تسييس حقوق المرأة
هل قوانين العائلة المبنية على أسس دينية تشكل عقبة في وجه الديموقراطية والوحدة الوطنية أم أنها تعزز أواصل التعددية داخل المجتمع؟ هذه الأسئلة تثير جدلا حادا في المجتمع الهندي. بقلم ناديا شنايدر
حدث ذلك في أواخر السبعينيات عندما أصدرت المحكمة المدنية حكما على المحامي م. أ. خان يرغمه على دفع نفقة شهرية لمطلقته شاه بنو. يومها رفض خان الانصياع لقرار المحكمة وقدم لدى المحكمة العليا في دلهي دعوى باستئناف الحكم الصادر عليه.
برر المحامي تلك الدعوى بكون المرأة المسلمة تملك الحق وفقا للقانون الإسلامي في تغطية نفقاتها الشهرية فقط في غضون فترة العدة التي تستغرق ثلاثة شهور.
عندما رفضت المحكمة تلك الدعوى في عام 1985 أفرز ذلك خلافا مريرا حادا بين مؤيدي حكم المحكمة ودعاة الحركة الإسلامية الذين اعتبروا الحكم بمثابة مساس بحقوقهم الثقافية كأقلية دينية. ومما زاد من حدة استيائهم لجوء رئيس المحكمة القاضي شاندراشود إلى استخدام عبارات تمتهن الإسلام على نحو بيّن في حيثيات الحكم الصادر عنه.
عمد يومها رئيس الحكومة وزعيم حزب المؤتمر راجيف غاندي في عام 1986 إلى سن قانون اتسم بالتسرع بشأن "حماية حقوق النساء المسلمات" وكان قد فعل ذلك حرصا منه على احتواء التباعد المتوقع من قبل ناخبيه المسلمين تجاه حزبه.
بناء على هذا القانون أعطيت في إطار مسألة دفع النفقات الشهرية للمطلقة المسلمة لقانون الأحوال الشخصية الإسلامي مرتبة تفوق أحكام قانون الإجراءات الجنائية، الأمر الذي عنى من الناحية العملية عدم تطبيق قانون الإجراءات الجنائية المذكور على المرأة المسلمة. ووجد خصوم غاندي السياسيون المندرجون في صفوف حركة الهندوس المتطرفة قوميا في القانون الجديد المتنازع بشأنه سلاحا مناسبا يسعهم استخدامه ضده في الحملة الانتخابية.
الخلفية التاريخية للخلاف
تم في عهد السيطرة البريطانية على الهند تقسيم أصناف القانون إلى قانون جنائي وآخر مدني. وأدخل القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية في الهند عام 1862 وتقرر تطبيق هذين القانونين على كل أجزاء المجتمع الهندي بغض النظر عن الانتماء الديني أو التبعية إلى إحدى الطوائف الاجتماعية.
لكن الذي حدث من ناحية أخرى وذلك على وجه التحديد في النصف الأول من القرن العشرين هو سن قوانين للأحوال الشخصية على أسس الانتماء لدين ما ثم أصبحت هذه القوانين تطبق في المسائل المتعلقة بقوانين العائلة.
كان لدى السلطة الاستعمارية في هذا السياق اهتمام واضح بوضع حدود ثابتة بين الطوائف المختلفة المبنية على الانتماء الديني بهدف فصلها عن بعضها البعض بصورة بينة. الجدير بالذكر أن الحركات الإصلاحية الإسلامية طالبت هي أيضا منذ نهاية القرن التاسع عشر بوضع قانون الأحوال الشخصية الإسلامية موضع التنفيذ بهدف تحسين الوضع القانوني للمرأة المسلمة في إطار الفكر النابع من الشريعة الإسلامية نفسها.
كان الإصلاحيون يستخدمون في هذا الصدد حجة فحواها أن النساء ينلن في إطار الشريعة الإسلامية حقوقا لم توفرها لهن كافة الحقوق السابقة المبنية على العادات والأعراف كالحق في الطلاق والإرث والزواج مرة أخرى.
القاسم المشترك الوحيد
بالإضافة إلى ذلك رأى علماء الدين المسلمون في القانون الإسلامي للأحوال الشخصية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية وانهيار الإمبراطورية العثمانية القاسم المشترك الوحيد المتبقي والذي يمكن أن تبنى عليه هوية جماعية للطائفة الإسلامية المشتتة في كامل أنحاء الهند.
