وحي الذاكرة بريشة فنان
كتبت الفنانة البَيْروتية لميا جوريج عام 2006 عن أعمالها: "إن التاريخ يفلت من أيدينا باستمرار ولا نملك سوى تسجيل أجزائه بالكلمات والصور والذكريات، وقد دارت أعمالي في السنوات العشر الماضية حول هذا الإفلات وكيف تتجه محاولاتنا لإعادة تنظيمه وشرحه نحو الوهم والخيال". ويعتبر الفيديو الذي أنتجته عام 2003 تحت عنوان "هنا وربما في أماكن أخرى" تأملا للذكريات الشخصية وربطا بينها وبين المحيط الحضري.
وقامت الفنانة باستفتاء الناس المقيمين عند الخط الأخضر سابقا حول ما يربطهم من ذكريات شخصية بالمكان، وصرح جزء كبير ممن وُجهت إليهم الأسئلة أنهم لا يستطيعون أن يتذكروا أشياء مهمة، على الرغم أن كثيرا من الناس اختطفوا أثناء الحرب الأهلية. وعلى ما يبدو أن هذا النسيان الفعلي أو التناسي عن قصد يعتبر طابعا مميزا لجزء كبير من المجتمع اللبناني في الوقت الحاضر، كما هو الوضع في كثير من مجتمعات ما بعد الحرب. ومن الموضوعات التي تُطرح دائما في أعمال فناني لبنان المعاصرين الذين يهتمون بالمعالجة الشخصية لـ"لأحداث" - كما تُسمى الحرب الأهلية اللبنانية في الغالب – موضوع غياب تقييم آثار الحرب وما يتضمنه هذا الغياب من مخاطر.
احتفالية "الفن الآن"
إن آثار الحرب التي استمرت خمسة عشر عاما لا تزال ملموسة في كثير من أحياء المدينة حتى وإن حاول الازدهار العمراني غير المقيّد محو كل ذكرى وحاول أن يجعل المدينة رائعة وأنيقة وغير تاريخية. وهذا ما يلمسه المرء في منطقة وسط مدينة بيروت على وجه الخصوص. فعلى الرغم من ذلك يوجد هنا في وسط المدينة مبنى تحدى هذه القضية - مع أنه مهدد بالازالة ولحقه الضرر بسبب طلقات الرصاص والاهمال – وأصبح مركزا بديلا للثقافة والفنون. وفي إطار احتفالية "الفن الآن" هذا العام التي تجول بالمرء وسط عالم الفن والتصميم في العالم العربي وتهتم بجمهور عالمي كبير العدد تقدم عشرة معارض فنية مُقامة في مبنى "دوم سيتي سنتر" أعمال 35 فنانا لبنانيا معاصرا تحت عنوان "كنتمبارابيا Contemparabia" لبنان.
ومبنى "دوم سيتي سنتر" (الذي يُسمى أيضا في اللهجة البيروتية 'الصابونة' أو 'البيضة' بسبب شكله المعماري) والذي يضم مجمعا تجاريا وسينمائيا وبناه المهندس المعماري اللبناني يوسف فيليب كرم عام 1970 ذات قيمة إبداعية بالنسبة للعاصمة اللبنانية. كما أنه يُعتبر مثالا جريئا على الهندسة المعمارية الحديثة ورمزا إلى الأمل الذي حطمته الحرب الأهلية. وهذا المبنى الذي يُعد واحدا من المباني القليلة التي بقيت في وسط المدينة من زمن ما قبل الحرب يعتبر أيضا نُصُبا تذكاريا للحرب.
وقد قام اثنان من الفنانين المشاركين في المعرض بربط أعمالهم بتأثيرات الحرب على المدينة وبإشكالية معالجة التاريخ وإشكالية كبْته أيضا. وفي هذا المعرض يشارك الفنان والناشط الثقافي الفريد طرزي بمجموعة من المشاريع الكبيرة يعالج فيها بصورة نقدية فُقدان ذاكرة وطنه التي اختارها بنفسه، كما تُذكّر المجموعة بالضحايا الذين ذهبوا هدرا وبرعب الحرب الأهلية.
