تعيين أوّل إمام عسكري للجيش الألماني

Soldiers stand in a line. Behind them a view of the German parliament and German flags.
يُقدّر الجيش الألماني وجود نحو 3,000 جندي\ة مسلم\ة في صفوفه. (الصورة: Picture Alliance / C. E. Janßen)

يعتزم الجيش الألماني، مطلع عام 2026، تعيين أول إمام لتقديم الإرشاد والوعظ الديني للجنود المسلمين في صفوفه، وهو مطلب دأبت منظمات إسلامية على طرحه منذ أكثر من عشرين عامًا.

تقرير: أولريكه هومل

يؤدي الجنود في صفوف الجيش الألماني خدمتهم بالمهمات الخارجية في ظلّ ظروف قاسية، تشمل مقتل رفيق السلاح، ومشقة الابتعاد عن الأسرة، والمعاناة من الاكتئاب داخل المعسكر. لذا، حين يمرون بضائقة نفسية تُتاح لهم خدمات دعم ومشورة من قسيس أو حاخام يحمل رتبة عسكرية وفقًا لانتمائهم الديني. 

ولا تتوفر حتى الآن إمكانية تقديم هذه الخدمات من إمام يحمل رتبة عسكرية للجنود المسلمين، تقول نريمان حمّوت، وهي جنديّة مسلمة في الجيش الألماني (البوندسفير): "عندما كنت في أفغانستان عام 2011 وكان والدي مريضًا، كنت أرغب في وجود شخص يساندني ويشجعني"، مضيفة: "صحيح أن رئيسي في العمل وزملائي كانوا إلى جانبي، لكن الأمر يختلف عندما يبحث المرء عن الدعم والسند في إيمانك".

تنحدر السيدة البالغة من العمر 46 عامًا من مدينة هانوفر الألمانية، وقد شاركت بالفعل في عدة مهام خارجية، وعلى مدار أعوام، كرّست جهودها لتلبية احتياجات الجنود من ذوي الأصول المهاجرة. 

والآن، قرر الجيش الألماني إتاحة خدمات الرعاية الروحية والإرشاد الديني للجنود المسلمين، يشرح العقيد تورستن فيبر، رئيس قسم القيادة الداخلية والرعاية الدينية العسكرية في وزارة الدفاع: "مع وجود نحو ثلاثة آلاف جندي وجندية مسلمين لدينا، يهمّنا الاعتراف بالتنوّع وتوفير خدمة رعاية دينية مخصّصة لهم"، ويستند هذا الرقم إلى تقدير، إذ لا يُلزَم الجنود بالإفصاح عن ديانتهم.

Nariman Hammouti standing in front of a tree
نريمان حمّوت، جنديّة مسلمة، تكرّس جهودها لتلبية احتياجات الجنود من ذوي الأصول المهاجرة. (Photo: Ulrike Hummel)

كذلك طالبت المنظمات الإسلامية ومفوّضان برلمانيان لشؤون القوات المسلحة في البرلمان، إيفا هيغل وهانس-بيتر بارتلس، بإدخال الرعاية الدينية من أجل مسلمي القوات المسلحة، وهي رغبة موجودة في أوساط المسلمين بألمانيا منذ أكثر من عشرين عامًا.

ويضمّ الجيش الألماني حاليًا نحو مئة قسيس بروتستانتي وثمانين قسيسًا كاثوليكيًا يعملون في الإرشاد الديني العسكري، ومنذ عام 2021 يتولى أيضًا حاخامات يحملون رتبًا عسكرية رعاية الجنود اليهود؛ إذ يشرف حاليًا تسعة حاخامات على نحو 300 جندي يهودي في صفوف الجيش الألماني.

لا خطط حالية لتوفير أئمة بالمهام الخارجية

يتوقع أن يبدأ المشروع التجريبي للرعاية الدينية للمسلمين في الجيش الألماني مطلع عام 2026، وسيتم توظيف أول أئمة عبر مناقصة عامة وبعقود تقدم خدمات محددة، وفي هذه المرحلة، ستُقدَّم الرعاية الدينية عند الحاجة فقط، وبنظام التعاقد بالساعة، على أن يقتصر تقديم هذه الخدمات داخل ألمانيا.

يقول العقيد فيبر إن عدد الأئمة العسكريين المطلوبين، حتى اللحظة، غير معروف، مضيفًا أن المشروع التجريبي المخطط له سوف يستمر لفترة غير محددة بعد؛ وبالتالي لن تكون للرعاية الدينية للجنود المسلمين صفة مؤسسية كاملة، كما هو الحال مع الرعاية الدينية للجنود المسيحيين واليهود.

ويرتبط الأمر بالإطار القانوني، يوضح العقيد فيبر قائلًا: "في ألمانيا نواجه تحديات لعدم وجود جهة واحدة ممثلة للمسلمين"، ولذلك لا يمكن إبرام عقود حكومية مع جهة واحدة محددة.

