الأفغان يقهرون إرهاب طالبان
بحكم السير السلمي نسبياً للانتخابات الرئاسية 2014 في أفغانستان يتم تقييمها عموماً كانتخابات ناجحة نجاحاً كبيراً. إذ كانت توجد، في مرحلة التحضير لعملية الاقتراع، أسباب أكثر من كافية تدعو للقلق: ففي الأسابيع الأخيرة وقعت في عموم البلاد هجمات عديدة، تم تبنيها من قبل حركة طالبان المتطرِّفة. ولم يسلم من أعمال العنف هذه مركز العاصمة كابول أيضًا، الذي يعدّ منطقة آمنة. فقد تمت مهاجمة أهداف كثير من بينها الكثير من مراكز الاقتراع، بالإضافة إلى هجوم استهدف فندقًا فخمًا، كان ينزل فيه العديد من الرعايا الأجانب.
ولكن هذا لم يكن كافيًا؛ فقد وجَّه المتطرِّفون العديد من الدعوات إلى المواطنين لحملهم على مقاطعة الانتخابات. إذ أعلن المتحدِّث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد، في بيان رسمي: "لا يهم مَنْ ستنتخبون، لأنَّكم سنتنخبون العدو". وتم نصح المواطنين بتجنّب جميع مراكز الاقتراع على نطاق واسع. ولكن على ما يبدو لم تسر خطة طالبان مثلما كان يرجى منها. فحتى قبل الانتخابات لم يدع الكثيرون من المواطنين الأفغان هذه التهديدات ترهبهم.
وبحسب معلومات اللجنة الانتخابية المستقلة (IEC)، فقد بلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 58 في المئة. كذلك تم الإثناء خاصة على إدلاء العديد من النساء بأصواتهن. وتسبب الإقبال الشديد في بعض مراكز الاقتراع بخلق مشكلات في بعض المراكز الانتخابية، حيث نفذت بطاقات الاقتراع في العديد من المحافظات. ولهذا السبب لم يتمكَّن الكثيرون من التصويت. وفي الوقت نفسه اضطرت مراكز اقتراع أخرى إلى ترك أبوابها مفتوحة لفترة أطول.
انتخابات في ظلّ أعمال عنف متفرِّقة
ووفقًا لمعلومات وزارة الدفاع الأفغانية فقد بلغ عدد الهجمات التي وقعت في يوم الانتخابات في جميع أنحاء البلاد 690 هجومًا. ومن المفترض أنَّ 165 متمرّدًا قد قتلوا في هذه الهجمات. ولكن لا يمكن التحقّق من مصداقية هذه التصريحات. وفي نهاية يوم الانتخابات تحدَّثت وسائل الإعلام الأفغانية مثل وكالة أنباء باجهوك المعروفة عن وقوع 140 هجومًا وقتل 89 مقاتلاً من طالبان. اعتمدت وكالة الأنباء هذه على مصادر وزارة الدفاع أيضًا. ومع ذلك لم تقع في الحقيقة هجمات ضخمة ذات أعداد كبيرة من الضحايا.
في الوقت نفسه كانت التغطية الإعلامية من جانب حركة طالبان مختلفة تمام الاختلاف. فقد تحدَّث المتطرّفون عبر موقع تويتر عن أكثر من ألف هجوم، من المفترض أنَّها قد وقعت في جميع أنحاء البلاد. وبالإضافة إلى ذلك ذكروا أنَّ غالبية مراكز الاقتراع قد أغلقت أبوابها.
أدلة على تزوير في الانتخابات
ولكن على الرغم من ذلك فقد وقعت بعض المخالفات. ففي عدد من المحافظات يقول الشهود إنَّهم شاهدوا قيام بعض الأشخاص بالتصويت أكثر من مرة. وفي الوقت نفسه لقد سارت الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات بحسب رغبة أمراء الحرب المحليين. وكذلك لم يجد بعض الناخبين بطاقات انتخابية ولذلك لم يمتكَّنوا من الإدلاء بأصواتهم.
كما تم استغلال هذا الوضع من قبل البعض، وذلك من خلال بيعهم بطاقاتهم الانتخابية وبأسعار باهظة لأشخاص آخرين. وأمَّا الجيش الوطني الأفغاني، الذي كثيرًا ما يتم مدحه وقد كانت مهمته توفير الأمن، فقد ظهر في بعض المناطق بصور سلبية. ومن المفترض أنَّه أعاق الصحفيين في التغطية الإعلامية وأخل في عملية الاقتراع.
