استراتيجية النزوح......حصاد الخراب والدمار

ظروف اقتصادية بائسة، وعشرات الآلاف من القتلى المدنيين ونظام سياسي ينخر فيه الفساد، ليست هناك جوانب تبعث على الأمل في أفغانستان. راينهارد أروس يقدم حصيلة عن الدمار في أفغانستان بعد قرار حلف شمال الأطلسي "ناتو" بسحب قواته من أفغانستان بعد أربعة أعوام.

، الصورة د.ب.ا راينهارد أروس
ماتزال أفغانستان بعيدة كل البعد عن الاستقرار وتشكيل نظام سياسي مستقر

​​ أقر حلف شمال الأطلسي "ناتو" خلال قمته في لشبونة الأسبوع الماضي استراتيجية جديدة، وللمرة الأولى في تاريخه توجب على أكبر حلف عسكري في تاريخ البشرية أن يتناقش أيضاً على ما يُسمى باستراتيجية "الخروج"، من أجل إنهاء المهمة العسكرية في أفغانستان.

وربما من الأفضل تسمية استراتيجية الانسحاب من أفغانستان بإستراتيجية "النزوح" Exodus، وتعني مفردة Exodos الإغريقية: الانسحاب من بلد؛ أما Exitus فعلى النقيض من ذلك تعني في اللاتينية وفي مجال العلوم الطبية: الموت.

والآن، فإن انسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان سوف لا يكون إعلاناً بنهاية الحلف، على عكس انسحاب الجيش السوفيتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي الذي كان أيضاً نهاية الإمبراطورية الشيوعية.

إن الهزيمة التي مُنيت أقوى القوة العسكرية الأكبر في العالم آنذاك جملها خبراء الكرملين آنذاك بالكلمات القوية، وعلى الأقل أرادوا تحقيق انتصار في صياغاتهم، بعد أن استحال ذلك النصر في وديان أفغانستان. وكان من أقوالهم آنذاك: "أدينا واجبنا الأخوي الاشتراكي وتركنا خلفنا أفغانستان مستقرة ذات رئيس قوي وجيش وشرطة أفغانيين قادرين على المواجهة".

حصيلة الخراب عام 1989

وبالفعل ترك الجيش السوفيتي خلفه في شباط/ فبراير 1989 أكثر من 1.5 مليون قتيل وقرابة مليونين أفغاني يعانون الإعاقات الجسدية والنفسية، وأكثر من ستة ملايين نازح في دول الجوار، وأكثر من 15 ألف قتيل في صفوفه، و200 ألف معوق، لقد ترك السوفيت أفغانستان بلداً سرعان ما غرق بالفوضى بعد ذلك.

في عام 1994 اجتاحت حركة طالبان البلد، وصحيح أنها أنهت الفوضى التي خلفها السوفيت، إلا أنها أقامت عوضاً عن ذلك نظاماً إرهابياً، لم تعرف أفغانستان مطلقاً من قبل، وعم صمت المقابر، وبدأ الإرهاب الإسلاموي الباعث على قلق دولي اليوم.

غياب بوادر التحسن رغم المساعدات

الصورة ا.ب
يفتقر الناس في أفغانستان إلى أبسط الأمور من تعليم ورعاية صحية

​​

وحين تنسحب قوات الناتو أفغانستان، كما جاء في إعلان الحلف الغربي في لشبونة، بعد أربع سنوات ويسلمون البلد للأفغان، سيتضح حينها ما إذا كانت ستبقى هناك دولة قادرة على النهوض. لكن في الوقت الراهن لا توجد أي بوادر تشير إلى ذلك، بل على العكس، فبعد حرب دخلت الآن عامها التاسع وإنفاق دول حلف الناتو لأكثر من 700 مليار دولار –باعترافها بالإنفاق على قواتها هناك في المقام الأول- فإن الحكومة الأفغانية ما زالت بعيد كل البعد عن تقديم ما يكمن أن يتوقعه المرء في كل بلد من بلدان العالم: كيان دولة مستقر، يقدم لشعبه الأمن ورفاهية بسيطة على الأقل ويفتح فرص المستقبل أمام السباب.

في التصنيف العالمي تأتي أفغانستان على رأس قائمة الدول الأكثر فساداً، أما من حيث متوسط الأعمار ونوعية الحياة فإنه على عكس ذلك في ذيل القائمة. ويعيش في أفغانستان قرابة 30 مليون نسمة، وفي التاريخ الحديث لم يسبق لبلد بهذا العدد القليل نسبياً من السكان أن حصل في وقت قصير على هذا الدعم المالي الكبير مثل أفغانستان، 40 إلى 50 مليار دولار.

وعلى الرغم من ذلك ما زال الناس في هذا البلد يفتقرون إلى أبسط الحاجات الأساسية للعيش، فلك ستة من ثمانية أفغان ما زالوا بدون رعاية طبية. وثمانية من كل عشرة أفغان لا يعرفون بعد التزود بالماء الصالح للشرب. وبسبب نسبة المواليد المرتفعة للغاية أيضاً يقل عدد الأطفال الذين يحصلون على فرصة التعليم. ولماذا يجب عليهم أن الذهاب إلى المدارس؟ يمكن للمرء أن يتساءل ربما هنا، فنوعية التعليم في كل حال من الأحول تبعث على البؤس.

