نقاش ساخن في واحة مصرية هادئة
مبادرة جديدة وجريئة من نوعها قام بها معهد غوته بالقاهرة بتنظيمه للقاء استغرق ثلاثة أيام ضم ثمانية ألمان ومصريين متخصصين في مجالات اجتماعية مختلفة وذلك في منطقة الواحات البحرية التي تقع في الصحراء على بعد 360 كيلومتر جنوب غرب القاهرة حرصا على توفير أقصى قدر من الهدوء والخصوصية ليتفرغ المشتركون لمناقشة قضايا ساخنة حول نظرة الإسلام للغرب والعكس وليتبادلوا وجهات النظر المختلفة.
وكانت الحوارات تدور في إطارات ثنائية بين كل ألماني ونظيره المصري في مدة زمنية تستغرق من 3 إلى 4 ساعات، ثم يجلس الجميع معا للحوار في بشكل جماعي حول المواضيع المختلفة بحرية كاملة دون أي معطيات مسبقة. كما كانت لديهم فرصة التنزه وتبادل الحجج والمعلومات مما أعطاهم الفرصة ليتعرفوا على بعضهم البعض على مستوى شخصي بعيدا عن مستوى الحوار الرئيسي.
في حلقة النقاش التي أقامها معهد غوته ليعرض المشتركين تجربتهم أمام الجمهور المصري أكدت كاتيا هيرمان خبيرة الوساطة والمتحدثة عن الجانب الألماني أن هذا الحوار كان بمثابة طريق في الصحراء بين مدينتين متباعدتين قطعه الجانبان بهدف تقبل الآخر وفهم عقليته واحترام ثوابته وعقائده لإزالة شبح عدم التفاهم بين الحضارتين. أما المنسق من الطرف العربي فهو الكتور ياسر نصر.
نموذج الدولة العلمانية
كريستيان ترول عالم اللاهوت بكلية سانت جيورجين في فرانكفورت تحدث في لقاء الواحات عن رؤيته للديانة الإسلامية حيث وجد أن المسلمين يقفون غالبا وقفة متشابهة تجاه دينهم على عكس الألمان المختلفون في وجهات النظر حول الديانة المسيحية، إلا انه توصل لاتفاق مع باقي أطراف الحوار على ضرورة تطبيق نموذج الدولة العلمانية التي تعيش فيها الديانات المتعددة والإيديولوجيات المختلفة عن طريق الحوار المحترم والمستمر.
وأشار إلى أهمية هذه المبادرة. فكل فرد من أفراد الحوار انطلق من نفسه للآخر وعاد لنفسه مرة أخرى محملا بمكونات وأفكار جديدة وخاصة أن الرب جعل الحوار طريقة ليتفاهم الإنسان بها معه ومع الآخرين.
جمال سلطان رئيس تحرير مجلة المنار الجديدة الإسلامية أكد على تميز هذا الحوار الحقيقي المباشر الذي حدث دون وسطاء بعيدا عن وسائل الإعلام والكلام المعسول والمؤسسات التي دائما ما تقوم بتنظيم مبادرات رسمية لحوار الحضارات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
ماريون بيرننج مديرة مدرسة ريكس دورفر الابتدائية في برلين أكدت أنها اكتشفت في حواراتها مع المصريين أن هناك أنواع متعددة من الإسلام منها الأوروبي التي تعرفت عليه فى أوربا، الآسيوي التي التقت به فى أفغانستان والعربي الذي تعرفت عليه في مصر ولذلك لابد من وجود حوار بين الإسلام والإسلام وليس بين الإسلام و الغرب فقط.
ودعت إلى أن يقوم من يعرف حقيقة الإسلام بتعليمه لمن لم يحظوا بتعلمه حتى لا تتكرر المحاربة باسمه وأحداث 11 سبتمبر/أيلول. وأشارت إلى أن وضع المرأة فى العالم الإسلامي مازال محيرا بالنسبة لها إلا إنها اتفقت مع أطراف الحوار المصريين على ضرورة دعم المرأة فى العالم الإسلامي لارتباط وضع المرأة بالحضارة والديمقراطية.
لا لاستيراد كل المبادئ الغربية
وتناولت نيفين مطر التربوية ورئيسة قسم التربية السلوكية بأكاديمية حياة الدولية صورة المرأة في المجتمع الإسلامي والغربي حيث اكتشفت خلال لقائها مع الألمان وجود المفاهيم المغلوطة حول مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي وفكرة إجبارها على الزواج مثلا، و قد حاولت تصحيح هذه الصورة ليس عن طريق الكلام كما يحدث في معظم الأحيان ولكن بوجود نموذج للمرأة المسلمة المثقفة التي تشترك في الحوار معهم.
فهناك نماذج للمرأة المتعلمة في كلا المجتمعين و نماذج أخرى للمرأة الجاهلة. كما أشارت لضرورة أن لا يستورد المسلمون كل مبادئ و أنماط الحياة الغربية، فلكل حياة ميزاتها وعيوبها وخاصة أن هناك قيم يمكن أن يتعلمها الغرب أيضا من المسلمين مثل وضع الأسرة في الإسلام فهي نواة و بناء مترابط أما في الغرب هناك تفكك أسري كبير تنتج عنه عدة مشكلات.
