"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
من المقرر إجراء الانتخابات في أفغانستان في العشرين من شهر آب/أغسطس الجاري - فهل سيكون الوضع الأمني، نظرًا إلى نهوض حركة طالبان الأفغانية من جديد، كافيًا في البلاد؟
رانجين دادفار سبانتا: تنظيم القاعدة الإرهابي ومن يدعمونه عازمون على عدم السماح بإجراء هذه الانتخابات. غير أنَّ قوات الأمن الأفغانية والمجتمع الدولي اتَّخذوا تدابير أمنية واسعة النطاق ونحن عازمون على إجراء الانتخابات. وأنا أجد أنَّه يجب علينا أن نحسب حسابًا لبعض التحديات الأمنية خاصة في جنوب البلاد. فهذه الانتخابات تشكِّل شرطًا مهمًا بالنسبة لمسيرة الديمقراطية الأفغانية الفتية، كما أنَّنا لن ندع الإرهابيين يخيفوننا.
يقوم الجيش الألماني منذ فترة غير بعيدة بتقديم الدعم والمساندة للقوات المسلحة الأفغانية في حملتها التي تخوضها ضدّ حركة طالبان الإسلامية المتشدِّدة. وللمرة الأولى منذ سبعة أعوام ونصف العام يشارك جنود ألمان في العمليات الحربية الدائرة في أفغانستان بصورة واسعة. فكيف تقيِّمون أداء الجيش الألماني في بلدكم؟
سبانتا: الاستراتيجية التي يتَّبعها الجيش الألماني في أفغانستان والتي تستند بشكل أساسي على عملية إعادة الإعمار من خلال الوجود العسكري هي استراتيجية صحيحة بالنظر إليها كحزمة واحدة. ولا يمكننا السماح لحركة طالبان ولمقاتليها تدمير منجزاتنا. وحساسية الرأي العام الألماني معروفة لديَّ ومع ذلك فنحن نواجه عدوًّا اختار الوحشية كمبدأ له. والمنطق الوحيد الذي يفهمه هذا العدو هو منطق القوة ولهذا السبب فنحن مضطرون لمحاربته. ونحن نرى أنَّ التعاون بين قوات الأمن الأفغانية والألمانية إيجابي؛ وهو من وجهة نظرنا مهم جدًا ولا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الراهن.
قبل أكثر من سبعة أعوام عقد مؤتمر بيترسبرغ الدولي بالقرب من بون، حيث خطَّط المشاركون فيه مستقبل أفغانستان بعد الإطاحة بنظام طالبان. فكيف تصفون التطوّرات في بلدكم منذ ذلك الحين؟
سبانتا: أجد أنَّه من المؤسف للغاية أنَّ تؤثِّر العناوين السلبية في أغلب الأحيان على صورة أفغانستان. فقد حقَّقنا إنجازات مهمة في الأعوام السبعة الماضية، وقبل كلِّ شيء إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ هذا البلد الذي ورثناه عن تنظيم القاعدة وحركة طالبان كان مرتعا للخراب والدمار.
على سبيل المثال، لقد بنينا أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة كم من الطرق الإسفلتية، كما أنَّ أكثر من خمسة وسبعين في المائة من القرى الأفغانية مرتبطة "ببرنامجنا الوطني التضامني"؛ وفي حين لم يكن يستفيد في العام 2002 من البرامج الأولى للرعاية الصحية سوى تسعة في المائة من السكان، ارتفعت الآن نسبة المستفيدين من هذه البرامج إلى أكثر من خمسة وثمانين في المائة. وكذلك حقَّقت أفغانستان منذ عام 2002 وحتى يومنا هذا نموًّا سنويًا يتراوح بين أحد عشر في المائة و ثلاثة عشر في المائة، كما أنَّ أكثر من سبعة ملايين من أطفالنا يذهبون إلى المدارس، وفي حين لم يكن يُسمح في عام 2001 لأي امرأة بالذهاب إلى المدرسة، أصبحت الفتيات يمثِّلن الآن نسبة ثمانية وثلاثين في المائة من طلابنا.
وبالطبع توجد لدينا نقاط ضعف ومشكلات خطيرة، لا بدّ لنا من التغلّب عليها. ونحن نحتاج من أجل ذلك إلى الصبر والعمل. وسيكون من السذاجة للغاية إذا اعتقدنا أنَّه من الممكن خلال سبعة أعوام إصلاح ما تركته ثلاثة عقود من الخراب المنهجي، بينما ما يزال الإرهابيون يحصلون على مساعدات عسكرية ضخمة ومالية ومساعدات أخرى.