اقتصاد بائس

إن تعليم التلاميذ السيئ ومرتبات الموظفين السيئة تعتبر من الأمور المدمرة لهذا البلد. والأفغان القليلون الحاصلون على تعليم أكاديمي جيد تأخذهم المنظمات الأجنبية، والتي تدفع لهم عشرة أضعاف ما يمكن أن يحصلوا عليه من الدولة الأفغانية؛ 1000 دولار شهرياً بدلاً عن المائة دولار فقط، التي يحصلون عليها لقاء عملهم كمعلمين.

الصورة ا.ب
تغرق أفغانستان في عالم المخدرات والفساد

​​ وبهذا يمكن لهولاء أن يعيلوا عائلاتهم، لكنهم يعملون في هذه المنظمات بوظائف تقل كثيراً عن مستواهم العلمي، كموظفين مكاتب ومترجمين وسائقين. وهذا التطور الكارثي يُسمى باستنزاف العقول. مثال آخر: في العام الماضي تم شق 10 آلاف كيلومتر من الشوارع. وكم جميل هو ذلك، لأن كل الأجانب في هذا البلد يملكون سيارات، كما أن قوات الناتو بحاجة هي الأخرى لهذه الشوارع. لكن كم هي نسبة الأفغان الذين يملكون سيارات؟ الجواب: أقل من 4 في المائة.

إضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الأفيون والهيروين ازداد إلى خمسة أضعاف منذ سقوط نظام طالبان. ومن عائداته لا يمول بارونات المخدرات منازلهم الفاخرة ومؤسساتهم المالية في الإمارات، بل وتغذي طالبان والإرهاب العالمي نشاطاتهما من هذه التجارة القذرة. ومقابل ذلك يكاد الأفغان حتى بعد تسعة أعوام من الحماية الدولية لا ينتجون أي منتج قانوني صالح للتصدير.

المغيث كتهديد

طول قرون كثيرة من الزمن تمكن الشعب الأفغاني من العيش على ما كان يُزرع في بلدهم. أما اليوم فإن ملايين الأفغان يعتمدون اعتماداً رئيسياً على المواد الغذائية القادمة من الخارج. لكن ما يزداد هنا بشكل كبير هو عدد القتلى في صفوف القوات الأجنبية. فخلال هذه الفترة سقط أكثر من 2200 جندي أجنبي في الصراع في أفغانستان، من بينهم 45 جندياً ألمانياً. وإذا ما استمرت معدلات الموت في صفوف قوات الناتو حتى الانسحاب التام عام 2014 كما هو الحال في السنتين الماضيتين، سيصبح عدد الجنود الأجانب المقتولين في أفغانستان 4500 جندياً في النهاية.

إن عدد القتلى من النساء والأطفال والشيوخ الأفغان يبلغ عشرات الآلاف، وهذه الأعداد تتصاعد بشكل مأساوي من عام إلى آخر، ففي العام الماضي تجاوز عدد الأطفال المقتولين برصاص قوات الناتو أعداد ضحايا هجمات حركة طالبان. أحياناً قد يمثل المغيث تهديداً أكبر من أولئك الذين يرغب في حماية الناس من شرهم. وإذا ما صدقنا التقرير السنوي لعام 2009 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن الوضع الإنساني للأفغان ليس بأفضل حال من تلك الأوقات التي هيمنت فيها طالبان على حكم هذا البلد.

وماذا يبقى؟ ليس أكثر من آمال واهية في أن الغرب وحكومة كابل قد تنجح خلال السنوات الأربعة القادمة في تحول مجرى الأمور إلى الأفضل، وأن لا يكون موت الكثير من الأشخاص عبثاً. ومن جانب واحد فقط كان لوجود حلف الناتو في أفغانستان جدوى: إن هذا الوجود لم يكن بدون ثمن، فقد أبتلع الكثير من الأموال وحطم حياة الكثير من الأشخاص.

راينهارد أروس
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: صحيفة زوددويتشه تسايتونغ الألمانية/ قنطرة 2010

راينهارد أيروس: طبيب متقاعد، عمل في الجيش الألماني. وبالتعاون مع زوجته آنيته وأبنائهما الخمسة يدير منظمة مساعدة أطفال أفغانستان منذ عام 1998، وتعمل المنظمة في تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق الشرقية من أفغانستان في مجال بناء المدارس ودور الأيتام والمستوصفات الصحي ومراكز تعليم الكومبيوتر والمدارس المهنية. كما تقدم المنظمة مساعدات لإعادة إعمار أفغانستان.

قنطرة

رؤية لإحلال السلام في أفغانستان:
كيف تتفاوض مع حركة طالبان؟
دخلت الحرب مع حركة طالبان عامها التاسع، بينما تتراجع قدرات قوات الناتو والتزامها بحرب أزلية لمجابهة التمرد. فهل أصبح الوقت جاهزاً للتفاوض حول صفقة مع حركة طالبان؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا يعني التفاوض مع هذه الحركة؟ قمر الهدى في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة.

حوار مع وزير الخارجية الأفغاني رانجين دادفار سبانتا:
"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
يتحدث وزير الخارجية الأفغاني، رانجين دادفار سبانتا، في هذا الحوار الخاص مع لؤي المدهون عن عدة قضايا تتعلق بحاضر أفغانستان ومستقبلها، لاسيما الانتخابات الرئاسية المقبلة والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في البلاد ومعضلة التعامل مع حركة طالبان، بالإضافة إلى المجتمع المدني في أفغانستان.

استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.