أغانٍ فارسية من السبعينيات مشبعة بموسيقى الجاز
بالنسبة لمعظم غير الإيرانيين -وربما حتى الإيرانيين الذين لم يكونوا موجودين قبل ثورة عام 1979- فإنَّ كلمتَيْ إيران وموسيقى البوب لا تتماشيان معاً، ولكن في سبعينيات القرن العشرين كانت موسيقى البوب منتشرة على موجات إذاعات الراديو في إيران مثلها مثل الموسيقى الكلاسيكية والتقليدية.
والمدهش أكثر -وهو ما لا يسمح به النظام الحالي أبداً- أنه كان من الشائع سماع ومشاهدة نساء يؤدين موسيقى شعبية. ألبوم "حلم/رؤيا" للثلاثي المقيم في أمريكا -الذين يشكلون فرقة ميترا سومارا- هو تكريم لهذه الموسيقى ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً أنَّه عند اختيار الفرقة لمواضيع هذا الألبوم انجذبت هذه الفرقة -التي أسَّستها وتقودها المغنية المؤثِّرة إيفيت مسعودي- إلى لأغاني التي غنتها نساء في الأصل.
بالنسبة لمسعودي فإنَّ هذا الألبوم هو خطوة أخرى في طريقها نحو اكتشاف تاريخها الشخصي فهي من أصول إيرانية وأمريكية تبناها في طفولتها أمريكيون وأمضت معظم سنواتها المبكرة في البحث عن والدها البيولوجي الإيراني، وبعد العثور عليه بدأت أيضاً إعادة التواصل مع جذورها الفارسية وهكذا نشأت فرقة ميترا سومارا.
التعمُّق في الموضوع
قادتها رحلة استكشافها أيضاً إلى التعمُّق في موسيقى البوب الإيرانية التي تعود لسبعينيات القرن العشرين، فقد كانت مكاناً امتزجت فيه موسيقى البوب من أمريكا الشمالية وأوروبا بحُريَّة مع الأصوات الشرق أوسطية، إذ اجتمعت موسيقى الجاز والفانك وغيرها من الأنماط الموسيقية تحت سقف واحد لخلق شيء فريد في المنطقة.
ومن الإنصاف القول إنه في ألبوم "حلم/رؤيا" فإنَّ مسعودي وعازف الباس بن روبين وعازف الكيبورد جاك غروبر قد ابتكروا عملاً موسيقياً خالداً رائعاً آخر. والألبوم هو مزيج رائع من كل الأنماط الموسيقية المستخدمة في الأغاني الأصلية، ولكن مع جو من الحداثة فيها. فالألبوم ليس مجرد إعادة إنتاج لما صُنِع من قبل، بل هو عبارة عن أخذ ذلك الصوت وجلبه إلى عالمنا.
ودُمِجت عناصر من الموسيقى الإلكترونية وموسيقى الجاز في ألحان ألبوم "حلم" التي تُبلور أجواءها بطرق لم تكن ممكنة في سبعينيات القرن العشرين. وعبر تجربة الموسيقيين الثلاثة الشخصية في العزف في فرق الجاز الأمريكية الحديثة أدخلوا جواً من الحداثة إلى الأغاني مما جعلها أكثر ارتباطاً بالجمهور المعاصر.
شِعر مُطلَق بحْت
أما ما لم يتغير فهو روح الأغاني، فقد عُزِّزَتْ هذه الروح من خلال الدمج بين تأثيرات الموسيقى المعاصرة والكلمات الجميلة للألحان الأصلية وعند قراءة ترجمة كلمات الأغاني يذهلنا أنها شِعْر مُطلَق بحت وليست مجرد كلمات كانت تُسمعُ عادةً في أغاني البوب في شمال أمريكا أو أوروبا في سبعينيات القرن العشرين.
الأغنية الافتتاحية في الألبوم، "عروس نقره بوش/عروس القمر الفضي"، من كلمات ناصر جشمزار وغناها في الأصل المغني راميش، من أفضل الأمثلة. فالسطور الأولى من الأغنية ليست ما تتوقع سماعه في أي أغنية بوب في أي عصر كان: "أنا عروس القمر الفضي/عند بداية الفجر/من أجل انعدام اللون في قلبي الذي نفذ صبره/جمال عينيك هو أمل".
