مسلسل ''عمر''.....مسلسل الجدل الرمضاني والاستقطاب الجماهيري
رفعت الحلقات الأولى من مسلسل "عمر" المثير للجدل درجة حرارة النقاش الدائر بين أنصار ومعارضي عرضه على التلفزيون الجزائري من الجمهور ورجال الدين والفن، وتحصن كل طرف بحججه ومواقفه المبدئية، فتباينت الآراء حول جواز أو تحريم متابعة المسلسل. فقد عبر بعض شيوخ الدين عن استنكارهم تجسيد صحابة الرسول "المبشرين بالجنة"، فيما شكك البعض في وجود حرج أو مانع شرعي يحول دون عرض المسلسل الذي يستعرض مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي. ويتزعم الفريق الأول أئمة التيار السلفي، حيث يقول عبد المجيد (32 سنة) أحد أتباع هذا التيار "إن التمثيل من الأساس محرم شرعا، إضافة إلى أن تجسيد المبشرين بالجنة أمر غير جائز في الشريعة الإسلامية، وقد سبق لعلماء السعودية وجامع الأزهر الشريف أن حرموا تجسيد الصحابة والأنبياء في أي عمل سينمائي أو درامي، وهو ما تم التأكيد عليه هذه المرة".
ويضيف عبد المجيد لـdw
لقد ثبت بالتجربة أن الدراما والسينما لا تقدم شيئا ذا قيمة للتاريخ الإسلامي، وعلى العكس فإنها تشوهه باختلاق أحداث لا وجود لها في التاريخ تشعل نار الفتنة بين المسلمين وتزيد تفرقهم، ولهذه الأسباب فإن مقاطعة مسلسل عمر واجب شرعي". ولم تخل خطب الجمعة من الإشارة إلى "حرمة" مشاهدة المسلسل وتنبيه جموع المصلين لما يراد للإسلام والمسلمين من وراء "التطاول على شخصيات الإسلام العظيمة"، وأفتى بعض أئمة المساجد بأن متابعة المسلسل "إثم عظيم يوجب التوبة في الحين"، وتساءل أحد أئمة مساجد العاصمة في خطبته مستنكرا "من هو الممثل الذي يجسد شخصية الفاروق وصحابة رسول الله، فجميعهم محل القداسة والتبجيل العظيمين، والازدراء بهم بأي طريقة كانت هو طعن في الدين واستفزاز لمشاعر المسلمين".
لنا مرجعتنا ولهم مرجعيتهم
وفي تبريره لعرض المسلسل ومخالفة فتوى علماء الأزهر والسعودية بمنعه، يقول إلياس بلعربي، مدير الإنتاج بالتلفزيون الحكومي، في تصريحات إعلامية "لدينا في الجزائر مرجعيتنا الدينية الخاصة بنا، ولا نتبع في ذلك الأزهر أو السعودية"، وأضاف" لقد استشرنا وزارة الشؤون الدينية ووافقت على شراء العمل دون أي تحفظ".
ويأمل التلفزيون الجزائري من وراء عرض المسلسل استقطاب أكبر عدد من المشاهدين الجزائريين وتحقيق أعلى نسب المشاهدة خلال شهر رمضان الكريم، في ظل عدم قدرة الإنتاج المحلي من المسلسلات والبرامج، على في إعادة الوصل شبه المفقود بين التلفزيون والمشاهد الجزائري.
حملات ونقاش على الفيسبوك
لم تقنع مبررات التلفزيون الجزائري معارضي المسلسل ولجئوا إلى شبكات التواصل الاجتماعي لعرض وجهات نظرهم ونقل فتاوى العلماء ومبررات تحريم المسلسل، وناشدوا الشباب الجزائري بعدم مشاهدة المسلسل، والالتزام بنص فتوى مشايخ السعودية والأزهر والإمارات العربية المتحدة. تقول مريم الجزائري على صفحة "ضد عرض مسلسل عمر على التلفزيون الجزائري": "لا يوجد أحد في هذا العالم بمنزلة أصحاب رسول الله، وأداء أدوارهم في المسلسل من طرف ممثلين اعتادوا على التمثيل في أفلام الحب والغرام، هو حط من قيمتهم، وبداية لاستباحة المقدس في ديننا".
