نتائج خطرة
قانون منع الحجاب في ألمانيا يجري تطبيقه فعليا خارج النطاق البرلماني، فإبعاد المسلمات المرتديات للحجاب من عالم العمل يجري على قدم وساق، تعليق المكلفة السابقة لشؤون الأجانب في برلين باربارا جون
قبل عدة أسابيع احتل النقاش حول الحجاب العناوين الرئيسية للصحف، وتقدمت برلينية شابة ترتدي الحجاب بطلب للعمل بماكندولدز كمساعدة في المطبخ، لكن طلبها رفُض على أساس أن وجود عاملة ترتدي الحجاب، سيستفز الزبائن. وهذا ما تعيشه كثير من النساء المحجبات يوميا في وظائف ذات مكانة مرموقة، كطبيبات أو موظفات في مكاتب المحاماة.
مكان آخر: تصعد طالبة محجبة في باص ببرلين وتسمع أحد الركاب يقول عند رؤيتها "إرهابية حقيرة"، وحينما تطلب منه الاعتذار لا تجد أي تأييد من الركاب الآخرين. ونسمع من نساء محجبات قولهن إنهن لم يشعرن أبدا بمثل هذا الرفض الشديد لهن من قبل، ولا حتى بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. ففي ذاك الوقت كان هناك إلى جانب الابتعاد الواضح عنهن، محاولات كثيرة للتواصل لمعرفة رد فعل المسلمين على الحدث المفزع.
رفض علني
الوضع اليوم مختلف: فالنساء المحجبات يجدن في كل مكان تقريبا معوقات واستنكار، ولا يتم ذلك في الخفاء بل علانية وبشكل مباشر وكأن هناك مطلب عام للتصرف بهذه الطريقة. وتشعر الكثيرات بأن منع الحجاب الذي تجري حاليا الاستشارة بشأنه في برلمانات ولايات بادن فورتمبورغ وسارلاند وهيسن وسكسونيا السفلى، قد تم تطبيقه بالفعل خارج البرلمان.
ويمس هذا المنع أيضا النساء اللاتي يرغبن في ممارسة مهن خارج المجال التربوي.
يجري إبعاد المسلمات المحجبات من عالم الوظائف على قدم وساق. وعندما أتحدث إلى مؤيدي منع الحجاب عن هذه العواقب، أسمع منهم ما يلي: "لم يكن هذا هو الهدف. يتعلق الأمر فقط بمنع الحجاب في الوظائف العامة". ولعل المنطق المتبع في تبرير المنع هو السبب في أن هذا الإبعاد من الوظائف يطال كل المحجبات.
القانون لا يحمي المحجبات
المحجبة هي الهدف الأساسي للهجوم. لقد خُلقت منها صورة تقليدية للعدو. فالرسالة السياسية المنتشرة تقول بأن غطاء الرأس يعد "إعلانا عسكريا للحرب على المجتمع".
وفي مشروع القانون الهادف إلى تغيير قانون المدارس في ولاية بادن فورتمبورغ يرد التالي: "مثل هذا السلوك المظهري على وجه الخصوص- والمقصود هنا الحجاب- يعد غير مقبول، حيث أنه قد يثير لدى أولياء الأمور انطباعا بأن المعلمة تظهر بمظهر يتعارض مع الكرامة الإنسانية والمساواة بين البشر، وفقا للمادة 3 من القانون الأساسي، وضد الحريات الأساسية أو النظام الديمقراطي الحر."
بهذا التوصيف تكتمل كل ملامح صورة العدو: الدمغ باللاأخلاقية والإهانة. وتوضع المسلمات المحجبات في هذه الخانة. أما المسلمات غير المحجبات فلا. وهكذا أدى منع الحجاب "إلى وجود التهديد الذي كان يسعى لمكافحته" كما كتب م. زيمونس في جريدة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ في 11/11/2003.
ربما لم يستهدف الجميع ذلك. ولكن أليس تقدير المخاطر والآثار الجانبية للسياسات جزءا من العمل السياسي؟ ما الذي يجعل ارتداء الحجاب في وظائف مثل الممرضات في العيادات أو طبيبات المستشفيات أو البائعات يحمل معنى آخر، غير ذلك الذي يحمله ارتداء المعلمة له؟ يظل الرمز السياسي للحجاب في عيون كثير من المراقبين واحدا، أينما قابلوا نساء يرتدونه.
