إعادة النشاط إلى الثقافة الجزائرية

منذ الحادي عشر من شهر يناير/كانون الثاني الجاري ولمدة سنة ستكون الجزائر عاصمة الثقافة العربية. وقد تم تدشين الحفل الافتتاحي بمسيرة استعراضية للوفود الممثلة للبلدان العربية عبر شوارع العاصمة وبالخطاب الذي ألقاه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. بقلم حميد سكيف

​​منذ يوم الحادي عشر من شهر يناير/كانون الثاني الجاري ولمدة سنة ستكون الجزائر عاصمة الثقافة العربية. وقد تم تدشين الحفل الافتتاحي بمسيرة استعراضية للوفود الممثلة للبلدان العربية عبر شوارع العاصمة الجزارئية وبالخطاب الذي ألقاه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في قصر الأمم الذي يحتضن أغلب اللقاءات الرسمية. بقلم حميد سكيف

أثناء المسيرة الاستعراضية قابل الجمهور الوفد العراقي بهتافات الاحتجاج: "صدام! صدام!" ، وكانت الجزائر قد عبرت عن استيائها الشديد على إثر إعدام الدكتاتور العراقي شنقا يوم عيد الإضحى.
وفي كلمته الافتتاحية عبر رئيس الدولة الجزائري عن تقديره للمثقفين والفنانين الذين وقعوا ضحايا "الرؤية الدينية المتحجرة الضيقة وذات الطابع الاضطغاني."

"إننا نقف في الوقت الحاضر في مفترق طرق، قال الرئيس بوتفليقة، فإما أن نعرف كيف نرد الفعل، وكيف نعيد إبداع محتوى ثقافة عربية قد استعادت حيويتها وتساهم بقيمها الإنسانية وأنوارها في تكوين مجتمع واثق من نفسه وفي تأسيس عالم أكثر تناسقا، أو أننا سنحكم على أنفسنا عن طريق تيهنا الثقافي بأن نصبح فريسة للثقافات المسيطرة التي تفرضها القوى المهيمنة."

التسامح والحوار

أمام جمهور من المثقفين والفنانين المتواجدين بهذه المناسبة جنبا إلى جنب مع الأمين العام للجامعة العربية وثمانية وزراء ثقافة من الوافدين على الجزائر، أكد الرئيس الجزائري على أن الاختلافات الثقافية "لا بد أن تكون داعيا للتسامح ولحوار سلمي بين الأديان والحضارات. وإنه سوف لن يُغفر لنا أن نتغافل عما يحدث من حولنا في عالم تتحد فيه قارات بأكملها وتتغير بواسطة المقدرات الذهنية وروح المبادرة والإبداع."

وقد اعتبر الرئيس الجزائري في كلمته أن "اضمحلال الدولة الراعية" (l’Etat-providence) قد أفقر جماهير المواطنين، بينما تراجع الإديولوجيا والثقافة الرسميتين الذين غذتهما الدولة-الأمة قد تسبب في حرمان الشعوب من ثوابت قيَمية."

كما ذكّر الرئيس بوتفليقة بأن سنة الثقافة العربية بالجزائر جاءت مقترنة بالاحتفال بعيد رأس السنة البربرية التي "تحيي ذكرى صعود الملك البربري (الفرعوني) شيشناق الأول إلى العرش في مصر قبل 2957 سنة" موجها نداءه بهذه المناسبة إلى العرب من أجل أن يجعلوا ثقافتهم مرتبطة بمسائل "الهوية وبالعولمة وبمبدأ الحرية أخيرا كي يتفادوا الأفكار النمطية المتداولة التي تغذي مشاعر الكراهية تجاه كل غريب ومن بينها هذا النوع الجديد من معاداة السامية الذي يتمثل في معاداة الإسلام."

