لماذا لا تتكلم المنظمات الإسلامية بصوت واحد؟
لبت العديد من المنظمات الدعوة التي اقترحها مجلس الإسلام لتأسيس اتحاد كبير مشترك. فإلى جانب المجلس الإسلامي سيشارك المجلس المركزي للمسلمين، واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية، والطائفة الإسلامية في مقاطعة هسن، والشورى في هامبورغ ومقاطعة سكسونيا السفلى إضافة إلى الطائفة الإسلامية في مقاطعة بادن- فورتمبرغ.
وحدة الصوت الإسلامي
كافة هذه المنظمات ترغب في التوصل لأن يكون لها في المستقبل ممثل واحد أمام حكومة ألمانيا الاتحادية. وعلى هذا الصوت أن يمثل المصالح الدينية للمسلمين في السياسة والمجتمع.
علي كيزيلكايا، رئيس المجلس الإسلامي، مقتنع بأن هذا المشروع سيلقى تأييداً من قبل الغالبية المسلمة:
"ان منطلقنا هو تأسيس أو انشاء جماعة دينية"، كما يقول كيزيلكايا. " عدا عن ذلك فإننا لا نسعى لتحقيق أهداف آخرى. ولأن قاعدة هذا المشروع مبنية على القرآن والسنة النبوية والقانون الأساسي لألمانيا (الدستور)، فإننا مستعدون للعمل المشترك مع كل من يقاسمنا هذه القيم. ليس لدينا شك، بأن غالبية كبيرة ستوافق على هذا".
مسألة الشرعية
لكن الواقع يقول إن الربع فقط من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا ينتمون الى المنظمات والاتحادات الاسلامية العديدة ومنظمون فيها. وهذا سيضع مسألة شرعية الاتحاد الجديد على المحك، خاصة وأن الاتحاد المقرب من الدولة التركية ) ديتيب -(DITIB "اتحاد المؤسسة الدينية الاسلامية التركية"، والذي يعتبر أهم المنظمات الكبرى للمسلمين في ألمانيا، ليس جزءاً في هذا العمل الوحدوي.
يعد هذا الأمر مشكلة للحكومة الاتحادية، ذلك لأنها ترغب في أن تجد لها شريكا موثوقاً، يحظى بشرعية قوية، تعتمد عليه عند اتخاذ قرارات في قضايا مختلف عليها، كمسألة تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية. وهذا الموضوع يدركه علي كيزيلكايا:
"في المسائل المتعلقة بدرس الدين، تريد الحكومة الألمانية مفاوضاً أو شريكاً واحداً تتفاوض معه. لكن اذا كنا نحن المسلمين منقسمين في الرأي حول همومنا ومطالبنا، فستواجهنا صعوبات في تحقيق أهدافنا. لكنني رغم كل شيء، لا أجد سبباً، يستدعي أن نكون مختلفين في الرأي."
العضوية الدينية
يطلب من المسلمين هيكلية غير موجودة مطلقاً في العقيدة الاسلامية. وهي تأسيس جمعيات أو اتحادات، تمثل وتعنى بشؤون وهموم المسلمين أمام الدولة والمجتمع. فالإسلام لا يعرف "انتماء عضوي"، كما هو الحال في ألمانيا فيما يتعلق بالانتماء أو العضوية في الكنائس المسيحية.
إضافة لذلك فإن ثلثي المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا هم من أصول تركية. الجزء الأكبر منهم يغلب عليه طابع اسلامي، كالإسلام الذي تمثله وزارة الشؤون الدينية في تركيا. و "ديتيب" هو الذراع المطول لهذه الوزارة في ألمانيا.
"ديتيب" ليس مشاركاً
"ديتيب" يدعي ويطالب بوضوح أنه الأحق في وحدانية تمثيل المسلمين المنحدرين من أصل تركي. ولذلك فهو غير مشارك في هذا الاتحاد الجديد.
"إن أي عمل وحدوي لا يشارك به ديتيب، لن يكتب له النجاح" كما يؤكد بكر ألبوغا، مفوض الحوار لـ "ديتيب" في ألمانيا.
ويضيف: "ديتيب هو الممثل الشرعي الديني الوحيد للمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا. في تركيا توجد دائرة رسمية واحدة تعنى بالشؤون الدينية. كافة الأئمة يتم تعيينهم من قبل رئاسة هذه الدائرة. وهذه الدائرة هي التي تمثل بمفردها الدين في تركيا. ولذلك فإن ديتيب يلتزم بهذا الموقف في ألمانيا وبالتالي فهو الذي يمثل الدين هنا. وهذا ما يريده ديتيب أن يكون واضحاً للجميع."
مراقبة أمن الدولة " حماية الدستور"
لكن هذا ليس السبب الوحيد، الذي يقف عقبة أمام مشاركة ديتيب في هذا المشروع التوحيدي الكبير. فالمجلس الإسلامي المشارك في هذا الاتحاد الجديد، يرتبط بصلة وطيدة مع منظمة "ميلي جوروس"، التي تخضع منذ سنوات لرقابة سلطات حماية الدستور أو "أمن الدولة".
وهذا الأمر ينطبق على "الجماعة الاسلامية في ألمانيا". فعلى الرغم من أن هذه المنظمة غير منصهرة بشكل مباشر في هذا الاتحاد الجديد، الا أن لها تأثير كبير على "المجلس المركزي للمسلمين"، كما يقول هربرت مولر، خبير قضايا التطرف الاسلامي في هيئة حماية الدستور في بادن – فورتمبرغ.
" أنا أعتقد أن المسؤولين عن الاتحاد الجديد يدركون مشكلة، أنهم ربما يجلسون على طاولة واحدة مع أناس لا يناسبونهم"، كما يقول موللر.
"هناك تصريحات مختلفة من مختلف أطراف الطيف الاسلامي حول مسألة وحدانية التمثيل لـ ديتيب، تدل على أن هناك مشاكل وصعوبات داخلية أخرى يستدعي التغلب عليها. إن الخلاف أمر قائم ومبرمج من الأساس."
مغامرة في غاية الصعوبة
أحقية وحدانية التمثيل؟ من الطبيعي أنها مسألة شائكة ومعقدة. وهذا ما يؤكده بكر ألبوغا من ديتيب: " نحن نعرف، أن مسألة تمثيل المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا مسألة في غاية الحساسية. ولكن لأنها تمس المسلمين بشكل مباشر ولأنها قرار هام فيما يخص مستقبل المسلمين في ألمانيا، فإن أي اتحاد يتأسس بشكل متعجل، سيكون هشاً بالتأكيد!"
بكلام آخر: ديتيب لن يعمل على المدى البعيد أيضاً ضمن هذا الاتحاد. بعد عام سيقوم هذا الاتحاد الجديد بعرض نتائج عمله الأولية على الرأي العام. ومن المعتقد أن هذا الأمر سيكون صعباً.
ليس فقط لأن نسبة المسلمين الممثلة فيه ضعيفة جدا قياسا لنسبة المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا فحسب، بل ولأن الإسلام في ألمانيا هو انعكاس واقعي لواقع العالم الإسلامي بمجمله، بما في ذلك الاتجاهات الإسلامية المتنازعة والمتنافسة في تركيا. في المدى المنظور سيكون من الصعوبة بمكان وضع كافة المسلمين في قارب واحد.
فيليز كوكريكول
ترجمة مصطفى السليمان
حقوق الطبع دويتشه فيلّة 2005