هل يستفيد المواطن السوري من عودة الأسد "للحضن العربي"؟
قبل نحو شهر من انعقاد قمة جامعة الدول العربية في السعودية، تستضيف مدينة جدة الساحلية ( الجمعة 14 نيسان/أبريل 2023) اجتماعاً لدول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة لمصر والعراق والأردن لتبادل وجهات النظر بشأن عودة دمشق إلى الحاضنة العربية، وفي مقدمتها جامعة الدول العربية، بعد أكثر من عقد على عزل سوريا إثر حملة القمع الوحشية التي شنها النظام على الاحتجاجات السلمية.
وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا عام 2012 وقطعت الدول العربية علاقاتها مع دمشق وسحبت سفراءها منها، وقدم عدد منها دعماً للمعارضة المسلحة والمعارضة السياسية. وخلال قمة عربية في العام 2013، شارك وفد من الائتلاف السوري المعارض الاجتماعات في الدوحة بوصفه "ممثلاً" للشعب السوري.
في 2018 برزت أولى مؤشرات الانفتاح العربي على دمشق، مع استئناف العلاقات بين سوريا والإمارات العربية المتحدة، وشكّل الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/ فبراير الماضي نقطة تحوّل لافتة. فقد تلقى الأسد سيل اتصالات من قادة دول عربيّة، حتى أنّ السعودية أرسلت طائرات مساعدات، كانت الأولى من نوعها منذ قطع علاقاتها مع دمشق. كما زار دمشق مسؤولون رفيعو المستوى كوزيري خارجية مصر والأردن. وتوجه الأسد بدوره إلى الإمارات وسلطنة عمان، البلدين العربيين الوحيدين اللذين زارهما الأسد منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.
والأربعاء (12 نيسان/ أبريل 2023) زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد السعودية للمرة الأولى منذ 12 عاماً والتقى نظيره السعودي فيصل بن فرحان.
"مكسب معنوي مؤقت" للنظام
وجاءت زيارة الوزير السوري للسعودية واجتماع جدة في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية كبرى تتغيّر معها الخارطة السياسية في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.
ويعتقد مدير "مركز حرمون للدراسات المعاصرة"، سمير سعيفان، أنّ "التطبيع العربي هو مكسب سياسي معنوي مؤقت للنظام وسيزول مفعوله سريعاً"، مؤكداً في تصريح لـ DW عربية أنه لن يكون هناك أي معونات مادية لدمشق، وهو ما يحتاجه النظام نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية في مناطق سيطرته.
سمير العيطة، رئيس التحرير السابق للنسخة العربية من مجلة "لوموند دبلوماتيك" الفرنسية يرى، من جانبه، أن "خطوة المصالحة العربية مع السلطة السورية خطوة سياسية تصحح قضية قطع العلاقات مع الدولة السورية، التي لم يكن لها معنى". بيد أنه يستدرك ويضيف في تصريحه لـ DW عربية: "تلك الخطوة لا يمكن أن تتطور إلى خطوة اقتصادية أبعد من المساعدات الإنسانية ومن بعض الاستثمارات العقارية دون خطوة سياسية داخلية سورية تؤسس لرفع العقوبات ولو جزئياً على ملفات إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي".
ويعد استقطاب أموال إعادة الإعمار أولوية للنظام السوري اليوم بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج. وفيما يدرك الأسد أن الحصول على أموال المجتمع الدولي صعب خارج تسوية سياسية، يعلق آمالاً ربما على دول الخليج.
ولا شكّ أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفعل الحركة التجارية والاقتصادية في سوريا إلى حدّ ما، لكن عقبات عدة تعوق أي إعمار حقيقي، وبينها، وفق الباحث في الشأن السوري في مركز "سنتشوري انترناشونال" آرون لوند، العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سوريا و"التي ستردع الاستثمارات السعودية والإماراتية". كما "يعد أي استثمار جدّي في سوريا اليوم مغامرة، فالاقتصاد مدمر، ويطغى عليه الفساد إلى حد الفوضى، ويسيطر عليه نظام خطير وعنيف"، على حد تعبيره.
وتفرض الدول العربية أيضاً عقوبات على سوريا تشمل تجميد المبادلات التجارية مع الحكومة السورية وتجميد حسابات الحكومة السورية المصرفية في الدول العربية. ومن المرجح رفع تلك العقوبات في حال عادت دمشق إلى الحضن العربي، لكن تأثير ذلك يبقى محدوداً إذا بقيت البلاد تحت تأثير العقوبات الغربية.
"سعيد بالتطبيع"!
ولا يتوقع الباحث الاقتصادي، سمير العيطة أن "تتحسن الأوضاع المعيشية للسوريين نتيجة الخطوة السياسية، وبالتالي ستعود الضغوط على السلطة من الداخل من أجل انفتاح سياسي".