إلا أن النقاش الحاصل داخل المجموعات المناهضة للمسلسل بدأ يأخذ أبعادا أخرى غير تلك التي أنشئت من أجلها، حيث وبعد الأسبوع الأول من عرض المسلسل تزايد عدد المدافعين عن العمل وفريقه، وجاءت أغلب التعليقات لصالح المسلسل وضد الداعين للمقاطعة، ويرون بأنه عمل جاد ومتقن بحرفية عالية يعرف جيل اليوم بسيرة عظماء الأمة وتاريخها، حيث كتب يوسف والدو يقول "لقد أعاد المسلسل تعريفنا بقيم وخصال المسلم الكثيرة المتجسدة في ثاني الخلفاء الراشدين التي نفتقدها الآن، وتمثيل شخصية عمر لم ينقص من مكانته بل رسخت أكثر حبنا له، واعتزازنا بالرعيل الأول لدولة الإسلام".
ويثمن عبد الحفيظ شرماط (35سنة) جميع الأعمال الدينية التي تزيد من ثقافة ووعي الشباب، وتطلعهم على الموروث الحضاري والتاريخي للدين الإسلامي، الذي يتعرض لكثير من التشويه في السنوات الأخير. ويضيف عبد الحفيظ لـ dw "أنا أرفض الحجر على عقل المشاهد، والمطالبة بوقف العمل خوفا من عدم التمييز بين الواقع والتمثيل، بل يجب التسويق لسماحة الإسلام وتبيان صورته الحقيقية لدى الآخر، التي ساهمت أعمال تلفزيونية وسينمائية في تشويه صورته".
كل ممنوع مرغوب
ويرى الإعلامي مسعود هدنة، بأن مشاهدة المسلسل من عدمه تعتبر مسألة شخصية مرتبطة، ولن تستطيع أي جهة فرض عمل على الجمهور أو تمنعه عليه، "وبما أنه لا يوجد هناك نص ديني واضح يحرم تجسيد هذه الشخصيات فقد اخترت متابعة المسلسل منذ بدايته"، و يضيف هدنة لـ dw " لقد نجح المخرج حاتم علي في محاصرة المسلسل من ناحية الديكور والتصوير فضلا عن السيناريو القوي الذي ضبطه أعلام من الأئمة في العالم الإسلامي، وهذا مؤشر جيد لحد الآن على نجاح العمل الدرامي الذي سيكون له تأثير كبير المشاهد الجزائري الذي يزداد شغفه بحلقات المسلسل يوم بعد آخر"، ويعتبر هدنة أن الفتاوى التي أطلقت لمنع المسلسل "كانت خير دعاية له، والدليل الإقبال الكبير للجمهور الجزائري على مشاهدته، لأن القاعدة الذهبية تقول كل ممنوع مرغوب بالضرورة".
ويدعو هدنة إلى ضرورة الخروج من دائرة التحريم من أجل التحريم إلى دائرة معرفة الغاية من التحريم، ويضيف متسائلا، "هل تمثيل دور عمر يمس بصورة الخليفة الفاروق الحقيقية عند المسلم؟ لا أعتقد هذا، لأن شخصية عمر ورمزيته محفوظة لدى المخيال الشخصي للمسلم بأنه رجل خدم الإسلام وشهد له النبي بذلك، وأنا ازعم أن من يقول عكس هذا يريد "الحجر على الإبداع" ومصادرة تاريخ المسلمين وحصره في الكتب الصفراء القديمة".
توفيق بوقاعدة/الجزائر
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012