الإسطوانة الجديدة مهداة إلى بازار اسطنبول
من يجالس برهان أوجال يجد نفسه يلمس بسرعة الأوجه المتعددة لهذه الشخصية الفنية. فنظاراته الشمسية العريضة توحي بشخصية تسلّط ذكوري، أما حركاته فتفشي بالأحرى طبيعة فتى متحمس. وعندما يروي قصة حياته يتخذ صوته طابعا رقيقا وشاعريا إلى حد ما.
"كان والدي يملك قاعة سينما في اسطنبول يرتادها دوما غجر يعملون بمسح الأحذية وببيع بزر القرع" يقول أوجال متذكرا. "هكذا ترعرعت بصفة طبيعية في معاشرة هؤلاء الغجر وموسيقاهم. وإضافة إلى ذلك كان أبي مؤسس أول رباعي لموسيقى الجاز بالمدينة، من هنا نشأ ولعي بالجاز وبالأفلام الأميركية من فترة كلارك غايبل(Clark Gable). وبالمقابل أستطعت عن طريق أمي أن أكوّن لي نظرة عن الحياة الدينية، فهي من قونيا عاصمة الطريقة المولوية الصوفية، وكانت غالبا ما ترتل القرآن في البيت."
حدود المزج بين الأساليب الموسيقية
يقيم أوجال لفترة مؤقتة في فندق جنوب مدينة بازل حيث تمت دعوته من قِبل مهرجان "أصوات" حيث يقدم بمعية أعلام من عازفي الموسيقى الكلاسيكية التركية برنامجا من إعداده يتكوّن من أناشيد دينية وتراتيل قرآنية ومقتطعات من الطقوس الموسيقية للدراويش:
"كان لدي دوما احترام شديد تجاه هذا التقليد الذي يبلغ ألف سنة من العمر، وبالرغم من أنني قمت بتأليف مقطوعات "بوب" و"تكنو" فإنني لن أتجرأ على وضع توليفات بين الموسيقى الصوفية وعناصر من المنوعات الاستعراضية. إذ سيكون ذلك كما لو أنني أعمد إلى تقديم معزوفة نغمية لباخ داخل خيمة من خيام البيرة"، يقول منتقدا للموضة الجديدة لما يعرف بـ’Sufism light’ كما يمارس ذلك مرجان دده، حسب رأيه:
"أنا قادر على كسر الطابوهات وإنجاز أعمال حديثة، أن أتحرك دون حدود زمنية وجغرافية وأن أستوحي من القديم أعمالا جديدة، لكنني لا أقبل تدمير شيء مقدس من أجل اصطناع صورة خفيفة ومستساغة."
عندما يستعرض المرء بعضا من المحطات الهامة من مسيرة أوجال الفنية يتضح ذلك الذي يعنيه بعبارة "دون حدود": في أيام طفولته صنع أوجال لنفسه طاقمه الإيقاعي من قوارير ونسخ من صور الأشعّة الطبيّة وأكياس من البلاستيك، وكان في الرابعة عشر من عمره يقود فرقته الأولى كضارب إيقاع محترف.
كان أوجال يعزف موسيقى الـ"بي بوب" والموسيقى الغجرية والبيتلز، وطور طريقته الفنية الخاصة بوسيلة الدربوكة التي تعد آلة الإيقاع التركية المميّزة. هكذا أخذت حياته الفنية مجراها بين مختلف الأساليب والفرق الفنية: ففي مجال الجاز والممازجات الموسيقية عاش العديد من تجارب العزف المشترك مع جو سافينول ورباعي كرونوس-Kronos Quartet- وعازف الباس جمال الدين تاجوما كما عمل مع صديقه غيورغ غرونتس على إنشاء تواصل موسيقي بين تركيا وأوروبا.