لقد طالبتم في مرحلة مبكِّرة جدًا بإسقاط نظام طالبان، من أجل تطبيق حقوق الإنسان الأساسية في أفغانستان، وخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة. كيف تصفون سجل حقوق الإنسان في عهدكم وكيف تغيَّرت الأوضاع بالنسبة للمرأة؟
سبانتا: لقد حقَّقنا في هذا الاتِّجاه - مثلما أشرت آنفًا - خطوات لا يستهان بها. واليوم تبلغ نسبة النساء لدينا في البرلمان ثمانية وعشرين في المائة، كما أنَّ النساء يعملن وزيرات وسفيرات وحاكمات ومحافظات في أفغانستان الجديدة.
وأفغانستان تملك في منطقتنا المشهد الإعلامي الأكثر حرية. وفي بلدي يتم نشر أكثر من أربعمائة صحيفة ودورية، وفي عام 2001 كان لدينا فقط قناة إذاعية واحدة ولم تكن لدينا أي قناة تلفزيونية؛ والآن توجد في بلدنا أكثر من تسع عشرة قناة تلفزيونية، وأكثر من مائة قناة إذاعية. والمشهد الإعلامي مزدهر.
وبطبيعة الحال هناك مقاومة من جانب قوى الماضي ومن جانب الإسلامويين. وتوجد في بعض الأحيان ردود فعل مبالغ فيها. ولا ننسى أنَّ الديمقراطية في أفغانستان حديثة جدًا، ولهذا السبب فإنَّ الاستمرار في عملية نشر الديمقراطية ودعمها تعتبر أمرًا مهمًا.
يريد الرئيس أوباما الآن التفاوض مع حركة طالبان. وكذلك يقول الرئيس حامد كرزاي إنَّه ينبغي على أعضاء حركة طالبان الذين لا يرتبطون بتنظيم القاعدة المشاركة في العملية السياسية. فماذا تفهمون من عبارة "طالبان" وما هو رأيكم في هذا النقاش بصورة عامة؟
سبانتا: لا تعتبر طالبان مجموعة متجانسة، بل تكتّل من مجموعات ذات نوايا وغايات مختلفة. وحركة طالبان الأفغانية وحركة طالبان الباكستانية ومجموعات تنظيم القاعدة والإرهابيون من وسط آسيا، بالإضافة إلى عصابات المخدِّرات، وعصابات اللصوص وعصابات الخطف، إلخ... - جميعهم يقومون بأعمالهم الإجرامية.
الكثير من الأفغان يشكون من سلوك الجنود الغربيين الذي كثيرًا ما يكون مؤذيًا، ومن غطرستهم ومن الشعور بالخوف الذي ينتشر بين المواطنين المدنيين، وقبل كلِّ شيء من عدد الضحايا الكبير من غير المسلحين - فما هي الأخطاء التي يقترفها الغرب في بلدكم؟
سبانتا: لقد كان عدد الضحايا المدنيين في العام الماضي في غاية الخطورة وفي بعض الحالات كان من الممكن أيضًا تفاديه. ونحن لا نتعامل مع أعدائنا على المستوى الأخلاقي نفسه. كما أنَّنا نلتزم للغاية في أثناء تنفيذ عملياتنا العسكرية بالمحافظة على حياة السكان المدنيين ووجودهم.
والإجراء الواقعي الوحيد من أجل الحدِّ من سقوط الضحايا المدنيين هو إشراك الأفغان في جميع مراحل العمليات العسكرية. وما من شكّ في أنَّ الكفاءة في التفاهم بين الثقافات وفهم الخصائص المميِّزة لأفغانستان تعتبر في هذا السياق ذات أهمية خاصة.
من ناحية أخرى تشتكي أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية بشكل متزايد من تدهور الأوضاع في بلدكم ومن عدم الكفاءة وتفشي المحسوبية في الحكومة الأفغانية. وحتى إنَّ وزير الخارجية الأمريكي، هيلاري كلينتون، تحدَّثت عن "دولة مخدِّرات". فكيف تقيِّمون هذه التصريحات؟
سبانتا: أفغانستان بلد يمر بمرحلة انتقالية إلى الدولة الدستورية. ونحن مضطرون إلى إصلاح ما تركته ثلاثة عقود من الغزو والدمار. وهذه العقود الثلاثة من الحرب والدمار لم تمر علينا من دون أن تترك أثرها في بلدنا. وفي أفغانستان يوجد فساد ومحسوبية وانتهاك للقوانين. ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك.