أما دعاة السلطة المركزية القوية والتجانس الثقافي فإنهم يقيّمون تواصل حقوق العائلة الدينية بعد حيازة الاستقلال في عام 1947 تقييما مغايرا لذلك تماما. فهم يرون في هذه القوانين الدينية قاعدة لشحذ التعبئة السياسية وفقا للانتماء الديني. بالتالي فإنهم يعتبرونها من العوامل القوية الهادفة إلى الحيلولة دون تحديث الهند ونشوء انتماء حقيقي فيها بمفهوم الأمة المشتركة.
بناء على قناعتهم لا يمكن سوى من خلال تكريس قانون مدني موحد وعلماني احتواء النعرات الإقليمية والنهوض بعملية الإصلاح الاجتماعي. ومما زاد من حدة التوتر ظهور مشاعر الاستياء لدى ممثلي حركة الهندوس المحافظين الذين توجب عليهم قبول إدخال قانون إصلاحي متعلق بحقوق العائلة لدى الطائفة الهندوسية (1956- 1961) فيما ظل قانون الأحوال الشخصية الإسلامي باقيا على حاله ودون عرضة لأي "مساس".
وقد اعتبروا قانون الأحوال الشخصية الإسلامي رمزا "للتخلف وانعدام الإرادة في تحقيق الإصلاح" ودليلا على منح حزب المؤتمر للمسلمين "وضع الامتياز في المعاملة".
من هذه الأرضية سعت استراتيجية حزب باراتيا جاناتا الذي يدين بأفكار هندوسية معبأة بالقومية المتشددة إلى "فضح" مشروع حزب المؤتمر التحديثي لمرحلة ما بعد الاستعمار وكشف النقاب عن صفته "ذات الصبغة العلمانية الزائفة".
في نفس الوقت سعى حزب باراتيا جاناتا لإظهار نفسه على أنه الحزب "الأكثر التزاما وتمسكا بالمبادئ" ونجح من خلال مطلبه بتكريس قانون مدني موحد في خلق قاعدة شعبية إضافية تدين بشرعية أفكاره.
المتطرفون القوميون الهنود
أصبحت قضية القانون المدني الهندي محورا متواصلا لاهتمام أجهزة الإعلام في غضون العقدين المنصرمين. في قضية شاه بنو كانت مسألة أداء نفقة المطلقة المسلمة هي المسألة الرئيسية المطروحة.
أما بالنسبة لقضية سارلا مودغال (1995) فقد كان محور الجدل المشتعل يمس موضوعا آخر هو "تعدد الزوجات" وذلك بعد أن اعتنق رجل ينتمي إلى طائفة الهندوس الديانة الإسلامية انطلاقا من ظن خاطئ لديه بأن ذلك يجيز له بالتالي الزواج بامرأة أخرى.
رغم إدراك حزب باراتيا جاناتا الأهمية الجوهرية لنشر دعايته المشبعة بالنزعات القومية الهندوسية المتطرفة في بعض أجهزة الإعلام الصادرة بلغة شمال الهند إلا أن الاستراتيجيين الإعلاميين لدى هذا الحزب اكتشفوا أيضا وفي وقت مبكر أهمية نشر أفكارهم في الصحف الصادرة باللغة الإنكليزية كوسيلة لتحقيق النجاح السياسي.
ووجدوا في عدة صحف منبرا مفتوحا لهم لا سيما في صحف "انديان إكسبريس" و"تايمز اوف انديا" و"ستيتسمان" لنقل تهجمهم على حزب المؤتمر وعلى المسلمين مما جعلهم ينجحون في بسط نفوذهم بقوة وبقدر معتبر على الرأي العام الهندي.
وقد نجح حزب باراتيا جاناتا حتى أواخر التسعينيات في فرض الأطر اللازمة لوعي الإعلام لإشكالية القانون المدني وجعله يفتح ملفات جدل حينذاك حول تلك القضية.
