"إعادة الإعمار العادلة تبدأ بالاستماع إلى الناس"

قنطرة: ما هي "سيربانيزم"؟ وما رؤيتها لإعادة إعمار سوريا؟
إدوار حنّا: نور وأنا مهندسان معماريان من دمشق. غادرنا سوريا بين عامي 2013 و2014، ودرسنا التصميم الحضري والعمليات التشاركية في أوروبا. خلال دراستنا لاحظنا فجوة حقيقية في النقاشات حول التصميم الحضري في سوريا، ورغبنا في تغيير ذلك. لهذا السبب أسسنا "سيربانيزم".
الخطوة الأولى لتعزيز العمليات التشاركية في بلدٍ قمع فيه النظام أيّ مساحة للمشاركة هي نشر المعلومات، لهذا بدأنا بحملات توعية لتحليل القوانين العقارية الجائرة، وعمليات إعادة الإعمار التي تم تنفيذها في ظلّ حكم الأسد.
تؤمن "سيربانيزم" بأنّ المدن مُلك لأهلها، وأنّ الناس بحاجة إلى منصات تمكنهم من المشاركة في تصميم بيئاتهم العمرانية. كما نرى أن دور المعماريين لا يقتصر على تصميم المباني والشوارع والبنية التحتية، بل يمتد إلى ترجمة احتياجات وتطلعات السكان لمدنهم وأحيائهم إلى خطوات عملية، بما في ذلك الضغط على صناع القرار.
نحن ندرك أنّ عملية إعادة الإعمار والتعافي في البلدان التي مرّت بالصراعات يجب أن تكون متعددة التخصصات، وتشمل جميع الفئات من المحامين والاقتصاديين إلى النشطاء والمجموعات الأكثر ضعفًا. يجب على الجميع أن يكون جزءًا من هذه العملية وأن يساهم فيها.
نور الحرستاني: "سيربانيزم" هو شغفنا منذ ثماني سنوات، ولطالما حملنا هذه الرؤية، لكن بصراحة، لم أكن أتخيل أننا سنتمكن يومًا من العودة إلى سوريا، والبدء في تحقيق ما تحدثنا عنه لسنوات.

لقد كنتما في دمشق منذ يناير \ كانون الثاني الماضي، بعد أن قضيتما العقد الماضي في أوروبا، ما هي انطباعاتكما الأولى عن سوريا بعد الأسد؟
نور: كانت العودة مغامرة كبيرة، من بين الأشياء الأولى التي قمنا بها هي زيارة العديد من مناطق المدينة التي عملنا عليها مثل حي القابون، وجوبر، ومخيم اليرموك، وحي التضامن. لقد عملنا لسنوات على توثيق ورسم خرائط الدمار في هذه المناطق، ولكن أن نقف هناك ونشهد حجم الدمار كان أمرًا لا يصدق. كان شعورًا ساحقًا.
إدوار: ما كان لافتًا بالنسبة لي أيضًا هي الطريقة التي تغيرت بها دمشق، ليس فقط من حيث البيئة المادية والعمرانية، ولكن أيضًا من حيث كيفية استخدام المساحات بشكل مختلف.
فجأة لم تعد هناك حواجز تفتيش، مما يعني أنه يمكنك التنقل عبر المدينة بسرعة أكبر بكثير مما كان عليه الحال في السابق. أصبحت المدينة تبدو أصغر بمجرد إزالة العقبات أمام الحركة التي فرضها النظام. يمكنك المرور بجانب مبنى تابع لقوات الأمن دون الشعور بعدم الارتياح، ويمكننا التقاط الصور في أيّ مكان، وهو ما كان محظورًا في السابق.
وأخيرًا؛ الناس. هناك تعطش هائل للحوار. هناك فعاليات ونقاشات يومية تنظمها المجتمعات المحلية أو مجموعات العمل المدني. هذا أمر لم نحلم به قط في دمشق.