أمّا رضوان الأطرش، المعارض الذي يعيش في إدلب، فلا يعتقد أن التطبيع سيجلب للسوريين العاديين أي شيء. وقال في تصريح لـ DW إن المسألة "سياسية بحتة"، مشدداً أن "القضاء على الفقر يعتمد على تحقيق حالة من الاستقرار الدائم، بحيث يتحول الدعم إلى مشاريع تقدم خدمات، يمكن أن توفر فرص عمل بدلاً من مجرد التركيز على المساعدات الإنسانية".
ويقول شخص لـ DW، رفض الكشف عن اسمه الحقيقي مخافة أن يتعرض لملاحقة وأذى من النظام كونه يعيش في مناطق سيطرته: "أنا سعيد حقاً بإمكانية التطبيع على الرغم من أني معارض لنظام الأسد"، ويبرر الشاب ذلك بأن التطبيع قد يتيح له إمكانية السفر: "الشيء الوحيد الذي أفكر فيه هو الخروج من البلد لأن لا شيء يسير على ما يرام هنا. ستكون الهجرة أفضل من التجنيد [في الجيش السوري النظامي] حيث سأضطر إلى المساهمة في القتل".
ومما نص عليه البيان الختامي المشترك للقاء الوزيرين السوري والسعودي، أمس الخميس في جدة، "ترحيب البلدين ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية".
ويعمل في السعودية ودول الخليج عدد لا يحصى من السوريين، قد يفوق المليون إنسان ويساعدون ذويهم داخل البلاد عن طريق تحويلاتهم.
ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد، حيث أودى النزاع منذ عام 2011 بحياة نصف مليون شخص، يعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشي البطالة وشح المحروقات وانخفاض قيمة العملة المحلية الذي يشكل دليلاً ملموساً على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي.
ويقول جوليان بارنز-ديسي من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR): "لا يسعنا إلا أن نأمل في نوع من المكاسب في ملف المعتقلين وبعض الميادين الصغيرة التي ستساعد السوريين على البقاء على قيد الحياة، وربما بعض التحسن في مستوى المعيشة والخدمات الأساسية والبنية التحتية".
"اعتبارات" أخرى في الميزان
ويذهب الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جوليان بارنز-ديسي، في حديث مع DW إلى أن إعادة دول عربية لعلاقاتها مع النظام السوري "ليست لمساعدة السوريين ولا على محنتهم، بل لاعتبارات أخرى جيواستراتيجية أو عودة اللاجئين ووقف تدفق الكبتاغون".
ومن طرفه، يرى الباحث في الشأن السوري سام هيلر أن الانفتاح على سوريا يعني أيضاً "المزيد من التعاون الأمني وخصوصاً في مجال مكافحة تهريب المخدرات"، أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة إلى السعودية، خصوصاً لناحية حبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيسي في سوريا والتي تجد سوقاً كبيراً لها في السعودية، وفق تقارير مختلفة. وقد تطرّق بيان مشترك صدر إثر لقاء وزيري الخارجية السعودي والسوري الأربعاء إلى مسألة تهريب المخدرات.
"إلى ماذا يعود اللاجئون؟!"
يجزم الخبير الاقتصادي السوري، سمير سعيفان، أن "النظام لن يقبل بعودة أي سوري لاجئ"، ويعلل وجهة نظره بأنه "رغم علاقات النظام الوثيقة مع لبنان والأردن لم يقبل بعودة اللاجئين رغم إلحاح الدولتين". ويردف الباحث في العديد من مراكز الأبحاث العربية والأجنبية أن النظام يريد أن "يبقي هذا الملف للمساومة ولن يعيدهم دون شرعنته دولياً من جهة، ورفع العقوبات وتقديم مساعدات مادية كبيرة له من جهة أخرى".
ويذهب الباحث الاقتصادي السوري، سمير العيطة، إلى أنه لن تكون هناك أي انعكاسات للتطبيع على المدى القصير فيما يخص عودة اللاجئين من دول الجوار إلى سوريا ويقول: "السوريون الذين يقيمون في سوريا يتضورون جوعاً ويفتقدون للخدمات. إلى ماذا يعود اللاجئون؟ لا أتوقع عودة قبل الانتعاش الاقتصادي وهذا يتطلب التقدم على صعيدي المصالحة السياسية الداخلية ورفع العقوبات".
وتقدر السلطات اللبنانية حالياً وجود أكثر من مليوني سوري، بينما يبلغ عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة نحو 830 ألفاً. ويستضيف الأردن 1.3 مليون لاجئ سوري، أي ما يعادل 12 بالمئة من سكانه، بينما تستضيف تركيا نحو 3.5 مليون سوري على أراضيها.
خالد سلامة/ك. ش/ع.ب