حصاد مرّ للحزب الحاكم وقفزة تاريخية للمعارضة
هناك فوز في الانتخابات، مريح بالنسبة للبعض لكنه يمثّل للآخرين هزيمة مهينة. صحيح أنَّ ائتلاف الجبهة الوطنية الحاكم في ماليزيا والذي تعوّد على تحقيق النجاح، هذا الائتلاف الذي يمسك بزمام الحكم منذ استقلال ماليزيا في عام 1957 ومن دون انقطاع، قد فاز في الانتخابات التي أجريت يوم السبت الماضي وسيشكّل كذلك الحكومة القادمة. إلاَّ أنَّه خسر بشكل مفاجئ وبوضوح وللمرة الثانية بعد خسارته في عام 1969 أغلبية الثلثين التي تتيح له حكم البلاد من دون قيد.
إنَّ حال الفائزين إذن كحال الخاسرين. نشرت صحيفة "ذا ستار" المقرّبة من الحكومة مقالة بعنوان: "تسونامي سياسي"، كما تحدثت صحف أخرى عن "صدمة" و"ثورة" - على الأرجح أنَّ المفهوم الذي يصف نتائج الانتخابات على أحسن وجه هو "الانتقال من عهد إلى آخر".
أحرزت الجبهة الوطنية وعلى الرغم من سيطرتها على وسائل الإعلام وعلى الرغم من إمكانياتها المالية التي لا تفنى تقريبًا 139 مقعدًا فقط من مقاعد البرلمان البالغ عددها 222 مقعدًا. أي أنَّها خسرت 59 مقعدًا من المقاعد التي أحرزتها في الانتخابات التي أجريت قبل أربعة أعوام. زد على ذلك أنَّها لن تحكم في المستقبل إلاَّ في ثمانة أقاليم اتحادية من بين ثلاثة عشرة إقليمًا، في حين كان عدد الأقاليم التي سيطرت عليها حتى ذلك إثنا عشر إقليمًا. حيث فقد بعض شخصياتها ووزرائها البارزين مقاعدهم في البرلمان.
خيبة أمل الأقليات
استفادت المعارضة - التي تشكّل ائتلافًا متفككًا يتكوّن من ثلاثة أحزاب مختلة وحتى إنَّها متناقضة إيديولوجيًا - من الاتجاه المناوئ للوضع السياسي القائم، إذ إنَّها لم تتوقّع حتى في أشجع تنبؤاتها إحراز مثل هذا العدد من المقاعد البرلمانية. لقد حالفها الحظ لأنَّ خيبة أمل الأقليات الكبيرة قد ازدادت مؤخرًا وبشكل واضح في هذه الدولة متعددة الشعوب. فالصينيون الذين يشكّلون ربع المواطنين والهنود الذين تبلغ نسبتهم نحو عشرة في المائة من الماليزيين يشعرون بأنَّهم معرّضون لظلم منظّم من قبل الأكثرية الملايوية التي تبلغ نسبتها 55 في المائة، وذلك من خلال سيطرتها على الحياة السياسية. وبالإضافة إلى ذلك فهم يشتكون من التمييز العنصري.
بالإضافة إلى ذلك فإن ّالمعارضة قد استفادت من كون بعض الفضائح الجديدة أظهرت الأوساط الحاكمة في صورة أكثر كآبة - هذه الأوساط التي لديها تقليديًا استعداد كبير جدًا لممارسة الفساد. يعمل الاستياء من هذه الأوضاع على توحيد هذه الأقليات الثلاث، مثلما توحّدهم حالة السخط على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة الذي حدث في الأشهر الماضية. فرئيس الوزراء الماليزي، عبد الله بدوي الذي كان مشهورًا إبّان توليه منصبه في عام 2003 بلقب "Mr. Nice Guy" (السيد الشاب الظريف) وذلك بسبب أسلوبه الرقيق الهادئ، صار يعرف الآن بلقب "Mr. Price Hike" أي ما يعني "سيد ارتفاع الأسعار".
نتائج كارثية لرئيس الوزراء
عتبر نتيجة الانتخابات بالنسبة لرئيس الوزراء، عبد الله بدوي البالغ من العمر 68 عامًا والذي يعتبر ابن رجل دين مسلم أصله من جزيرة بينانغ، أسوأ نتيجة أحرزها ائتلافه كما أنَّها تشكّل له انهيارًا شخصي. لا يفكّر بدوي بالتنحي عن السلطة، لكن على الأرجح أنَّه لن يستطيع التمسّك بالسلطة لفترة طويلة. فقد تعرّض بدوي قبل الانتخابات لانتقاد داخل حزبه؛ حزب منظمة الملايو المتحدة الوطنية UMNO، الذي يسيطر على الحكومة الائتلافية.