وكان لعزفه إيقاع مؤثر دوما في الموسيقى الكلاسيكية التركية كما في الموسيقى الأوروبية. وحاليا يعمل أوجال بالاشتراك مع الفنّان الفرنكفورتي بيتر ناملوك على مقطوعة تستحضر تاريخ مجمل سلاطين الإمبراطورية العثمانية وعددهم 36.
إلا أن هذا المشروع الموسيقي الذي يقترن بإسمه في أذهان الناس هنا في أوروبا، هو في الحقيقة من عمل التخت الشرقي بإسطنبول. وكقائد تخت استطاع هو ومجموعة الموسيقيين الغجر الذين بصحبته أن يستحضروا أجواء من حياة الحريم والخانات داخل معزوفة باذخة يشترك في صياغتها السنتور والعود والكلارينات وآلات الإيقاع. وقد نجح في ضخ طاقة إنعاش حيوية غذى بها فرقته على المستوى البشري كما على مستوى التقنية الصوتية.
بازار اسطنبول
"الإسطوانة الجديدة للفرقة مهداة إلى بازار اسطنبول الكبير. وبما أننا نقدم عملا قائما على العزف فقد كان على الموسيقى أن تنهض لوحدها بإيصال الانطباع بأن الأمر يتعلق هنا بشيء كبير وهائل، لذلك اعتمدت في بعض الفقرات على توزيع بآداء 12 آلة وترية من أجل الحصول على نغمة ذات طابع أركستري."
غير أن هذا الحداثوي ذي النزعات الحنينية إلى الماضي يأسف لكون اسطنبول ما فتئت تستسلم أكثر فأكثر لنوع من السنوبيزم الجديد: "إن الأثرياء الجدد الذين يتوافدون على المدينة من مناطق بحر إيجة والأناضول ويسعون إلى الربح السريع يمثلون في الحقيقة الخطر الأكبر على المدينة اللائكية، أكثر حتى من الأصوليين. إنهم يثرون على حساب تاريخنا، يصوغون تصميمات موضوية سطحية مستقاة من نماذج عثمانية وفي الآن نفسه يشيدون معمارا ببنايات عالية على طريقة منهاتن، معمار يمثل تلوثا بيئيا صرفا في نظري."
لكن أوجال ما كان ليعود مجددا إلى مدينة البوسفور في مثل هذا الظرف حيث "لا شيء يسير على ما يرام" لو لم يكن يرى إمكانيات للتغيير أيضا: "سبعون بالمائة من الأتراك هم دون سن الثلاثين. وبالتالي فإنه لدينا على المستوى البشري، كما على المستويين الاقتصادي والثقافي رصيد هائل من الامكانيات في هذه البلاد.
"والأمر كل الأمر مرتبط الآن بإمكانية قدوم قيادة نزيهة وغير فاسدة كي نتمكن في ظرف عشرة سنوات من التغلب على مشاكلنا الاقتصادية والإثنيّة. وإنه سواء لدي في هذا إن نحن انضممنا إلى الاتحاد الأوربي أم لم ننضم. فالمهم هو أن تحدث تطورات داخل الأذهان وأن يظل كلٌ متمسك بأصوله؛ إذ ليس مهما أن يكون الواحد مسلما أو مسيحيا أو غير مؤمن أصلا."
بقلم ستيفان فرانزن
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
فرقة سربند
في مهرجان الموسيقى العالمي في اسطنبول قدمت فرقة سربند الموسيقية المتعددة القوميات عرضها المشترك مع كونسرتو كولون الذي شكل قمة العروض ذات المستوى المتميز. تقرير سوزانه غوستن من اسطنبول
فيلم "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" لفاتح أكين
في فيلمه"عبور الجسر – أصوات اسطنبول" يقوم المخرج الألماني-التركي فاتح أكين برحلة بحث عن معالم موسيقية في اسطنبول. فينشأ عن هذه الرحلة تكريماً مفعماً بالرقة للموسيقيين وللموسيقى النابضة والمتنوعة والمثيرة في هذه المدينة
عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية
www