وتعمد أنصار هذا الحزب تعديل تقييم مطلبهم المتعلق بالقانون المدني "الموحد" ليحتل مرتبة المفتاح والرمز المعني بتكريس "التكامل القومي"، كما أنهم وجهوا لكل من عارضهم في تلك الرؤية تهمة "الانحراف عن الخط القومي".
تهميش مساواة المرأة بالرجل
من نتائج تعديل تفسير الخلاف القائم حول القانون المدني تهميش مطلب المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون. ورغم أن أنصار هذا الحزب لم يكفوا عن استخدام حجج مبنية على الكليشيهات مثل الادعاء بوجود "اضطهاد للمرأة المسلمة" و"تخلف" لدى المدنية الإسلامية فإن الاهتمام بحوار متسم بروح إصلاحية أخذ يتقلص بصورة مرئية واضحة.
كما أن سيناريوهات التهديد ومنها "تعدد الزوجات" و"التضخم السكاني" قد أظهرت هي أيضا بأن المقصود هو التصدي للامتياز المزعوم وجوده لدى الرجال المسلمين مقارنة برجال مجتمع الأغلبية، أي الهندوس.
لهذه الأسباب لم تلق التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي سوى اهتمام محض ضئيل. فقد عمدت المحاكم الهندية إلى إيجاد طرق تجعل المطلقات المسلمات قادرات على نيل نفقات مالية رغم وجود تسوية حددتها العدة وذلك من خلال رفع قيمة المبلغ الذي يتعين على الزوج المقبل على الطلاق أن يقدمه لزوجته في خلال مدة العدة التي تستغرق ثلاثة شهور.
من الهام جدا في هذا السياق حكم صدر عن المحكمة العليا في عام 2001 يسمح للمطلقة المسلمة بالتواصل في الحصول على نفقة شهرية من مطلقها حتى بعد انقضاء فترة العدة. كذلك أصدرت المحكمة العليا للقانون المدني والقانون الجنائي في بومباي حكما ينص على ضرورة المصادقة على كل حالة طلاق أمام القضاء.
وقد وضعت المحكمة في هذا الصدد شروطا معينة يتوجب على المعنيين التقيد بها كالإفصاح عن أسباب الطلاق وإعادة مهر الزوجة لها وغيرها من ممتلكاتها الشخصية بالإضافة إلى دفع نفقاتها الشهرية طيلة فترة العدة. هذا وقد رأت المنظمات النسوية المسلمة بأن توقيت مثل هذه الإجراءات جاء سيئا على ضوء المذابح المنظمة التي وقعت في غوجارات عام 2002.
مؤسسات تمثل المسلمين
على الرغم من ذلك فإن قرار المحكمة لم يفرز موجات احتجاج بهذا المفهوم بل على عكس ذلك أيد مولانا سيد نظام الدين، الأمين العام لمجلس إدارة الشؤون القانونية والشخصية لكافة مسلمي الهند، بصورة صريحة واضحة الحكم المتعلق بضرورة مصادقة حالات الطلاق.
من العوامل اللازمة للنقاش المبني على المصداقية بشأن موضوع إصلاح قانون الأحوال الشخصية الإسلامي وجود مؤسسات تمثل مصالح المسلمين الهنود على وجه حقيقي لا يقبل الشك. فمن دون وجود مثل هذه المؤسسات يتعذر خلق سياسة تنال موافقتهم وتتسم بروح الشرعية الديموقراطية.
بقلم ناديا شنايدر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
لنتعلم من الهند!
أصغر علي انجنير أحد أبرز المفكرين المسلمين في الهند الذي يرتكز في كتاباته على الإرادة الحرة التي حسب اعتقاده هي جوهر الديانة الحية. مقال بقلم فاطمة صغير
الدين ليس الحل كما أنه ليس المشكلة"
صدر في كانون الأول/ديسمبر 2006 تقرير التنمية الإنسانية العربية تمحور حول وضع المرأة في العالم العربي، وهو التقرير الرابع والأخير ضمن هذه السلسلة.
مدوّنة الأسرة الجديدة تواجه عقبات عديدة
قانون الأسرة المغربي الذي تم التصديق عليه في الأول فبراير/شباط 2004 من أحدث القوانين في العالم العربي. إلا أن المنظمات النسائية المغربية ترى أن هذه المدونة تواجه عقبات كثيرة في التطبيق.