مبادرة "الميدان الصامت"
وفي مبادرته "الميدان الصامت" التي يقترح فيها إقامة نُصب تذكاري لمناهضي الحرب بدلا من ميدان الشهداء المركزي ينتقد فيها على حد قوله تمجيد الشهداء. وفي مجموعة معروضة من لوحات الكولاج الفنية الكبيرة الحجم عمد الفنان إلى لصق البطاقات البريدية القديمة من زمن ما قبل الحرب الأهلية متداخلة مع لقطات فوتوغرافية أبيض وأسود حديثة من الشوارع والمناظر الطبيعية في المناطق الحضرية من زمن ما بعد الحرب الأهلية. وتظهر اللوحات نساءً وأطفالا مسلحين ومدنيين يصرخون بيأس، كما تظهر الجنود والضحايا في البطاقات البريدية في تباين شديد يُبين روعة معالم البلد والملامح البراقة لبيروت المعاصرة. بهذه الطريقة بين الفنان خطأ فهم مَن يتطلعون بشوق إلى "الأيام الجميلة" قبل الحرب وليسوا على استعداد لمواجهة أشباح الماضي.
ويربط تاريخ مبنى "دوم سيتي سنتر" بين المدينة حوله وبين ذكريات الزوار، كما أنه يوقظ تلك الذكريات من خلال هذه الأعمال الفنية ويؤكد على أهمية المبنى لمعالجة تاريخ المدينة الحديث بواسطة الفن. إن تعدد طبقات الذاكرة التاريخية تشكل بؤرة أعمال صلاح صولي التركيبية "قصر التيه" التي تتكون من أربعين لوحة على شكل قصر التيه معلقة في السقف، واللوحات مطبوعة بصور، منها لقطات تاريخية واستنساخات لبطاقات بريد قديمة وصور فوتوغرافية التقطها الفنان أثناء الحرب، وهذه كلها تتعاقب مع صور لأشخاص اختفوا أثناء الحرب ولا يزالون مفقودين حتى اليوم. ومَن يتحرك خلال هذه التركيبة يرى نفسه وجها لوجه مع سيل مستمر من الصور الشفافة التي تخدع البصر.
"قصر التيه"
وفي كل خطوة خلال "قصر التيه" وعند كل زاوية تأمل تتغير تركيبة الصور وتتجدد في التغيّر بين الجزئي والكل. والتركيبة توحي كما لو كانت مثل اللوح الذي يُكتب عليه مرارا بعد مسح الكتابة الأولى ليعكس ذكريات الزوار بين الواقع والخيال. وبهذا يخرج الزائر من دور المتأمل السلبي ويدخل في عملية شبه أثرية ليرى نفسه مدعوا للاهتمام بتاريخ المدينة بناءً على تصورات شخصية. هكذا تعتبر تركيبة "قصر التيه" فرصة للتجول عبر المناظر الطبيعية التي يتصورها المرء في خياله.
إن صلاح صولي والفريد طرزي يتلاعبان في أعمالهما بالمقارنة بين ما هو ماضي وما هو حاضر وبين الشهادات التاريخية واللقطات المعاصرة وبين الواقع والوهم ويطالبان بطريقة خفية من الزوار أن يعالجوا تاريخهم الذي عايشوه. ولا يكاد يوجد إطار أفضل من هذا الإطار الذي عُرضت فيه هذه الأعمال، فمبنى "دوم سيتي سنتر" يبدو من خلال تاريخه الخاص أفضل مكان لهذا، فالمبنى نفسه يطرح هذه الانعكاسات.
شارلوته بنك
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق النشر: قنطرة 2010
مراجعة: هشام العدم
قنطرة
مركز بيروت للفن":
معرض فنون تجريبية في منطقة صناعية
يعد "مركز بيروت للفن" فضاء مستقلا للفنون، له برنامج طموح يهدف إلى إيصال أشكال الفن المعاصر إلى جمهور واسع. شارلوته بنك من بيروت تعرفنا بهذا المركز والأجواء الفنية التي أخذت تنشط في عاصمة أنوار الشرق.
العمل اللبناني الراقص"اغتيال عمر راجح":
رقص على أنغام السياسة وألحان الواقع الواقع
تقوم حاليًا فرقة "مقامات" بجولة أوروبية تعرض خلالها عملها الراقص "اغتيال عمر راجح". وتتميز فرقة الرقص اللبنانية هذه بتقديمها رقصات حديثة طموحة جماليًا وملتزمة سياسيًا. أمين فرزانفر يعرفنا بهذا العمل الفني.
فيلم "فلافل":
رحلة الحياة والموت في ليلة بيروتية
يصور فيلم "فلافل" للمخرج اللبناني ميشال كمون والذي حصد عدة جوائز مرموقة،التناقضات التي تعيشها بيروت، حيث يقبل الشباب على الحياة واللذة والمتعة على الرغم من التركة الثقيلة للحرب والمصير المجهول. مخرج الفيلم يتحدث عن تجربته الفنية هذه على هامش مهرجان كان.