المعرفة بدلاً من البترول
ليست اللغة العربية لغة يتعلمها المرء لإزجاء وقت الفراغ. عندما يجلس عميد جامعة ألمانية للنخبة في ساعات فراغه القليلة ويأخذ في حفظ المفردات العربية لمدة عام، فلا بد أن لديه سبباً وجيهاً لكي يفعل ذلك. بوركهارد رواهوت، الذي شغل سنوات طويلة منصب عميد المعهد التقني العالي لجامعة الراين فستفاليا في آخن، لديه هذا السبب الوجيه. قبل أربعة أشهر أُحيل العميد إلى التقاعد، غير أنه وجد مهمات جديدة في انتظاره: منذ الأول من سبتمبر/ أيلول 2008 أصبح رواهوت رئيس الجامعة الألمانية للكتنولوجيا في مسقط، عاصمة سلطنة عُمان. هذه الجامعة هي أحد فروع معهد آخن التقني.
تقع عُمان في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ويسكنها ثلاثة ملايين نسمة، وهي سلطنة مشهورة بتجارة البخور وبجبالها التي تجذب علماء الجغرافيا من كافة أنحاء العالم. اغتنت السلطنة من خلال البترول – أما فيما يخص التعليم الجامعي فيمكن القول إنها ما زالت أرضاً بكرا.
كان رواهوت يشرف في آخن على ثلاثين ألف طالباً. أما في مسقط فسيصل عدد الطلاب الذين سيشرف على تعليمهم في الجامعة الألمانية في غضون عدة سنوات إلى ألفي طالب. تشغل الجامعة مؤقتاً بنايتين فخمتين على شاطئ بحر العرب. أما خطط بناء جامعة جديدة فما زالت معلقة على الحائط. "نريد أن نبدأ بداية صغيرة"، يقول رواهوت. العُمانيون يتمهلون ويفكرون في الأمر أكثر مما يفعل الجيران.
المستقبل اسمه المعرفة
تشهد الإمارات العربية المطلة على الخليج نشاطاً ضخماً في قطاع البناء. في الأفق تلوح نهاية عصر البترول، لذلك يركز الشيوخ على التعليم لتأمين مستقبل إماراتهم. المادة الخام للغد تدعى المعرفة. يزداد الطلب بصورة خاصة على العلوم الطبيعية والعلوم الاقتصادية والفروع الهندسية والتقنية.
ولأنهم يريدون الوصول إلى نتائج سريعة مع جودة عالية، فإنهم يشترون المعرفة وغالباً من الغرب. والجامعات تأتي بكل سرور، وخاصة من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة. بلدان الخليج في ازدهار، ولذلك تتسابق الجامعات على شغل الأماكن الشاغرة. أصبح التعليم سلعة تصدير. ثم أين يحصل المرء على جامعة بأكلمها مقدمة إليه على طبق من فضة؟
قطر على سبيل المثال شيدت "مدينة تعليمية" ضخمة، وهناك تقدم جامعات أمريكية عديدة برامجها التعليمية. في إمارة أبو ظبي افتتحت جامعة السوربون فرعاً لها، كما أن هناك فرعاً لجامعة نيويورك، أما دبي فتتفاخر بـ"قرية المعرفة" التي بنتها، كما أسس حاكمها الشيخ محمد آل مكتوم مؤسسة لتشجيع البحث العلمي برأس مال عشرة مليارات دولار.
حتى المملكة العربية السعودية، وهي ليست دولة مشهورة بالترحيب بالعلوم، تريد بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا أن تجلب النخبة العلمية الدولية إلى أراضي المملكة. وقد وفرت المملكة من أجل هذا الغرض 12,5 مليار دولار. ومن بين الجامعات المشاركة في هذا المشروع الجامعة التقنية في ميونيخ.
ويرجع الفضل في دعوة جامعة آخن إلى عُمان إلى ميشائيل يانزن، فالأستاذ الجامعي في آخن الذي يدرس تاريخ بناء المدن هو العميد الذي أسس الجامعة الألمانية. كان البروفيسور قد أقام حديقة أثرية في السلطنة، وعبر سنوات استطاع أن يكون شبكة واسعة وثيقة من العلاقات الأكاديمية، وبدونها ما كان فرع جامعة آخن سيعرف طريقه إلى عُمان.
ثقافة تعليمية مغايرة
سيدرس الطلبة هنا علوم المعلوماتية والجغرافيا وتخطيط المدن والإدارة المحلية والسياحة. وتبلغ تكاليف الدارسة في الفصل الواحد زهاء 4000 يورو. ليس الهدف من الجامعة أن تصبح مكاناً لتخريج المعلمين والأساتذة، بل أن تكون في المقام الأول جامعة بحثية. ويأتي تمويل الجامعة وأنشطة التعليم والبحث من مستثمرين عُمانيين فحسب. أما محتوى التدريس فيأتي من آخن. كما يتم تعيين الأساتذة عبر آخن أيضاً.