وبعد أن عبر الرئيس عن ضرورة "إعادة إبداع الثقافة العربية بتشجيع التفتق عن مواقف تكون أكثر ملاءمة للخلق ومتحررة من دلالات البدع الكلاسيكية المرادفة للزندقة والإلحاد"، ذكر بالنهاية بأن تثمين الموروث الثقافي التقليدي لا بد أن يكون قائما على منهجية علمية لا على نمط التقريظ المدائحي.

فعاليات متنوعة

وقد خصصت الحكومة الجزائرية ما يعادل الـ55 مليون يورو لتمويل هذه الفعاليات التي يُنتظر أن تقدم نظرة شملة على ثراء الثقافة العربية في مدينة الجزائر العاصمة بصفة أساسية وفي بعض الجهات الأخرى من البلاد.

وقد برمج الساهرون على تنظيم هذه الفعاليات نشر أو إعادة نشر ألف كتاب من بينها ترجمات، وإقامة معارض للكتاب تشمل شتى الاختصاصات، ولقاءات أدبية من ضمنها مهرجان للأدب النسائي العربي.
كما تعهدت وزيرة الثقافة الجزائرية باقتناء ألف نسخة من كل كتاب ينشر بهذه المناسبة من الناشرين الذين رصدت لهم مبالغ سخية لدعم منشوراتهم. وبذلك تجدد الوزارة تقليدا كان قد طواه النسيان منذ حوالي عشرين سنة.

وسيكون للمسرح النسائي أيضا حضوره من بين الـ45 مسرحية التي يتكون منها برنامج العروض الوطنية والعالمية المبرمجة ضمن النشاطات الموازية للندوات التي ستعقد حول المسرح العربي، وفعاليات التكريم التي ستقام على شرف العديد من الأسماء المسرحية العربية الكبرى.

ويعتزم المنظمون إلى جانب ذلك تقديم 77 إنتاجا سنمائيا وعروضا موسيقية، وتنظيم معارض تركز بصفة أساسية على فنّ الخط العربي وعلى المراكز التاريخية لبلاد المغرب العربي والصحراء الكبرى. وأخيرا سيقع إصدار مجلة ثقافية بعنوان "ثقافة" لا ندري كم سيكتب لها أن تستمر، بينما سيكون لممثلي المكتبات الوطنية العربية موعد في الجزائر لمناقشة المشاكل الشائكة التي تعرفها مؤسساتهم.
وسيكون لفلسطين حضور تكريم خاص عن طريق مشاركة كتابها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

وقد عبرت بعض الأصوات بهذه المناسبة عن انتقادها لهذا الإسراف في النفقات معتبرة أنه سيكون من الأجدر لو أن هذه الإمكانيات الكبيرة تُعتمد على نحو تستفيد منه الحياة الثقافية الجزائرية بصفة مستمرة، خاصة وأن البلاد مقبلة على احتضان تظاهرة إفريقية مشابهة مباشرة بعد انتهاء فعاليات سنة الثقافة العربية.

إلا أن المنتقدين يقرّون مع ذلك بأن هذه الفعاليات قد يكون من شأنها أن تعيد النشاط إلى حياة ثقافية تعاني من الوهن الذي أصابتها به سنوات الحرب الأهلية التي عرفتها البلاد. وقد عاب المنافحون عن الثقافة البربرية من جهتهم على السيدة خالدة التومي وزيرة الثقافة الجزائرية نيتها المضمرة في تعريب الجزائر باختيارها لموعد افتتاح فعاليات سنة الثقافة العربية في اليوم الذي يوافق الاحتفال بعيد رأس السنة البربرية.

بقلم حميد سكيف
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

حلب عاصمة الثقافة الإسلامية لعام
"الإسلام لا يعني الإرهاب" - من هذا المنطلق اعتمدت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار كلَّ عام ثلاث عواصم ثقافية في العالم الإسلامي. منى نجار زارت حلب، عاصمة الثقافة الإسلامية العربية وأعدَّت هذا التقرير