ولكنَّنا نحتاج إلى الوقت والصبر، من أجل القضاء على هذه الأوضاع السيِّئة. وعلاوة على ذلك فأنا أود أن أشير إلى حقيقة أنَّ أفغانستان بلد فقير جدًا. والأموال الخاصة بمساعدات التنمية ترد من الخارج، بيد أنَّنا لا نحصل إلاَّ على عشرين في المائة من هذه الأموال. وسيكون من الصحيح على المستويين السياسي والأخلاقي أن يتم تحميلنا المسؤولية عن عشرين في المائة فقط من هذه الأوضاع السيِّئة؛ والسؤال عن بقية هذه الأموال وإلى أين تذهب وكيف يتم إنفاقها - كلّ هذه الأسئلة تشغلنا.
تشكِّل أفغانستان بالنسبة لإدارة الرئيس باراك أوباما أكثر المسائل إلحاحًا على جدول أعماله الخاص بالسياسة الخارجية. فكيف ينبغي حسب رأيكم أن يكون شكل الإستراتيجية لتهدئة الأوضاع في أفغانستان؟
سبانتا: نحن ندعم إستراتيجية الرئيس أوباما الشاملة من أجل أفغانستان. وهناك عنصران من هذه الإستراتيجية يعتبران حسب وجهة نظرنا على قدر خاص من الأهمية؛ وهما تعزيز عملية إعادة الإعمار وكذلك النظر إلى المشكلة باعتبارها مشكلة إقليمية مع مراعاة دور باكستان باعتبارها جزءًا من المشكلة.
كيف تنظرون إلى مستقبلكم السياسي بعد العشرين من شهر آب/أغسطس 2009؟
سبانتا: عندما كنت طالبًا صغيرًا، كنت أعمل في السياسة. وما من شكّ في أنَّ حياة أي سياسي أفغاني في خطر دائم، ولكن من ناحية أخرى فإنَّ عملي يعني العمل من أجل حياة أفضل يسودها الأمن والسلام - ومن أجل المحافظة على كرامة الإنسان.
وكذلك تحاول قوى الماضي، وليس فقط حركة طالبان، بل كذلك الكثيرون غيرها، محاربة هذا النظام الاجتماعي الجديد في هذا البلد والحدّ من حقوق المواطنين وحرِّياتهم. وهذا هو السبب الذي يجعلني أحدِّد مركز حياتي على أي حال في أفغانستان. وأعتقد أنَّني سوف ألعب دورًا مهمًا في الحياة السياسية الأفغانية - مهما كان عملي. والآن يبلغ عمري خمسة وخمسين عامًا، وأعتقد أنَّ الوقت ما يزال مبكِّرًا من أجل التوقّف عن العمل.
أجرى الحوار لؤي المدهون
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
يعمل الخبير في العلوم السياسية الألماني الأفغاني، الدكتور رانجين دادفار سبانتا منذ عام 2006 وزيرًا لخارجية أفغانستان. وكان يعمل قبل ذلك محاضرا للعلوم السياسية في جامعة العلوم التقنية RWTH في مدينة آخن، وقد عمل مع حزب الخضر على المستوى السياسي المحلي. وفي عام 2004 عيَّنه الرئيس حامد كرزاي مستشًارا لشؤون السياسة الخارجية في وزارته. وفي شهر نيسان/أبريل 2006 أصبح وزيرًا للخارجية؛ حيث أثار تعيينه هذا جدلاً في البرلمان الأفغاني، إذ كان يعتبر بالنسبة للكثيرين معتدلاً جدًا وغربيًا جدًا وقليل التديّن. بينما تم الترحيب دوليًا باختياره في هذا المنصب.
قنطرة
استراتيجية بديلة لأفغانستان:
العراق نموذجا لأفغانستان؟
يرى غيدو شتاينبرغ، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان تحتم على الأوروبيين اتخاذ قرارات مهمة تصب في دعم رؤية أوباما بشأن الصراع في هذا البلد، متسائلا في الوقت ذاته عمّا إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية في العراق يصلح تطبيقها في أفغانستان.
المصوِّرة الإعلامية أورسولا مايسنر:
"أفغانستان - ورد وخشخاش وثلاثون عامًا من الحرب"
تقوم المصوِّرة الإعلامية الألمانية أورسولا مايسنر منذ منتصف الثمانينيات بجولات عبر أفغانستان، حيث رافقت المجاهدين متنكِّرة بزيِّ رجل طيلة أسابيع عبر المناطق الجبلية. وهذه المصوِّرة الألمانية خبيرة بهذا البلد وتجتاز بصورها المظهر الخارجي للحرب الدائرة فيه. بترا تابيلينغ أجرت معها الحوار التالي.
عملية إعادة الإعمار في أفغانستان:
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ (تيمنا بهذا الموقع الكائن بالقرب من مدينة بون) في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا. تقرير مارتين غيرنير.