"الحفاظ على مستوى الجودة الذي وصلنا إليه سيكون أكبر التحديات التي تواجهنا. هناك ثقافة تعليمية مغايرة في هذه البلدان، حيث يهتم الطلاب بحفظ المواد الدراسية عن ظهر قلب. أما نحن فنريد أن نشجع على الإبداع والابتكار والعمل المستقل"، يقول رواهوت.
ولتأمين مستوى الجودة فإن الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي DAAD تشارك بخبرتها في هذا المشروع. ولكي يكون الطلبة الذي سيدرسون في الجامعة على مستوى الدراسة الجامعية، سيدرسون أولاً سنة تمهيدية. مَن لا يجتاز اختبارات السنة التمهيدية، لن يقبل في الجامعة.
غونتر فلوغه، بروفيسور الفيزياء المتقاعد، يدرِّس الرياضيات والفيزياء للطلبة في السنة التمهيدية. بالخارج، أمام النوافذ، يتماوج في وداعة البحر العربي قبل أن يصل الشاطئ، قوارب الصيادين تتأرجح في حرارة الصيف القائظ. في داخل غرفة 313 يضخ المكيف هواء بارداً منعشاً. بالرغم من ذلك فإن الرؤوس يكاد يتصاعد منها الدخان.
على الطاولات المصفوفة في صفين تجلس سبع شابات، معظمهن يرتدين حجاباً، أسود أو أحمر مزين بنقوش تشبه فرو الفهد. أمام كل واحدة جهاز "اللاب توب" وحقيبة اليد. وبجانبهن يجلس شابان.
شيء جديد مستقل
يراجع فلوغه معهم مرة أخرى دروس الفصل الدراسي الفائت قبل الامتحانات التي ستعقد في الأسبوع المقبل. موضوع الدرس: قوانين نيوتن وقوانين فراداي. على الطلبة أن يتوصلوا بأنفسهم إلى المعادلة "هذا هو أفضل طريق لكي تفهموا هذه القوانين"، يقول فلوغه شارحاً، ثم يضيف: "أنتم تريدون أن تحفظوا المعادلة عن ظهر قلب، ثم تستخدمونها. ولكن لا يعنيكم سبب التوصل إلى هذه المعادلة."
طلال يحب الأسلوب الآخر للتدريس. يبلغ طلال من العمر عشرين عاماً، وهو يريد دراسة الجغرافيا، ويتمنى أن يكسب قوته في عُمان. "لا نقوم هنا بنسخ جامعة آخن. الأقسام الدراسية ستكون على قدر الاحتياجات المحلية"، تقول باربارا شتويبله، المديرة الأكاديمية للجامعة الأكاديمية الألمانية في عمان. إن اختيار الموضوعات سيكون متلائماً مع المعطيات المحلية، وكذلك طريقة التدريس. شهادات التخرج وحدها يجب أن تكون على مستوى شهادات جامعة آخن.
"يجب أن تكون الجودة في نفس مستوى آخن"، يقول كريستوف هيلغرس، نائب مدير الجامعة، "أما الطريق الموصل إلى هذا الهدف فهو طريق مختلف." الأمر يحتاج إلى وقت، حتى وإن كان البلد الذي يحكمه السلطان قابوس بن سعيد قد حقق طفرات سريعة وضخمة: في عام 1970 لم يكن في السلطنة سوى ثلاث مدارس ابتدائية تسع لتسعمائة طالب. أما اليوم فهناك ما يزيد عن ألف مدرسة للذكور والإناث، وما يزيد عن سبعة عشر ألفاً من الدارسين في الجامعة، معظمهم من الفتيات.
"لقد تم تحقيق طفرة من الناحية العددية، ولكن فيما يتعلق بالكيف، فما زال هناك ما يجب إنجازه"، تقول شتويبله. لا تواجه هذه المشكلة عُمان فحسب، بل معظم البلدان في العالم العربي.
التعليم: الوضع المزري في العالم العربي
يتضح الوضع المزري للتعليم في العالم العربي من تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة والذي قام بدارسة نوعية المؤسسات التعليمية وعددها في الدول الاثنتين وعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية. نتيجة البحث كانت مُرة، فالعالم العربي لا ينفق سوى 0,2 في المائة من ناتج الدخل القومي على البحث العلمي (تبلغ النسبة في إسرائيل مثلاً 2,3 في المائة وفي ألمانيا 2,5 في المائة). كما أن عدد براءات الاختراع المسجلة ضئيل للغاية، أما نسبة الأمية فهي عالية بدرجة مخيفة.
