خطوة نحو إنهاء الاحتلال
شهد العراق انتخابات عديدة في الماضي. غير أنّ نتائجها، وخصوصاً في ظل نظام صدام حسين، كانت معروفة سلفاً وتقترب من نسبة الـ100%، أو كانت تلغى إذا لم تتلاءم وأمزجة رجال السلطة كما هي الحال مع انتخابات عام 1954؛ وبناء عليه فلم يكن أحد ليتفاجأ لو كانت غالبية العراقيين قد أحجمت عن المشاركة في انتخابات أمس.
وعلى عكس الانتخابات التي جرت سابقاً في العراق، فإن انتخابات أمس تمت في ظروف أمنية خطيرة قد تكلف الناخب حياته، عطفاً على أنها لا تشكل ضماناً لتغيير الوضع في العراق.
مع ذلك لا يجد المرء بدا من تقديم التهاني للعراقيين الذين تحدوا كل المخاطر وشاركوا في عملية التصويت بنسبة قد تثير حسد بعض الديمقراطيات العريقة.
الفرق الكبير بين البلدان الديموقراطية والعراق هو أن هذا الأخير وحتى بعد اجراء الانتخابات مازال بعيدا عن الديموقراطية. ففي بعض الدول الاوروبية وامريكا الشمالية ينظر للمشاركة في الانتخابات كـ"واجب وطني" مزعج، في حين عكست انتخابات الأحد رغبة المواطن العراقي في المشاركة في صنع القرار السياسي. بالتأكيد هي تشكل أملاً، وأيضاً القناعة أنّ هذا الأمل لن يتحقق دون القيام بفعل شخصي ما.
ينطبق هذا بالدرجة الأولى على الفئات المهمشة إبان الحكم السابق كالشيعة والأكراد. فللمرة الأولى ترى الأغلبية الشيعية أنّ لديها فرصة للمشاركة في العملية السياسية عبر انتخابات حرة. كما أدرك الأكراد قيمة المكاسب التي ستوفرها لهم هذه الانتخابات. فبدون هاتين الشريحتين لا يمكن تقرير مستقبل العراق.
يأتي المتشككون، الآن، ويزعمون أنّ هذه الانتخابات لا قيمة لها لأنّ مشاركة السنة فيها كانت ضعيفة. لكن حتى لو أحجم الكثيرون من السنة عن المشاركة في الانتخابات بسبب الظروف الأمنية، فهل يقلل هذا من شأن الانتخابات عموماً؟ بالتأكيد، لا.
فالسنة لا يمثلون إلا عشرين في المائة من سكان العراق. ومقاطعة بعضهم للانتخابات لا يمكن تفسيره إلا بكون هؤلاء على يقين من أن الامتيازات التي كانت الطائفة السنية تتمتع بها فيما مضى قد ولت ولا يمكن أن تعود عبر هذه الانتخابات. هذا لا يعني أنها لن تستفيد من استقرار البلد، وعلى أية حكومة أن تسعى الى تحقيق هذا الاستقرار الذي سيكلف المزيد من الدماء والمزيد من الضحايا لأن الإرهابيين والمتطرفين مازالوا فاعلين على أرض الواقع.
إن أغلبية الشعب العراقي قالت بوضوح: لا لهؤلاء المتطرفين وحددت بجلاء وظيفة البرلمان المنتخب والحكومة التي ستنبثق عنه.
إن رفض الشعب العراقي للمتطرفين عبر مشاركته القوية في الانتخابات لا يعني بأي حال من الأحوال قبوله بالاحتلال الأمريكي. فهذا الاحتلال لن يزول بين عشية وضحاها. لكن بقدر ما يظهر العراقيون نضجاً سياسياً ويتحلون بروح المسؤولية بقدر ما تقترب نهاية الاحتلال. وكانت الانتخابات خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
بيتر فيليب
ترجمة: أحمد عبيدة
حقوق الطبع إذاعة الدويتشه فيلله