ماذا ناقشتما في أول فعالية عامة عُقدت لكما بدمشق في 10 يناير \ كانون الثاني؟
إدوار: قبل الفعالية، حددنا ثلاث أولويات أساسية لـ "سيربانيزم" اليوم: حقوق السكن، والمشاركة، والمساءلة والعدالة.
كان من المهم بالنسبة لنا، كأشخاص قضوا السنوات العشر الماضية خارج سوريا، ألا نأتي إلى دمشق لنخبر الناس بما يجب فعله. لذلك دعونا مجموعة من الخبراء من داخل سوريا ليكونوا في صدارة النقاش، من بينهم محامون متخصصون في حقوق السكن والأراضي والممتلكات، ومخططون، واقتصاديون، ومحامون دستوريون، وخبراء في التراث.
لطالما كان التركيز على حقوق الملكية جزءًا أساسيًا من عمل "سيربانيزم"، خاصة فيما يتعلق بالتحديات التي يواجهها سكان التجمعات العشوائية "غير الرسمية" في سوريا، الذين غالبًا ما يفتقرون إلى وسائل توثيق ملكية منازلهم، ما هي التحديات الرئيسية الآن؟
إدوار: يعود عدد كبير من اللاجئين إلى سوريا ليجدوا مدنهم وبلداتهم وأحياءهم مدمرة دون وجود أيّ آلية للتعويض.
يتعين علينا أن نعطي الأولوية للسكن باعتباره حقًّا وحاجةً أساسية. والسؤال الجوهري هنا هو: كيف يمكننا إدراج هذا المطلب في النقاشات حول الدستور الجديد؟ هذا هو الحوار الدائر حاليًا.
نور: فيما يتعلق بتقنين الملكية "غير الرسمية" نحن حاليًا في منطقة رمادية. لا يوجد لدينا دستور، ومعظم الناس لا يعرفون بالضبط أيّ أساس قانوني يجب أن يستندوا إليه لإثبات حقوق الملكية. علينا الانتظار لنرى كيف ستتعامل الإدارة الجديدة مع هذا الأمر.
تم تدمير ثلث قطاع الإسكان في المدن السورية الكبرى، والصور لا تصدق. من الضروري أن نطور إطارًا قانونيًا لحقوق الملكية، وفي الوقت ذاته يجب أن نعمل على مشاريع إسكان إيوائية.
الأهم من ذلك كله يجب أن نطالب بالمشاركة العامة، ونتجنب مشاريع التنمية التي لا تستجيب لاحتياجات الناس، وندافع عن إعادة إعمار عادلة يكون فيها الناس في صميم هذه العملية. فلا يمكن أن تكون هناك إعادة إعمار عادلة دون أن يكون للناس صوت في كل قرار.
لقد أشرتما في السابق إلى مشروع "ماروتا سيتي"، وهو مشروع تطوير حضري يتم تنفيذه في دمشق على أنقاض تجمع عشوائي تم إخلاؤه باعتباره مثالًا على إعادة الإعمار غير العادلة، ما هو وضع المشروع حاليًا؟
نور: تخضع الآن "ماروتا سيتي" للنقاش مجددًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العديد من الأشخاص قد فقدوا حقوقهم في الملكية بسبب عمليات الإخلاء. آمل أن نرى الآن تعويضًا لأولئك الذين فقدوا منازلهم.
لا نعرف بالضبط ما هي خطط الإدارة الجديدة فيما يتعلق بالبيئة العمرانية، لكن الشعور السائد في المجتمع المحيط بي هو أنهم لا يريدون تكرار نموذج "ماروتا سيتي" أو نموذج "سوليدير" في بيروت، وعلينا كمختصين أن نبذل جهدًا أكبر لتجنب هذه الأخطاء.
يريد السوريون سكنًا ميسور التكلفة، وإعادة بناء أحيائهم القديمة، ربما بهندسة معمارية حديثة، ولكن بطريقة تحافظ على بنية مجتمعاتهم.