في الترتيب الدولي لأفضل خمسمائة جامعة لا نجد سوى جامعتين من بين جامعات الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وكلا الجامعتين في تركيا. بالإضافة إلى ذلك تشهد المنطقة العربية ظاهرة ذات عواقب جسيمة، وهي هجرة العقول. من بين كل أربعة يتخرجون في الجامعة يهاجر شخص من وطنه، في الأغلب في اتجاه أوروبا أو الولايات المتحدة.
على كل حال فإن المشكلة أصبحت معروفة، كما بدأت بعض البلدان في اتخاذ إجراءات للحد منها، وخاصة في قطر. هذا البلد صغير للغاية، لا يكاد يتعدى شريطاً من الرمال على حافة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، يبلغ طوله 160 كيلومتراً، وعرضه 80 كيلومتراً. يعيش في قطر زهاء مليون نسمة، من بينهم 800000 من الأجانب، معظمهم من آسيا.
عاصمة قطر، الدوحة، هي واحدة من أكثر بقع الأرض إثارةً للملل – هكذا كتب الدليل السياحي Loneley-Planet ذات مرة، غير أن هذا الزمن ولى وانقضى. لقد أضحت إمارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ساحةً للمؤتمرات الدولية، كما أنها تضم المقر الرئيسي لفضائية الجزيرة، بل إن الإمارة تقدمت بطلب لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية عام 2016.
لا تتوقف رافعات البناء عن الدوران ليلاً ونهاراً في قطر. المال موجود بوفرة، إذ أن هذا البلد الصغير يعوم على آبار بترول ضخمة ويمتلك ثالث أكبر احتياطي للغاز في العالم. ولكن لأن هذه الاحتياطيات ستنفد أيضاً ذات يوم، فإن العائلة الحاكمة تستثمر أموالاً طائلة في التعليم كي تبني اقتصاداً مستقلاً عن البترول والغاز.
دراسة على النمط الأمريكي، حياة على النمط العربي
المشروع الذي يتفاخر به القطريون هو مشروع "المدينة التعليمية" التي شيدها نجوم فن العمارة في العالم. هنا تقدم جامعات أمريكية من الطراز الرفيع برامجها التعليمية: "كارنيغي ميلون" مثلاً تقوم بتدريب خبراء في مجال الكمبيوتر والإدارة واقتصاد، أما "ويل كورنيل ميديكال كولدج" فتخرج أطباء، كلية "تكساس إيه أند إم" تقوم بتدريب المهندسين، وتخرج جامعة جورج تاون الدبلوماسيين.
الشابات والشباب يتعلمون معاً هنا أيضاً، ويدرسون البرامج نفسها التي تُقدم في الولايات المتحدة، ويمرون بالاختبارات ذاتها، ويحصلون على شهادات مماثلة للشهادات الأمريكية. الدراسة على النمط الأمريكي، والحياة على النمط العربي – هذا النمط أصبح هو البديل الأفضل لعديد من الطلاب في المنطقة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001
وينطبق هذا بصورة خاصة على النساء، لأن عائلات كثيرة في البلدان الإسلامية لا تحب إرسال بناتها دون رفيق إلى الخارج. هؤلاء يستفدن على الأكثر من تلك المبادرات التعليمية. القوة المحركة لهذا النشاط التعليمي هي مؤسسة قطر التي أسستها امرأة، ونعني الشيخة موزة، الزوجة الأثيرة إلى قلب الأمير.
عندما يلقى المرء نظرة على مباني الجامعات، يدرك المرء على الفور أن النقود لا تمثل أي عائق هنا. هذا البنايات ستدفع بالدموع إلى عيون الطلبة الألمان الذين يدرسون في جامعات مكتظة متهالكة. قاعات المحاضرات مكسوة بالخشب، المقاعد لها مساند، الطاولات عليها ميكروفونات، كما أنه من الممكن نقل المحاضرات بالفيديو على الهواء من الولايات المتحدة. في الممرات يستطيع الطلاب أن يعملوا على الحواسيب، كما أن الجامعة تضم شركات دولية مثل شركة "شيل" التي تقوم بأعمال تنمية وتوظف الخرجين. غير بعيد عن الجامعة يقبع ملعب الغولف في انتظار الطلاب. لا تزيد رسوم الدراسة عنها في الولايات المتحدة، مثلاً في جامعة تكساس حيث تبلغ 15 ألف دولار في العام. وبالنسبة للقطريين تتولى الدولة تغطية المصاريف.
