الهوية الإسلامية دمية في أيدي الجماعات الإرهابية
يعيش مسلمو بريطانيا لحظة حاسمة. لم تكن مسألة انتمائهم في أي وقت من الأوقات تشكل حرجاً مثل يومنا هذا. يجب علينا نحن المسلمين أن نعتبر أنفسنا جزءاً من المجتمع البريطاني ونكون قادرين على مواجهة هؤلاء الذين يريدون تدميره. ولكن ما الذي يجب أن يحدث لتحقيق ذلك؟
تكمن الحاجة الأساسية في قياس المشكلة وميزانها. وهذا يبدأ في المسجد الذي كان منذ قرون نواة للتعليم الإسلامي. يلقي أئمة المساجد هذه الأيام خطباً بعيدة عن الواقع، بلغة أصبحت غريبة لمستمعين أكثرهم يتكلم اللغة الإنكليزية. فلا عجب أن يبحث الشباب المسلم في بريطانيا في مكان آخر عن أجوبة لأسئلة تصارعهم عن الحداثة والهوية والانتماء والدين التي يفشل الأئمة في إدراكها.
أصبح التحدي لهوية قابلة للحياة للمسلم البريطاني معقداً، بعد أن هيمنت المصالح السياسية على الخطاب العام، وبذلك همشت الجدل الأخلاقي والمعنوي. إن صرخات الكتاب الهواة الذين ينادون ويؤيدون خضوع الفرد للدولة وهم ليسوا على دراية بالشريعة الإسلامية والدين قد أكمدت الأصوات المنخفضة الصادقة للعلماء المسلمين.
أعطى عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر دفعاً قوياً لهؤلاء الخطباء الانتهازيين في صفوف الشباب المسلم الذين يرون صرخاتهم اللاهثة اللامبالية كجرأة في مواجهة إدارة بوش وحكومة بلير.
إنهم بإعطاء أنفسهم الحق بتصنيف من هو "مسلم حقيقي" ومن لا، فهم يسطحون بذلك تعقيدات ودقائق العلوم الإسلامية إلى أشياء بسيطة ذات رؤية عالمية أحادية البعد لا تحتاج إلى الجمال والتنوع والتلوين.
يقلص هؤلاء العلماء الذين نصّبوا أنفسهم بأنفسهم الإسلام إلى مذهب عقائدي يتم الدفاع عنه من قبل المتعصبين الذين يدافعون عن الشرف والنزاهة اللذين يتعرضان للهوان في كل مكان. الغضب الشديد لهذا الإسلام العشائري تجاه أعدائه لا يميز بين هذا وذاك، فهو بذلك يعكس تعصب هؤلاء المسيحيين الأصوليين الذين يعتبرون ما يحدث حرباً دينية يدّعي فيها كل طرف أن الله إلى جانبه.
الخط الفاصل
أضفى الألم والغضب المتأصلين في العالم الإسلامي بصبغتهما على مسلمي الغرب الذين يرون بشكل متزايد "الحرب على الإرهاب" بمثابة حرب ضد الإسلام. إذ يتملك الشباب المسلم شعور بالعجز والذنب بسبب عدم قدرتهم على مساعدة إخوانهم المسلمين لمواجهة انتهاكات "القوى الصهيونية" و"الأمريكان الصليبين". تحت تأثير نظريات مؤامرة الهجوم على الإسلام وأشرطة الفيديو الجهادية، يجدون أنفسهم مندفعون – حتى تحت تأثير غسل الدماغ – إلى مشاطرة النظرية القائلة إن الإسلام محاصر.
إن حدة غضب المسلمين ملموسة في عدة مدن إنكليزية – برمنغهام وشرق لندن وبرادفورد. تفاقمت "الحرب على الإرهاب" لتزيد من تعصب المسلمين للقضية الفلسطينية المثارة على الدوام، والتي يعود تاريخها كما هو معروف لما قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر.
وأصبح ذلك جلياً في جدال حضرته في كانون الأول/ديسمبر من عام 2001 حيث أثار أحدهم موضوع العمليات الانتحارية. وقال وقتها أنه يجد صعوبة في تفهم لماذا يشجب العلماء المسلمون التقليديون هذا العمل. هذا الشخص لم يكن أقل من عاصف محمد حنيف الذي فجر نفسه في ملهى ليلي في تل أبيب ليصحب ثلاثة معه إلى الموت ويجرح خمسين آخرين.
ووصفه الذين يعرفونه في غرب لندن بأنه هادىء ولطيف وإنسان يساعد عائلته، نفس الصفات التي أطلقت على منفذي تفجيرات لندن في السابع من تموز/يوليو. في حالة عاصف فقد تم توجيه اهتمامه بفلسطين توجيهاً مميتاً، على غرار ما حصل مع منفذي تفجيرات لندن حيث الغضب مما يجري في العراق وأفغانستان دفع بهم إلى هذه النهاية المدمرة.