تناقض في الديانة الإسلامية
ماركوس ميسلنج المتخصص في علوم اللغة الألمانية والرومانية بجامعة برلين الحرة كان احد المشاركين الذي أثار الجدل. فقد أكد أن رحلته جعلته يدرك أن هناك اختلافات عميقة أيضا بين الألمان وليس فقط بين المسلمين والألمان وذلك من أفضل مميزات هذه التجربة التي أقامت منتدى حواري مفتوح.
وتعرف خلال رحلته على عدة أمور بدت غريبة بالنسبة له مثل وجود آيات في القرآن لا تخضع للتفسير بل يجب الإيمان بها دون فهمها وأن هناك أساسيات إسلامية لا يمكن الحديث حولها ولابد أن يؤمن بها الجميع مما يجعل الذين لا يؤمنون بها يعانون بوصفهم غير مؤمنين أو عليهم أن يتركوا البلد وهذا يتناقض مع قيم الديمقراطية والتعددية التي يقول المسلمون بأن الإسلام يكفلها وينادى بها.
واشترك أيضا هيرمان مونك المتخصص في علم النفس ورئيس مركز شيمجاو في المناقشة وطالب بضرورة التخلص من الأحكام المسبقة وتقصي المعرفة من جديد على أسس أكثر انفتاحا، معترفا بأن الغرب يتخفى أحيانا وراء قناع الرغبة في معرفة الإسلام دون تغيير الصور النمطية في أذهانهم عن المسلمين.
من المصريين الآخرين المشاركين في لقاء الإسلام و الغرب مسعود صبري باحث في علوم الشريعة الإسلامية وشاكر الرفاعي مدرس لغة ألمانية بجامعة الأزهر.
تحدث مسعود صبري عن أن الحوار أثمر عن تقارب إنساني كبير ولذلك فهو يرى أن المعايشة هي أفضل سبيل للمعرفة بين الحضارتين اللذين يحتاجان إلى مشوار طويل، حيث علم من الألمان أن معرفتهم بالإسلام تأتى من مصادر إعلامية مغلوطة أو مسلمين يعيشون بالخارج لا يعبرون بالضرورة عن الإسلام.
معايير مزدوجة و ريموت كنترول
وأكد مسعود صبري في حوار لقنطرة أن هناك خلط وازدواجية في المعايير. ففي الغرب لا يسمح لأحد بتأليف انجيل جديد أما القرآن فإنهم يرون أن تأليفه يصب في نطاق الحرية الشخصية، ويعتقد الألمان، حسب رأي صبري، أن الدين يحرك المسلمين مثل الريموت كنترول ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة بحياتهم وهذا خطأ، فالدين وضع ضوابط عامة للحياة والمعاملات وترك البشر يفكرون ويتصرفون بإرادتهم الحرة على حد قوله.
ومن خلال معايشته الألمان ثلاثة أيام في الواحات البحرية لاحظ أن الناس في الغرب لا يتمتعون بالحرية الكاملة كما يتظاهرون، فإنهم يتهربون من الحديث وإبداء الرأي حول قضايا حساسة مثل الصراع العربي الإسرائيلي وحرب الولايات المتحدة في العراق.
أما شاكر الرفاعي فتحدث عن اختلاف المرجعيات عند المسلمين والغرب في مسألة حقوق الإنسان، فالمرجعية عند المسلمين القرآن والسنة و اجتهاد العلماء أما عند الغرب فأساسها الإنسان والقوانين الوضعية.
وأشار إلى أن انتهاك حقوق الإنسان ليس له أي دوافع إسلامية بدليل إن معظم الانتهاكات تقع ضد مسلمين وأشدها تحدث في بلاد غير إسلامية مثل الحربين العالميتين ولابد لحقوق الإنسان أن تخرج من نطاق كونها البقرة المقدسة للحداثة حيث إنها تعبد بشكل أعمى ولا بد أن توضع تحت التساؤل والفحص.
وبرغم نقاط الخلاف الكثيرة التي واجهها المشتركون الثمانية إلا إنهم اتفقوا على العديد من النقاط في بروتوكول موحد مثل أهمية تفعيل دور المرأة في المجتمع وأهمية الاستثمار في الترجمة، وضرورة التصدي لحملات التبشير الذي يقوم بها المسيحيون لاستغلال حاجة المسلمين من الفقر والمرض واتفقوا أيضا على أن الحجاب فرض الهي و لكن لابد للفتاة المسلمة أن تقتنع بإرادتها الحرة في ارتدائه.
فكرة جيدة و لكن خيالية
أما الجمهور الحاضر فعبر بعضه عن أهمية هذه المبادرة التي تعد حوارا حقيقيا صادقا بعيد عن الرسميات وموائد مفاوضات بل معايشة بين الطرفين دون أي قيود على الكلام ولأن الأطراف المشاركة في الحوار جاءت من أنماط مختلفة من المجتمع على عكس الشكل التقليدي للحوار.
إلا أن آخرين من الحضور اعترض على المبادرة برغم فكرتها الجيدة ووصفوها باليوتوبيا لأن التفاهم وتحطيم الحواجز خلال ثلاثة أيام فقط بين المسلمين وممثلين عن الغرب مستحيل، واعترضوا على عدم توثيق و تسجيل هذه الحوارات.
ورد المنظمون من معهد غوته أن عدم توثيق اللقاء كان بهدف إتاحة الجو الحر والشخصي الكامل للأفراد ليقولون كل ما يريدون دون أي رقابة.
بقلم نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2005