معتدلا مثل مسخادوف؟ سوف تغرق الشيشان أكثر في هذا الرعب. وليس الشيسان وحدها.
عرفات ومسخادوف!
استحق موت ياسر عرفات كل تشريف وتكريم في فرنسا وأوروبا. بينما لاقى الرئيس الشيشاني الذي لم ينادي بقتل المدنيين قط، مصرعه وحيدًا مثلما ناضل وحيدًا.
ومع أن العالم تخلى عن مسخادوف، وكان معزولاً في مخبئه في مكان ما في الجبال، يرى شعبه يذبح في وسط لامبالاة عالمية، أدان مسخادوف احتجاز الرهائن في مسرح بموسكو، وطالب بالإفراج عنهم من دون شروط، واستنكر الأحداث المفزعة في بيسلان. حتى أنه عرض مجيئه إلى بيسلان ومنع قتل الأبرياء. وكذلك كان حازمًا في إدانته اعتداءات الـ١١ من أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ .
الآذان الصماء
قَدّم بطل حرب الاستقلال مسخادوف خطة للسلام مناوئة للارهاب، ترجئ مسألة الاستقلال إلى وقت لاحق. لم تُقدِم قط الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSZE وحلف الناتو وكل الـ»أجهزة« الأخرى التي من المفترض أنها تضمن للشعوب السلام وتقرير المصير، على مناقشة هذه الخطة التي قُدّمت مرارًا وتكرارًا منذ ثلاثة أعوام.
تطهير عرقي وإبادة
وعلى الرغم من معسكرات الاعتقال وعمليات التطهير العرقي والاغتصاب والسلب والنهب، على الرغم من قتل ما ينيف عن ربع الشعب (يمكن أن نتصور ذلك في إيطاليا أو فرنسا، حيث سيتراوح عدد القتلى من عشرة ملايين إلى خمسة عشرة مليون إنسان)، وعلى الرغم من هرب عدد مماثل من المدنيين المرعوبين، فإن الشيشان لا تزال تقاوم همجية الروس وكذلك إشارات التطرف الديني.
لماذا هذه الوحشية القاسية ضد شعب بلغ عدده (في السابق) مليون إنسان؟ لماذا هذا القدر القليل من الرحمة؟ لا يمكن تفسير تعنّت موسكو لا بدوافع استراتيجية ولا بمجرد مصالح لها في الطاقة. يكمن السبب الرئيسي للقمع الاستعماري الذي يبلغ عمره ثلاثه قرون، ولقسوة الروس في القوقاز في الطبيعة التربوية، حسب تعبير فطاحل الشعراء الروس قبل زمن طويل.
الرعب من الحرية
والسبب هو جعل الشعب الشيشاني عبرة يعتبر بها الشعب الروسي، ليدرك من خلالها ثمن عدم طاعته الفرمانات القيصرية التي تبرمها موسكو. إذ أعرب الجنرال إرمولوف للقيصر نيقولاي الأول في عام ١٨١٨ عن سبب هذه الحرب، قائلاً: »الشعب الشيشاني يحيي من خلال مثاله روح الثورة والتوق إلى الحرية؛ وهذه الروح تهدد في أن تنتشر إلى رعايا جلالتكم الورعين«.
لقد ترجم بوتين الدروس القيصرية الاستعمارية من لغة ضباط الصفّ السوفيتيين؛ إلى اللغة المناسبة له، والتي يتوجّب على المرء طبقًا لها أن يُنزل بهؤلاء الثوار أشد العقوبات.
صحيح أن يديّ أصلان مسخادوف كانت ملطخة بالدم، حاله كحال كل المناضلين في فرنسا أو أي مكان آخر. لكنه كان يناضل ضد عدو مسلح؛ عدو لا يتورّع عن إبادة الشعوب أيضًا. واليوم لم يعد يُستحسن، أن يكون المرء مناضلاً حقيقيًا.
إزدواجية الغرب اللغوية
لموت مسخادوف علاقة أيضا بضعفنا اللغوي. إذ أننا نصف السلفيين والصدّاميين الذين يقترفون جرائم القتل في العراق بحق المساعدين الانتخابيين والمنتخبين، بصفة الـ»مناضلين«. لكننا نرفض أن نطلق هذا الاسم على من يناضلوا من أجل الحرية، الذين لا يريدون أن يسلموا بإبادة شعبهم.
أما الزعماء الغربيون الذين رفضوا وصف مسخادوف بهذه الصفة التي كان جديرًا بها في الحقيقة، أي بصفته رئيسًا ووطنيًا، فقد وافقوا في السابق برفضهم هذا على اغتياله.
يصف الكاتب الروسي تولستوي في خاتمة روايته الأخيرة »حاجي مراد«، مشهدًا خياليًا، يمكن أن نعتبره بمثابة وصيته الأدبية والسياسية: »على طبق يُجلب إلى أحد القياصرة المترفين رأس أمير الشيشان«. لاقى أصلان مسخادوف مصرعه في قرية اسمها تولستوي-يورت.
لقد فقدت الشيشان دي غولها. ونحن فقدنا شرفنا مرة أخرى.
بقلم أندريه غلوكسمانّ
حقوق الطبع صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ 11.03.2005
عن الفرنسية من ميشائيل بيشوف.
ترجمة رائد الباش
يعمل الفيلسوف الفرنسي أندريه غلوكسمانّ، المولود عام ١٩٣٧، منذ سنين من أجل حقوق الشيشان في الحرية.