وجّه بعضهم النقد له بوصفه بليدًا خاملاً ومتقلبًا، بالإضافة إلى أنَّه غير قادر على إجراء إصلاحات بما يكفي من الحزم والإصرار. وجّهت له أشد الانتقادات من قبل سلفه الشهير مهاتير محمد، الذي حكم ماليزيا في الفترة من عام 1981 حتى عام 2003 حكمًا مطلقًا وحوّلها إلى دولة حديثة في جنوب شرق آسيا تعدّ من بين دول النمور الآسيوية بسبب تحقيقيها نجاحا اقتصاديا هائلا.
مهاتير محمد الغائب الحاضر
لقد كان مهاتير محمد في السابق مرشدًا لعبد الله بدوي. أما الآن فصار يهاجمه في كلّ مناسبة ويدعو بإلحاح إلى إجراء تغيير سريع في قيادة الحزب والحكومة. فمن المفترض أن يتولى القيادة من بعد بدوي، نائبه نجيب عبد الرزاق الذي يشغل منصب وزير الدفاع. وطبيعته السياسية تشابه طبيعة مهاتير محمد. كما يوصف بميِّزاته القيادية، بالإضافة إلى أنَّه من أسرة سياسية معروفة.
لكن على الرغم من ذلك يتم اتّهام نجيب عبد الرزاق واتّهام المقربين إليه بالتورّط في قضية غامضة تتعلّق بجريمة اغتيال وحشية راحت ضحيتها عارضة أزياء منغولية؛ من المفترض أن يكون مستشاره الخاص متورّطًا في هذه القضية. قتلت هذه الشابة في عام 2006، بيد أنَّ القضاء يتمهّل كثيرًا في الكشف عن ملابسات القضية.
لا شكّ في أنَّ نجيب عبد الرزاق يقوم بتمزيق وحدة الأمّة. إذ إنَّه كثيرًا ما يحرّض ضدّ الأقليات ومعتنقي الأديان الأخرى. ففي العام الماضي تسبب بإحداث موجة اضطرابات واسعة، وذلك من خلال إعادته ذكر مبدأ من مبادئ مهاتير محمد؛ فقد قال إنَّ ماليزيا دولة مسلمة لأنَّ أغلبية سكّانها يدينون بالإسلام. شكّل تصريحه هذا إهانةً لكلّ الهندوس والمسيحيين والبوذيين. يعتبر نجيب عبد الرازق رمزًا للسياسة العنصرية القوموية الملايوية، التي شكّلت الآن أحد الأسباب التي أدّت إلى خسارة المتشددين.
النص أسفل الصورة: رئيس الوزراء الماليزي عبد الله بدوي (في الوسط) يرد في العاصمة كوالا لمبور بعد خسارة ائتلافه الحكومي في الانتخابات البرلمانية على الأصوات المطالبة بتنحيه.
أوليفر مايلر
ترجمة: رائد الباش
© زود دويتشه تسايتونغ 2008
قنطرة
حوار مع ناشطين إسلاميين من ماليزيا:
"نظام الدولة الإسلامي يؤدّي وظيفته"
شجّعت ماليزيا في الإعوام الماضية أسلمةالمجتمع. وهو أمر أدى الى نقاشات كثيرة حول العلاقة مع الأديان العديدة الأخرى الموجودة في هذا البلد. ناشطان ماليزيان مسلمان يتحدثان في الحوار التالي عن الديمقراطية وأسلمة المجتمع.
تقييم:
التركة الصعبة لعهد مهاتير
تعتبر ماليزيا نموذجا نادرا لمزيج ناجح بين الإسلام والتطور. ويعود فضل ذلك إلى رئيس الوزراء السابق مهاتير بن محمد. شارلوتي فيدمان تقيم إنجازات هذا السياسي في مجال التعايش بين الاديان والإثنيات المختلف.
الإسلام السياسي في ماليزيا وأندونيسيا:
إزدياد التطَرف
يلاحظ خلال السنوات الماضية حضور متزايد للإسلام الوهابيِ والسلفي في جنوب شرق آسيا، مناطق اشتهرت دوما بقدرتها على مزج الإسلام بالتقاليدِ والممارساتِ المحليّةِ. تقرير كتبه الباحث بالاداس غوشال.