غير أن إبرام عقد بين جمهورية ألمانيا الاتحادية وإحدى الطوائف الدينية، على غرار الاتفاقيات المبرمة مع اليهود والكاثوليك والبروتستانت، يُعد شرطًا أساسيًا لإنشاء خدمة رعاية دينية إسلامية مؤسسية كاملة، تسمح بالوصول إلى الثكنات العسكرية، وفقًا للعقيد فيبر، وهو ما يتيح  إمكانية مشاركة الأئمة في المهام الخارجية.

غير أن قانونيين مثل بنديكت بليسكر من مكتب المحاماة "لينز ويولن" في مدينة كولونيا، يرون الأمر على نحو مختلف: "أعتقد أنه يمكن تقديم رعاية دينية ثابتة على أساس تعاقدي، ولا يلزم الأمر، في رأيي، إبرام عقد مع الدولة. إنها بالأحرى مسألة إرادة سياسية، وتمويلية".

ويضيف بليسكر: "من الواضح أيضًا أنه من دون وجود تمويل مناسب ستظلّ كل المحاولات عالقة في مرحلة المشاريع التجريبية، ولن تترسخ رعاية دينية عسكرية للجنود المسلمين".

البريطانيون لديهم جهات تمثّل الهندوس

تنظر نريمان حمّوت بعين الريبة إلى نهج الجيش الألماني المتردد في هذه القضية، رغم فرحتها الأولية بتحوّل موقفهم، وتشير إلى وجود نماذج إيجابية لدى دول أخرى في حلف الناتو، مؤكدة أن ألمانيا تضع "الكثير من الشروط".

وتضيف: "الأمر ممكن؛ البريطانيون لديهم رعاية دينية عسكرية للمسلمين، بل لديهم حتى جهات تمثّل الهندوس، الهولنديون والبلجيكيون والفرنسيون لديهم ذلك أيضًا".

ولا ينبغي إغفال حقيقة أن الجيش الألماني سيحتاج إلى المزيد من الأفراد في المستقبل، إذ بات التهديد أقرب، تعلّق حمّوت على ذلك: "لا يجب تجاهل ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف مسلم يرتدون الزيّ العسكريّ، ولديهم الاستعداد للتضحية بحياتهم من أجل وطنهم".

وتوجد في فرنسا منذ عام 2005 خدمة رعاية دينية للمسلمين في الجيش ذات طابع مؤسسي راسخ، غير أن أول الأئمة العسكريين في الجيش الفرنسي كانوا قد بدأوا الخدمة قبل ذلك؛ فبوصفها قوة استعمارية في شمال إفريقيا، واجهت البلاد في وقت مبكر احتياجات الجنود المسلمين.

ويوضح بليسكر أن "فرنسا دولة علمانية تتحفّظ كثيرًا على إدخال الدين إلى المجال الحكومي، ومع ذلك، نجحت منذ عقود في إنشاء رعاية دينية للمسلمين في الجيش وإضفاء طابع مؤسسي عليها، بطرق عملية للغاية، لأن الأمر بالتأكيد لم يسر بسلاسة".

ويوضح بليسكر أنه عند النظر إلى الدول الأوروبية الأخرى، يمكن ملاحظة أن إنشاء رعاية دينية عسكرية للمسلمين يعتمد دائمًا على عاملين رئيسيين: التعاون والتمويل، ويشير إلى أن دولًا مثل هولندا وبريطانيا العظمى تواجه المشكلة نفسها التي تواجهها ألمانيا: حيث تكافح الدولة لإيجاد شريك للتعاون، في ظلّ غياب جهة إسلامية موحّدة، مضيفًا أن "الوضع متشابه في مختلف أنحاء أوروبا".

ويُعد ترسيخ الرعاية الدينية للجنود المسلمين في فرنسا وبريطانيا من التجارب الأكثر نجاحًا، وقد ساهم في نجاحه، بشكل أساسي، التمويل الضخم، إذ إلى جانب تقديم خدمة الرعاية الدينية للجنود المسيحيين واليهود والمسلمين،  فإن هناك خدمات دينية متعددة في كلا البلدين منذ سنوات.

ويرى بليسكر أن "ذلك قد يكون نموذجًا لألمانيا أيضًا"، ويضيف: "لكن يتطلب ذلك تعديل اتفاقيات الدولة الحالية، وقبل كل شيء توفير تمويل كافٍ. لا أرى حاليًا أيّ أغلبية سياسية تدعم ذلك".

يقول العقيد فيبر إن الجيش الألماني يريد المضي قدمًا خطوة بخطوة، والتركيز على احتياجات الجنود المسلمين، وبعد اكتساب خبرة أولى داخل ألمانيا، يمكن التفكير أيضًا في إيفاد أئمة إلى مهام خارجية، وحتى ذلك الحين، قد يتم التوصل إلى حلّ قانوني لتمكين الأئمة المسلمين من الوصول إلى المنشآت العسكرية في الخارج.

 

ترجمه من الألمانية: أحمد محمد 

قنطرة ©