لا يمكن توقّع الإعلان عن نتائج أكيدة بعد أسابيع. وحتى ذلك الحين لا يزال هناك خوف من تزوير نتائج الانتخابات مثلما حدث ذلك في عام 2009. وفي تلك الانتخابات تم اتِّهام حامد كرزاي بارتكاب عمليات تزوير ضخمة في الانتخابات. وفي انتخابات هذا العام سجَّلت لجنة الانتخابات في يوم الانتخابات الأوَّل أكثر من 160 شكوى بسبب وقوع مخالفات.
لم تكن الحملة الانتخابية نزيهة على الإطلاق: فقبل بضعة أيَّام من الاقتراع وصلت اللجنة الانتخابية إلى نتيجة مفادها أنَّ العديد من المرشَّحين استخدموا خلال حملتهم الانتخابية بعض الأساليب غير الشريفة. فقد تم اتِّهام المرشَّح زلماي رسول بإجبار الناس أثناء بدء حملته الانتخابية في ولاية قندهار على حضور مهرجانه الانتخابي. ونتيجة لذلك تم إجباره على دفع غرامة مالية تبلغ 1200 يورو.
ثلاثة خيارات ومناورات كرزاي السياسية
منذ البداية توقَّع الخبراء والمراقبون خوض منافسة مباشرة بين ثلاثة مرشَّحين. من بين هؤلاء المرشَّحين زلماي رسول، الذي ينتمي إلى البشتون، وقد عاش فترة طويلة في المنفى مع آخر ملوك أفغانستان، محمد ظاهر، وتولى في حكومة كرزاي منصب وزير الخارجية.
يتقدَّم الانتخابات بحسب الاستطلاعات مرشح بشتوني آخر هو أشرف غاني أحمد زاي. لقد عاش هو الآخر فترة طويلة في الخارج، وكان يعمل في الولايات المتَّحدة الأمريكية كأستاذ جامعي بالإضافة إلى عمله في البنك الدولي. وتولى في عهد حامد كرزاي منصب وزارة المالية. زد على ذلك أنَّ مجلة التايم الأمريكية المشهورة تعتبره من أهم المفكِّرين المعاصرين.
والمرشَّح الأخير هو عبد الله عبد الله، الذي سبق له خوض الانتخابات الرئاسية عام 2009 ضد كرزاي. وفي السابق كان يعدّ عبد الله من الرفاق الأكثر ولاءً لأمير الحرب الطاجيكي وزعيم التحالف الشمالي، أحمد شاه مسعود. وبناءً على هذه الحقيقة فهو يتمتَّع قبل كلّ شيء بدعم المواطنين الطاجيك في البلاد.
وجميع هؤلاء المرشحين الثلاثة أعلنوا قبل الانتخابات عن تبنيهم التوقيع على معاهدة الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتَّحدة الأمريكية. على الأرجح أنَّ هذه الحقيقة تعتبر قبل كلّ شيء من دواعي سرور الرئيس حامد كرزاي. وبحسب رأي الخبير السياسي والصحفي الأفغاني المعروف، أحمد وحيد مژده، فإنَّ كرزاي يدرك أنَّ هذه المعاهدة تضر أفغانستان أكثر مما تنفعها. وفي هذا الصدد يقول مژده: "سيلاحظ مَنْ ينظر إلى هذه المعاهدة عن كثب أنَّها تشبه المعاهدات الاستعمارية. وكرزاي يعرف ذلك كما أنَّه يريد تطهير اسمه من لقب "الدمية".
وحتى أنَّ هذا الخبير السياسي يذهب إلى أبعد من ذلك ويدَّعي أنَّ استراتيجية كرزاي تهدف إلى جعله في يوم ما بطلًا قوميًا يحتفل به الأفغان. يقول مژده متوقعًا: "لا يهم مَنْ سيأتي بعد كرزاي، لأنَّ الوضع في البلاد سيستمر في التدهور". وهكذا لا يبقى علينا سوى الانتظار لنرى إن كان هذا سيحدث على أرض الواقع. ولكن في البداية يجب علينا ترقّب نتيجة الانتخابات لمعرفة مَنْ سيحصل على غالبية أصوات الناخبين.
عمران فيروز
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014