مناقشة في المصيدة
النقاش حول منع الحجاب وقع في فخ، فالحجاب يحتفظ بطابعه الصدامي حتى في الأماكن التي لا يعد ممنوعا فيها، وهذا بالضبط ما تشعر به كثير من النساء بشكل متزايد.
وهن يبحثن عن سبل للخروج من هذا المأزق ويتناقشن بشأن نوع الدراسة والتعليم الذي يتوجب عليهن البدء به، طالما أن فرص التعيين في المجال التربوي المرغوب لم تعد واقعية. ويتندرن قائلات إن هناك فرص جيدة للعمل في مراكز الاتصال الهاتفي. ففي نهاية المطاف ليس هناك من سيرى صورهن عبر سماعة الهاتف.
الجمعيات الإسلامية ممثلة في المدارس والاتحادات وحضانات الأطفال ستكون من بين الذين يفرحون لوجود نشء مؤهل تعليميا. هنيئا لكم يا مانعي الحجاب، هكذا تساهمون في صنع ما يسمى بالمجتمع الموازي الذي يتم التحذير منه على الدوام والذي يستطيع الانعزال أكثر فأكثر.
ستعود المسلمات اللائي لديهن طموحات وظيفية خارج محيطهم الديني إلى أطفالهن وإلى المطبخ والمسجد.
هل يمكن إزالة هذه الإهانة؟ في الغالب يصعب ذلك، فمن ذا الذي يستطيع قلب الآية من جديد؟ إذا حدث ذلك فسيفقد السياسيون مصداقيتهم، لو أعلنوا أن ربات البيوت المحجبات لا يعانين أي نوع من القمع لجنسهن في عمل المطبخ، وأن الديمقراطية لا تسعى كذلك إلى عزلهن، كما هو الحال بالنسبة "لأخواتهن" المتطلعات إلى العمل في المدارس.
وماذا عن المسلمات أنفسهن؟
هل يستطعن تغيير الصورة المأخوذة عنهن؟ حتى الآن لم يشاركن في هذا النقاش ولو بكلمة واحدة، ولذلك أسباب عديدة، فليس لديهن تنظيم يعملن من خلاله، ولم يكونّ شبكات للاتصال- رغم أن هذا هو الظن دائما. والقليلات اللائي تلقين تعليما جيدا يبقين دائما وراء الكواليس. فكثيرا ما عايشن خبرة تشويه تصريحاتهن العلنية المقتضبة أو عكس معناها.
إذا ما دافعن عن الحجاب كملبس ديني، يتهمن أنهن ليست لهن دراية بالقرآن، حيث أن غطاء الرأس ليس مذكورا في القرآن، وليس جزءا من ممارسة الدين. وإذا قلن أنهن قد قررن ارتداء الحجاب بأنفسهن، يقال لهن إن هذا وهم وأن الإسلاميين يحركونهم عن بعد مثل الدمى.
وهكذا لا يبقى سوى قرار المحاكم العليا والتي ترى أن المادة الرابعة من الحقوق الأساسية لدستورنا تقر بحرية الاعتقاد والضمير والانتماء الديني، ويسري هذا القانون أيضا على مرتديات الحجاب. ولن يصبحن أكثر أهلية لممارسة هذه الحقوق إذا ما خلعن الحجاب. وليست الحقوق الأساسية بهبة أومنحة لهن بل هن يتمتعن بهذه الحقوق فعليا.
اندماج مأساوي
لقد تبين لي من خلال النقاش الدائر حول الحجاب، أن هناك الكثيرات اللائي يرغبن في الاندماج في المجتمع الألماني. لكن الاندماج يتحقق بالنسبة لامرأة مسلمة فقط عندما لا يبدو مظهرها كمسلمة وعندما لا يراها الناس أيضا على أنها مسلمة.
من يرغب في هذا التصور الضيق الأفق عن الاندماج بصورة مسلية فليقرأ مسرحية ليسنغ ذات الفصل الواحد "اليهود" والتي كتبها عام 1754. سمى الكاتب هذه المسرحية المأساوية، مسرحية كوميدية، لكنني لم أجد قراءتها مسلية.
باربارا جون، نشر المقال في صحيفة تاغستسايتونغ بتاريخ 27.2.2004
ترجمة أحمد فاروق
باربرا يون (65 سنة) عينت من برلمان مقاطعة برلين كمكلفة بشؤون الأجانب. وتقلدت يون، وهي عضو في الحزب المسيحي الديموقراطي، هذا المنصب حتى عام 2003