لقد عملتما على قضايا إعادة الإعمار من خارج سوريا، والآن أنتم على تواصل وثيق بمن بقي في البلاد، كيف كان هذا التبادل في وجهات النظر؟
إدوار: نحاول سدّ هذه الفجوة، لأن هناك انقسامات بين الشتات وأولئك الذين بقوا وعانوا تحت حكم النظام خلال العقد الماضي.
أعتقد أنه فيما يخص إعادة الإعمار؛ هناك ميل لدى من كانوا في الخارج للتركيز أكثر على أمور مثل العملية الدستورية، بينما يركز من بقوا في سوريا على الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والطعام. في رأيي من المهم معالجة هذه الاحتياجات الأساسية في أسرع وقت ممكن، ولكن ليس بالضرورة قبل الحديث عن إعادة الإعمار؛ بل أعتقد أنهما عمليتان متوازيتان.
في فعاليتنا، تعمدنا إشراك مجموعة متنوعة من الأفراد والمنظمات التي تعمل داخل سوريا وخارجها من خبراء في مختلف المناطق الجغرافية. كانت هذه هي الرسالة: كل شخص لديه دور.
على الأقل داخليًا؛ كنا دائمًا مدركين لهذه الفروقات. في عام 2020 أسسنا شبكة الشباب السوريين للتخطيط الحضري (YSUN)، حيث دعونا معماريين ومخططين حضريين سوريين سواء من داخل سوريا أو من الشتات في أوروبا، وروسيا، وإفريقيا، والولايات المتحدة. كان النقاش حول كيفية سدّ الفجوة بين السوريين في الداخل والسوريين في الشتات، حاضرًا بقوة.
نور: بسبب نزوح السوريين خلال السنوات الـ14 الماضية؛ نشهد اليوم واقعًا جديدًا يتشكل من روايات متعددة. لدى الناس تجارب واحتياجات مختلفة تمامًا.
ما لاحظناه في فعاليتنا هي القدرة، أو بالأحرى الإمكانيات الهائلة، التي نمتلكها لتبادل هذه الرؤى. هذا التنوع في وجهات النظر يضيف الكثير للنقاش. أعتقد أن جميع التجارب التي راكمها السوريون خلال السنوات الـ14 الماضية ستكون رصيدًا ضخمًا لنا في المستقبل.

متحدون لا متجانسون
يستخدم أنصار الأسد مصطلح العلمانية لتشويه الثورة، وفي المقابل يسعى المعارضون لإعادة تعريفه. فيما تجادل الكاتبة ليلى الشامي، في مقالها بأن المجتمع العلماني أفضل من يمثل النسيج الاجتماعي المتنوع في سوريا.
بالنسبة لكما شخصيًا؛ هل غيّرت تجربة وجودكما الفعلي في البلاد الطريقة التي تفكرون بها في إعادة الإعمار في سوريا؟
نور: إن تجربة الاتصال المباشر مع الناس في سوريا قد غيرت بالتأكيد وجهة نظرنا. هذا أمر أساسي وقد جعل عملنا أكثر ارتباطًا بالمجتمع.
إدوار: بالضبط، كنا على تواصل مع العديد من الأشخاص في سوريا لسنوات، لكننا كنا قادرين على العمل معهم بأسلوب "غير معلن". كان البعض يستخدم أسماء مستعارة لإخفاء هويتهم، وفي مكالمات الفيديو كانوا يتركون الكاميرات مغلقة. أما الآن، فلم يعد الناس يخشون أن يكونوا مرتبطين بنا، ويمكننا إجراء نقاش مفتوح بلا خطوط حمراء.
نور: نحن لا نتحدث فقط إلى معماريين آخرين، بل إلى جميع أنواع الناس من مجالات مختلفة، لأنّ هذا هو السبيل لتحفيز عملية إعادة الإعمار.
تاريخيًا، كان التواصل بين التخصصات في سوريا محدودًا للغاية. والآن نحتاج إلى دعوة الجميع على طاولة واحدة. بدأت هذه العملية في العقد الماضي عندما تم تأسيس جميع هذه الشبكات في الشتات، والآن يحدث هذا داخل سوريا.
ترجمة: سوزانا نابلسي
قنطرة ©