الحدّاد الذي أعجبت أشعاره طالبان

"لقد تعبت من أعباء حياتي
تعبت من ذنوبي المتراكمة
تعبت من الرحلة التي لا نهاية لطريقها
ناولني يدك التي أمدّ لها يدي"
كان الجمهور يصغي بإنصات وذهول كلما ألقى مطيع الله تراب هذه الأبياتً، فعلى مدار العقد الأخير، كان تراب أحد أشهر شعراء أفغانستان، رغم أنه كان يكتب بلغة بسيطة ومباشرة، وبلهجة بشتونية قاسية تنتمي إلى جنوب شرق البلاد، لا يفهمها الكثير من الأفغان.
لكن ذلك لم ينتقص من شعبيته شيئًا، إذ يعبّر تراب، العامل البسيط المنحدر من أسرة فقيرة في شرق أفغانستان ذي الغالبية البشتونية، عما يشعر به غالبية الناس، وكان صوته يصل إلى الجميع: الفقراء والأغنياء، والمتدينين والعلمانيين، والإسلاميين والقوميين.
تتمتع أفغانستان بتاريخ طويل مع الشعر، فقد أنجبت شعراء مثل رابعة بلخي (القرن العاشر)، وجلال الدين الرومي (القرن الثالث عشر)، وأحمد شاه دراني (القرن الثامن عشر) الذي يُعتبر مؤسس الدولة الأفغانية الحديثة.

بحث عن جوهر الحياة في شعر جلال الدين الرومي
لم تفقد أبيات شعر جلال الدين الرومي شيئا من عمقها وقوتها التغييرية حتى بعد مرور سبعة قرون ونصف القرن على وفاته. الصحفي الألماني ماريان بريمَر يستحضر ذكراه لموقع قنطرة.
ورغم أن البلاد متعددة اللغات، فقد ظلّ الشعر يُكتب في الغالب باللغة الفارسية؛ حتى الزعماء البشتون، مثل دراني والمفكر القومي عبد الحي حبيبي، فضّلوا الكتابة بالفارسية على البشتو، نتيجة التداخل الثقافي واللغوي في البلاد.
فقد نشأ كثير من الأفغان وهم يتحدثون لغتين أو ثلاث، مثل دوست محمد خان (القرن التاسع عشر)، أحد الملوك الذين حاربوا البريطانيين، الذي كان يتحدث الفارسية والبشتو والتركمانية، لغة والدته التي تنتمي إلى الأقلية التركمانية، أما آخر ملوك أفغانستان، محمد ظاهر شاه (1914–2007)، كان يجيد الفارسية أكثر من لغته البشتونية، ولم ير ضرورة للكتابة بلغة غير لغة جلال الدين الرومي.
من النقد إلى التصفيق
مع تعاقب الحقب السياسية في البلاد، ظلّ الشعر حاضرًا في خطابات مختلف التيارات السياسية، فقد استخدم الشيوعيون الأفغان الشعر لنشر الخطاب القومي ومناهضة الاستعمار، بينما كتب المجاهدون الإسلاميون عن كفاحهم ضد السوفييت والجيش الأحمر.
أما طالبان، فكتبوا قصائد عن الشهادة، والضربات الجوية الأمريكية، وعن معاناتهم في معتقلي قاعدة باغرام في أفغانستان، وغوانتانامو الأمريكية، ومن غير المستغرب أن نجد لمطيع الله تراب معجبين في كل هذه المعسكرات.
وكان تراب، الذي انتقد الجميع دون استثناء – من النظام مرورًا بالمجاهدين إلى طالبان – بسبب فسادهم وسفكهم للدماء، يُستقبل باحترام من كل الأطراف، ودعاه الرئيس الأسبق حامد كرزاي (2001–2014) عدة مرات لإلقاء الشعر في القصر الرئاسي، وكان تراب لا يتردد في انتقاده علنًا على المنصة، وينال بعد ذلك تصفيقًا حارًا مع كل بيت شعر يلقيه.
كان ذلك مفارقة لم يفهمها في البداية، وتكرر الأمر لاحقًا تحت حكم طالبان، فرغم انتقاداته الصريحة لهم، التي سبقت عودتهم إلى السلطة في 2021، لم يُعتقل تراب، بل قوبل بالاحترام.
شاعر من نار الحديد
لم ترق هذه المفارقة لبعض المثقفين في المهجر، واتهموا تراب بالتقرب من طالبان، لكن إعجاب طالبان به ربما لم يكن فقط بسبب مضمون شعره، بل أيضًا لطريقته في الإلقاء، ولغته القريبة من الناس، وشخصيته البسيطة، فبالنسبة لكثيرين، كان تراب رجلًا تقيًّا صادقًا، يقول ما يشعر به الناس ويعبّر عن آلامهم.
كان لصوته وقع خاص أشبه بصوت مطرقة الحديد، وربما كان هذا يعود إلى عمله الحقيقي كحداد في مدينة خوست شرقي البلاد، إذ كان بالكاد يعرف القراءة والكتابة آنذاك، لكنه حفظ قصائده عن ظهر قلب، أما دواوينه، فقد جمعها وكتبها آخرون نيابة عنه.
وهو ما جعل كثيرين يرون أن كلماته خرجت من القلب، الذي منحها وقعًا شديدًا ومؤثرًا، لا سيما في هذه المرحلة من تاريخ أفغانستان.
كان تراب بلحيته الكثيفة وقبعته التقليدية (الباكول) قريبًا في هيئته ومكانته الاجتماعية من الطبقة التي ينتمي إليها غالبية مقاتلي طالبان، وأنصت هؤلاء إليه أكثر مما ينصتون إلى الفنانين "المتمدنين" المدعومين من الغرب، الذين غادر كثير منهم البلاد مع أول فرصة.
تلك هي إحدى حقائق أفغانستان التي لا تُناقش كثيرًا، لكنها تلعب دورًا حاسمًا في مستقبل البلاد.
ترجمه من الألمانية: محمد مجدي
قنطرة ©