الموسيقى قوية راقصة: تبدأ الأغنية بصوت بوق يعزف إيقاعاً قوياً سريعاً مع الطبول التي تُبِرزُ الإيقاع بينما تتقدَّم الأغنية وحين يدخلُ صوت المسعودي مُتناغماً مع الموسيقى يتمايل غناؤها وينساب مع الصوت المصاحب ليخلق تجربة شبه منوِّمة للمستمع.
عناصرها الصوتية هي الجسر بين النسخ الحديثة والأصلية للأغاني: ففي غنائها يمكن سماع أصداء كيف كان صوت المطربين الأصليين، وفي حين أنها لا تحاول تقليد أي شخص فإنَّ قدرتها على إعادة خلق الأسلوب والشعور تضفي على هذه الأغاني أصالة كانت ستفتقر إليها إن غنَّتها بطريقة معاصرة ببساطة.
غناء ماكر
مع أغنية "شكار آهو/صيد الغزال" -وهي أغنية شعبية فارسية- تستخدم الفرقة طريقة مختلفة، فهنا تستخدم الفرقة آلات قليلة للغاية لإبراز الكلمات المميزة للأغنية: "أريد الذهاب لصيد الغزلان في الجبال/ أين بندقيتي يا ليلي؟ أين بندقيتي؟/أين بندقيتي يا ليلي؟ أين بندقيتي؟/على الوسادة، قتلت حبيبتك/بدم حبيبتك، العزيزة ليلي، كتبت رسالة/بدم حبيبتك، العزيزة ليلي، كتبت رسالة".
في هذه الحالة أُضِيفت تأثيرات إلى صوت المسعودي لجعلها تبدو وكأنها تغني عبر مذياع راديو قديم. الموسيقى بسيطة: كيبورد إلكتروني تنسج خلفية من أصوات دقيقة وبسيطة لتكمل ما تم فعله بصوتها. وأنا متأكد من أنَّ هذه الأغنية تُؤدَّى عادة باستخدام آلات صوتية لكن المعالجة التي قدَّمتها الفرقة تساعد في توضيح الموضوع المروع وتمنحه غرابة مناسبة.
أما أغنية "كلاغ هاي خبر تشين/الغراب ينشر الأخبار" لأمير آرام -والتي غنتها في الأصل ليلى فُروهر في عام 1971- فتبدو مثل رقصة بولكا تقريباً، مع عزف البوق اللعوب وإبقاع شبيه بالـ "أومبه به" oompah-pah المستخدم في البولكا، لكن أنقذها صوت المسعودي الماكر وتأثيرات الجاز التي تُسمَع على مدى الأغنية من هذا التصنيف.
ومن الناحية الغنائية نعود إلى عالم الشعر: "الغراب الذي ينشر الأخبار/يأتون في مجموعة من ألف/بأجنحة متكسِّرة/يقولون إنَّ حبّك/يجلس في عزلة" والصور حية للغاية بحيث يمكن للمرء تخيُّل السماء داكنة مع الغربان التي تكافح لإيصال أخبار حالة حبيب هذا الشخص. تنطوي هذه الكلمات على جمال حقيقي لم يتمكن سوى القلة القليلة من خلقه في موسيقى البوب.
يمنح ألبوم "حلم/رؤيا" للمستمعين إدراكاً لتعقيد وتنوع الموسيقى الشعبية الإيرانية قبل ثورة عام 1979. فيما يتعلق بالكلمات تنتمي الأغاني إلى التقليد الطويل المتمثِّل في استخدام الشعر الإيراني في كل من الموسيقى الفارسية الكلاسيكية والموسيقى الشعبية الإيرانية. وبينما أبقت نسخة فرقة ميترا سومارا على روح الأغاني حية مع الأداء الصوتي الرائع للمسعودي غير أنها بذلت كذلك جهداً لجعلها ذات صلة موسيقية بجمهور اليوم.
ألبوم رائع لعله يفتح عيون الناس على حقيقة أنَّ إيران ليست تلك الكتلة المتجانسة كما يُنظَرُ إليها. وكما أظهرت لنا الاضطرابات الأخيرة فإنه تحت تحت غطاء الثيوقراطية يوجد شعب مبدع نابض بالحياة، ويجسِّد ألبوم "حلم/رؤيا" هذه الروح.
ريتشارد ماركوس
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024
Qantara.de/ar