''ذبحتونا'' ـ حملة ضد برجوازية التعليم الجامعي في الأردن
يعاني الأردنيون من ارتفاع تكاليف الدراسة الجامعية ويشكو الطلبة من "تحويل الجامعات الرسمية لجامعات شبه خاصة" نتيجة الارتفاع الرسوم التدريجي للساعات الدراسية ما يجبر الطالب على مجابهة ظروف الحياة الصعبة في مقتبل عمره، كأن يلجأ إلى العمل من أجل المساهمة في تأمين رسوم الساعات أو التأجيل بقصد توفير المال للفصول المقبلة.
ويقول الطالب الجامعي يزن لدويتشه فيله إن المعاناة بالجامعات في الأردن مسألة تبدأ ولا تنتهي فأسس القبول الموحد التي يصفها بالظالمة تقسم المجتمع إلى مواطنين بدرجات إضافة إلى رسوم الساعات المرتفعة، ويضيف أن المعاناة تبدأ في فترة دفع الرسوم وبداية الفصل وبكيفية تأمين الإقساط ويكون خيار الأسرة هو اللجوء إلى الاستدانة وخصوصا إذا كان هنالك أكثر من طالب جامعي في البيت.
"التعليم ليس للأغنياء والاستثناءات فقط"
ويشكو يزن من الظروف الاقتصادية بالنسبة للطالب داخل الجامعة التي تقدم خدماتها "بأسعار أعلى من أسعار السوق المرتفعة أصلا". ويشير إلى أن هذا الوضع اضطره إلى العمل بصورة جزئية مع إحدى شركات القطاع الخاص لتغطية مصاريفه من مواصلات وطعام وغير ذلك. ويطالب يزن بتحديد أسس قبول واضحة في الجامعات الأردنية تسمح لغالبية الطلاب أن يدرسوا برسوم ساعات معتدلة وبان توزع المنح الدراسية الحكومية بعدالة على أبناء البلاد وأن يتم تحديد جزء من الميزانية للتعليم إضافة "إجبار بعض الشركات على تشغيل الطلبة ضمن قانون خاص يحفظ عدم استغلال ظروف الطلاب". ولمجابهة هذا الوضع صعدت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة (ذبحتونا) من احتجاجاتها عبر الاعتصامات رفضاً لتحويل الجامعات الرسمية الأردنية إلى مؤسسات تجارية ربحية وتحت شعارات عديدة من أبرزها "التعليم ليس للأغنياء والاستثناءات فقط"
لكن مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى شتيوي يؤكد في حوار مع دويتشه فيله أن الجامعات الرسمية في أزمة مالية وأن الإقساط التي يدفعها الطلبة لا تعادل سوى 60 إلى 70 في المائة فقط من تكلفة دراستهم في هذه الجامعات كما أن الطلب الاجتماعي في الأردن على التعليم مرتفع جدا، مشيرا إلى أن 85 في المائة من الناجحين في التوجيهي (الثانوية العامة) التحقوا في الجامعات هذا العام. ويرى الدكتور شتيوي أن هذا رقم خيالي وغير موجود في الدول المتقدمة كألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة حيث تتراوح النسبة بين 30 إلى 40 في المائة في الحد الأعلى ويقول "في الأردن أصبح الحصول على شهادة ضرورة اجتماعية سواء اشتغل بها الطالب أم لم يشتغل". ويضيف أن المشكلة "معادلة مجتمعية صعبة " فالكل يريد تدريس أولاده وبناته في الجامعات بغض النظر عن الرغبة والكفاءة وحاجة السوق.
"لا يمكن أن نتوقع من الجامعات أن تدرس مجانا"
ويتساءل موسى شتيوي "عندما يلتحق 85 في المائة من الناجحين في الثانوية العامة بالجامعات فماذا يبقى للمهن والحرف التي لا تحتاج مؤهلات جامعية وتحتاج إلى تدريب من نوع آخر؟ ويشير إلى أن هذه القضية تحتاج إلى إستراتيجية طويلة الأمد ويطالب في الوقت نفسه بضرورة المحافظة على مستوى التعليم في الجامعات الأردنية. ويقول إن مشكلة التعليم في الأردن لا تكمن فقط في المؤسسات التعليمية "فلا يمكن أن نتوقع من الجامعات أن تدرس مجانا". ويتساءل عن دور الأهل والطلبة أنفسهم ويقول " أنا شخصيا عندما درست البكالوريوس في الجامعة الأردنية كنت اعمل واشتغل".
لكن العين السابق (عضو مجلس الأعيان) والأكاديمي محمد خير مامسر الوزير الأردني السابق للرياضة والشباب يرى في حوار مع دويتشه فيله أن عمل الطالب الجامعي قد يساعد لكنه لا يحل مشكلة ارتفاع رسوم الجامعات، ويشير إلى أن مجالات العمل وظروفه غير متوفرة، "فالخريجون لا يجدون عملا".
تحذيرات من "الانفجار الاجتماعي"
ويضيف أن الحل يكمن بتوفير موارد ثابتة لدعم الجامعات ويؤكد رفضه ل"سياسة تحميل المواطن" ويتساءل ماذا يتحمل المواطن؟ فعليه رسوم وضرائب إضافة إلى غلاء الأسعار وتدني مستوى الرواتب. ويقول إن الأسرة مستعدة لأن تبيع ذهبها وتعيش على الكفاف في سبيل تعليم أبنائها. ويشدد مامسر على وجود مفاهيم اجتماعية خاطئة كثقافة العيب ويقول إن المطلوب ليس فقط إصلاح الجامعات وإنما أيضا إصلاح مفاهيم الأسر والقيم الاجتماعية وأن يكون هناك احترام للعمل كما أن هناك حاجة إلى تغيير الحد الأدنى لسلم الرواتب حتى يتحول الطالب إلى المهن والحرف بدلا من إكمال دراسته الجامعية.
ويحذر محمد خير مامسر من "الانفجار الاجتماعي" في ضوء ارتفاع تكلفة التعليم وانخفاض الأجور ووجود البطالة خاصة مع انغلاق سوق العمل في الخارج. للوقوف في وجه ارتفاع الرسوم الجامعية ومتابعة ملف الحريات الطلابية انطلقت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة " ذبحتونا " عام 2007. ومن شعاراتها " لا لبرجوازية التعليم" وتحظى الحملة بدعم شخصيات نقابية وبرلمانية وحزبية في الأردن. ويوجد في الأردن 24 جامعة حكومية وخاصة وحوالي 50 معهدا وكلية. وتميز هذا العام بارتفاع أعداد المقبولين في الجامعات الرسمية بشكل غير مسبوق تجاوز 35 ألف طالب وطالبة. وجراء الظروف الصعبة التي تشهدها بعض الدول العربية باتت الجامعات الأردنية هي الخيار الوحيد لاستقبال الطلبة الأردنيين الدراسيين في تلك الدول كما أن الأردن أصبح الوجهة البديلة لآلاف الطلبة العرب.
محمد العناسوة – عمان
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011