عندما كانت تنشأ مثل هذه النزعات التطرفية داخل صفوف المسلمين في الماضي، كان العلماء المسلمون أول من يقوم بإدانتها ونبذها من التيار الإسلامي. وذلك لأن هؤلاء العلماء كانوا مهتمين بالأحداث الجارية بالدرجة الأولى، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن البعض سوف يجادلهم ويفرض استنتاجات نيابةً عن المسلمين.
حقيقة التقاليد
على المسلمين الذين يدافعون عن إيمانهم ضد التطرف أن يتوخوا الحذر من شخصيات النخبة – عادة هؤلاء الذين يبررون "الحرب على الإرهاب" واجتياح العراق – الذين على ما يبدو عازمون على إطلاق "إصلاحات إسلامية" بقيادة "مصلحين" و"محدّثين" ممن يعينونهم بأنفسهم. ويكمن الخطر في أن إسلاما "إصلاحيا" و"مُحَدّثا" يسبب نفس الانعزال والابتعاد عن جذور الإيمان الذي يستغله الداعون إلى الكراهية والبغضاء.
تفتقد المطالب ب "إصلاحات إسلامية" إلى نقطة أساسية: بإمكان مهندسي الدمار النجاح في إلحاق الخسائر فقط لأنهم أصلحوا الإسلام وقلصوه إلى رؤية ضيقة دموية متشابكة. أي ضغط آخر سوف يغذي الادعاءات المتطرفة بأن الغرب يريد فقط نسخة من الإسلام "مصدق عليها" تتفق مع مطالب المحافظين الجدد وأركانها.
ولكن التقاليد الإسلامية وقيمها – العفو والشفقة والسلام وحرمة الحياة – بإمكانها أن تتكلم عن نفسها أو بالأحرى يجب أن تتكلم عن نفسها. لذلك فإن المسلمين بحاجة إلى عملية إعادة تثقيف أكثر منه للإصلاح. عملية تتم من داخل صفوف المسلمين وتعمل على جميع مستويات المجتمع المسلم.
هذا بدوره يتطلب قيادة تتأصل جذورها في التعليم التقليدي الذي قوامه الأخلاق والأعراف والذي يرفض التعصب والكراهية التى شكلت ثقافة هوس ديني بين الشباب المسلم في بريطانيا.
إذا كان حس الانتماء تتم تنشئته، فإن عنصر القيادة هو المفتاح. إن هناك حاجة إلى قادة مسلمين قادرين على الوصول إلى العديد من الشباب المنحرف – في عصر "الحرب على الإرهاب" وحتى بشكل متزايد بعد السابع من تموز/يوليو- الذين يرون أن كونهم بريطانيون ومسلمون لا ينسجمان.
هناك حاجة ماسة لأئمة مولودون في بريطانيا يفهمون تعقيدات وتحديات "العيش كمسلم" في مجتمع بريطاني علماني. عليهم العمل سوياً لتحديد اتجاه موحد للجالية المسلمة. يجب التركيز في الخطب على المواطنة وحقوق الآخرين والتآلف الاجتماعي. هذا إسلام حقيقي وتقليدي على حد سواء. إنه الأمل الحقيقي لهؤلاء الشباب الضائعين، الذين سوف يقعون في حالة أخرى فريسة في شرك العنف والتطرف الذين يبعدان عن الإسلام بُعد الحب عن الكراهية.
بقلم أفتاب مالك
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2005
قنطرة
تفجيرات لندن:
العراق أم "غضب الإسلام"؟
يعتبر الكثير من المعلقين اعتداءات لندن الإرهابية تسوية حساب لدخول بريطانيا الحرب ضد العراق. ويقول البعض إن بريطانيا أصبحت هدفاً للغضب الإسلامي، ويحملون بلير المسؤولية. بقلم سامي زُبيده
الإسلام والإرهاب
علماء الدين والتقاعس عن مواجهة الإرهاب
رُوع العالم في الفترة الأخيرة بهجمات إرهابية، تمت تحت شعار الإسلام. ماهو دور علماء الدين للحد من هذه الظاهرة؟ يجيب عن هذا السؤال ثلاثة من رجال الدين المسلمين: الدكتور طه أبو كريشة، نائب رئيس جامعة الأزهر والدكتور محمد شحرور، مفكر إسلامي معروف وأستاذ بجامعة دمشق والدكتور الهادي الصباح، إمام مسجد مدينة باساو بألمانيا
الشباب المسلم والتطرف:
العنف الإسلاموي يصبح "صرعة" العصر
تشير الاعتداءات في لندن إلى تطوّر مقلق: تكوّن ثقافة شبابية متطرفة في أوربا تشكل بيئة مثالية لتجنيد انتحاريين شباب. أستريد كايزلَر أجرت الحوار التالي مع كريستوفَر دازه، أستاذ السياسة الدولية في جامعة ميونيخ.