الشيء المختلف عن الدراسة في الغرب هو الحياة الطلابية. هنا يسكن معظم الطلبة لدى عائلاتهم، يأتون في الصباح إلى الجامعة ويرجعون في المساء إلى المنزل. وفي نهاية الأسبوع يتقابل الطلبة مع الأصدقاء ومع العائلة، ويقومون برحلات.
"طرق التسلية وقضاء أوقات الفراغ تختلف هنا تماماً عنها في الولايات المتحدة"، تقول إحدى الطالبات دون أن يبدو عليها أنها حزينة من أجل ذلك.
من هجرة العقول إلى اكتساب العقول
ما يمكن أن يفتقده المرء في المدينة التعليمية هو: المزيد من الطلاب. كليات العلوم مصممة لتستوعب عدة آلاف من الطلاب، ولكن لا يتردد عليها حتى الآن سوى ألف. والطلبة من المفروض ألا يأتوا من قطر وحسب، بل من المنطقة كلها، ومن العالم بأسره. المأمول هو أن تصبح المدينة محوراً للعلوم. ولكن ما زال الطريق طويلاً حتى يتحقق هذا الهدف. كما لا بد من الانتظار لمعرفة ما إذا كان استيراد التعليم سيأتي بثماره.
في شهر مايو/أيار من هذا العام تم إقامة حفل ضخم بمناسبة تخرج الدفعة الأولى من أربع جامعات، وقد بلغ عدد المتخرجين 122 طالباً وطالبة. من لندن حضرت خصيصاً الأوركسترا الملكية الفلهارمونية، كما دُعي إلى الاحتفال كوكبة من رؤساء الدول والشخصيات الأكاديمية المرموقة وكذلك نخبة من الصحافيين.
راح المتخرجون يتهادون بالروب الجامعي بين برجين من النور، في حين راح الأمير آل ثاني يمتدح الخريجين في خطابه معتبراً إياهم "رواد المجتمع القائم على العلم". نور هي احدى الخريجات، وهي ترتدي بنطلون جينز وتضع أحمر شفاه، كما تضع على رأسها حجاباً أنيقاً. درست نور علم الاقتصاد؛ وهي تقول بلهجة أمريكية لا تشوبها شائبة إنه كان بإمكانها أن تذهب إلى الجامعة في الولايات المتحدة، غير أنها أرادت أن تبقى في قطر من أجل عائلتها. ولذلك أسست مكتب ترجمة في الدوحة. إحدى زميلاتها بدأت حياتها المهنية في مصرف، وهي أيضاً تقول إنها تريد أن تبقى في قطر.
"لا نستطيع إجبار الطلبة على البقاء هنا، ولكن علينا أن نعمل على أن يكون بقاؤهم هو الخيار الأفضل"، يقول فتحي سعود، رئيس مؤسسة قطر. "على المدى البعيد نريد أن نكسب العقول بدلاً من هجرتها."
أرنفريد شينك
ترجمة صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2008
قنطرة
عمل مشترك ما بين جامعتَي عجمان وإِرلانغن:
الدراسة الجامعية والحوار
مدير جامعة إرلانغن بصحبة حاكم عجمان الشيخ حميد بن راشد النعيمي والبرفسور هارتموت بوبتسين أثناء التوقيع على اتفاقية الشراكة. من المنتظر أن يزداد تعاون جامعة فردريك-أَلكساندر في مدينة إرلانغن الألمانية وجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا الإماراتية على مستوى البحث والتعليم بعد التوقيع على اتفاقيتي شراكة وتوأمة بين المؤسستين. تقرير فلوريان فاغنَر.
الأهمية الجيوسياسية لمنطقة الخليج العربي
مستودع طاقة العالم
ازدادت أهمية منطقة الخليج العربي الجيوسياسية خلال السنوات الماضية، لأنها تملك أكبر مخزون احتياطي للنفط والغاز ما يجعل مستقبل إمدادات الطاقة مرهونا بضمان أمنها واستقرارها. الباحث كريستيان كوخ يضع نهضة دول مجلس التعاون الخليجي ومعضلة الأمن فيها تحت المجهر.
إصدار جديد عن أوضاع الشباب في العالم العربي:
لا حضور للشباب في البحوث العلمية!
تلميذة في العراق "القيم المتغيرة بين الشباب: أمثلة من العالم العربي وألمانيا" كتاب حررته كل من سونيا حجازي وايلكه كاشل عن الشباب العربي وصدر الآن بالعربية والإنكليزية. مراجعة كتبتها يوليا غيرلاخ.