نحن بحاجة إلى الدين!
كيف يمكن أن يحل الأمن الدائم بالضواحي الفرنسية التي انتشرت فيها المشاكل الإجتماعية والفقر والتمييز العنصري؟ الحكومة الفرنسية قررت التعاون مع جمعيات إسلامية.هل هذا هو الحل؟ تقرير برنارد شميد.
إن أعمال الشغب المندلعة في الضواحي الفرنسية ما هي إلا عاقبة لتجمع المشاكل الإجتماعية والفقر المدقع في الضواحي الآهلة بسكان فقراء معزولين ينتمون إلى أعراق وديانات مختلفة، أُبعدوا عن وسط المدن.
وأعمال الشغب هذه هي أيضا تعبير عن مرارة النفس الناتجة عن أسلوب الرقابة التعسفية العنصرية التي يقوم بها رجال الشرطة المقيمين في ثكنات في الضواحي، وهم غرباء عن المنطقة وينظرون في الغالب إلى المواطنين المقيمين هناك نظرة شك وريبة. وقد حذرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها نشرته في أبريل/نيسان 2005 من تصعيد الموقف إذا استمرت تلك الممارسات.
وفي الأيام الأولى من إندلاع أعمال الشغب قام عدد من الصحف اليومية وبعض الصحف المنحازة لليمين السياسي بتهييج الأحقاد عندما كتبت عن دور "الإسلام" أو عن الجماعات الإسلاموية المنظمة كمحرك للثائرين خلف الكواليس.
وقد ذكرت الصحيفة اليومية "فرانس سوارFrance Soir " مبكرا أن الإسلامويين المتطرفين وراء تنظيم المعارك في الشوارع ضد رجال الشرطة في "كليشي سو بواClichy-sous-Bois "، وهو المكان الذي اندلعت أعمال العنف.
كما رددت المجلة الإقتصادية اليمينية فالور اكتويل"Valeurs actuelles" – التابعة لصاحب شركات إنتاج الأسلحة سرج داسو "Serge Dassault" - نفس الرأي وكتبت عن "إنتفاضة الضواحي" وأن الإسلامويين لهم نفوذ كبير في الضواحي الفرنسية.
فرضيات خاطئة
وبعد الإطلاع على مستندات الاستجواب البوليسية وملفات المحاكم، أعطت نتائج التحقيق السريع الذي اتخذ ضد المشاركين في أعمال الشغب صورة مغايرة لذلك تماما.
يقول المدعي العام فرانسوا موليهFrancois Molets في "بوبينيBobigny "، عاصمة الضاحية "سين سانت دينيسSeine-Saint Denis " شمال باريس: "إن الشباب يلعبون بالنار حيث يعيشون، وأماكن السكن والأماكن التي قُبض فيها عليهم لا تبعد كثيرا عن بعضها البعض.
إنه لا توجد البته تنظيمات وراء هذا الشغب، وعلى العكس فإن الأحياء السكنية التي تخضع إلى حد ما لجماعات المافيا أو الإسلاميين لا يكاد يوجد فيها حوادث شغب، فهذه الجماعات تقضي عليها بانتظام لأنها لا ترغب في مجيء البوليس إلى هذه الأحياء".
الجمعيات الإسلامية تساعد على إعادة الأمن
وفي نفس الوقت نجد أن هناك جماعات إسلامية - حتى بعض اللآتي لها علاقة قوية بالإسلام السياسي مثل "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" المعروفة عالميا بصلتها الوثيقة بجماعة الإخوان المسلمين – تقوم بدور "دعاة الأمن" في خضم حوادث الشغب.
وقد احتضن وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، الذي يعد في الغالب رجل القمع، هذه الفكرة وأدخلها في استراتيجيته منذ سنين، مما لاقى قبولا لدى الجمعيات الإسلامية وحتى الجمعيات المتشددة والتي لها ميول متطرفة، وهؤلاء تنحصر مطالبهم الرئيسية الأيديولوجية في "التوجيه الأخلاقي" للمجتع، الذي يعتبرونه من المؤهلات المفقودة للمعاشرة الحسنة.
إن هذه الجمعيات تمتاز عن المنظمات المدنية والجمعيات النسوية وجمعيات الأحياء السكنية في أنها لا تطالب أموالا بطريقة مباشرة من الحكومة لتغطية احتياجاتها الإجتماعية على سبيل المثال، ولكنها تطالب بفسح لنفسها المجال للقيام بمحاولات الدعوة.
وقد استطاع وزير الداخلية ساركوزي أن يظهر في صورة من يمثل السياسة "المعتدلة"، لأنه قدم إلى ممثلي الجماعات المهاجرة عروضا للإندماج، وقام في نفس الوقت بالقمع الضروري، حيث يردد دائما شعار "الشدة والصرامة مع العدل".
وفي الأزمة الحالية بعد أحداث "كليشي سو بوا" حث ساركوزي من جديد على تعبئة بعض الجماعات الإسلامية التى كانت تدعوا إلى "إعادة النظام". ومما أدى إلى صعوبة ذلك انفجار قنبلة مسيلة للدموع في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول – بعد ثلاثة أيام من بدء الإضطرابات – وسط مسجد في "كليشي".
وعلى إثرها فزع المصلون هربا من مكان الصلاة المتواجد في أحد المراكز التجارية. هل كان ذلك على سبيل الخطأ كما يدعي قائد النجدة، أم أنها عملية انتقام قام بها بعض رجال الشرطة كما يظن الكثير من المواطنين؟
انتقادات إسلامية
إن الجاليات الإسلامية يزداد استياؤها يوما بعد يوم. والسيد دليل بوبكر إمام الجامع المركزي لباريس ورئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، المعروف عنه بـ"الاعتدال"، قام بسبب ذلك بتوجيه نقد إلى وزير الداخلية.
إلا أن "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا", الذي يمثل الجناح اليميني الرجعي في مجلس تمثيل المسلمين الفرنسيين، قام بانتقاد بوبكر بسبب ممارسته سياسة غير مشروعة. كما أن أسباب هذا الخلاف ترجع إلى أن السيد بوبكر على علاقة شخصية بالرئيس الفرنسي شيراك، في حين أن قيادة "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" قامت في السنوات الأخيرة بالتحالف مع ساركوزي.
وقد قام "الإتحاد" بمكافأة وزير الداخلية بإصدار "فتوى ضد أعمال العنف" في مقابل إعترافه بالاتحاد كمؤسسة لأول مرة في السنوات الماضية. هذه الفتوى نشرت في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، ومذكور فيها الأدلة الدينية "التي تحرم على المسلم التقي الذي يرجو رحمة الله أن يشارك في الأعمال التي تضر بالمنفعة العامة وتعرض حياة الناس للخطر".
وفي "غوزني سو بواRosny-sous-Bois "، إحدى مدن ضواحي باريس الواقعة في "منطقة الشغب سين سانت دينيس" قام أعضاء "جمعية مسلمي غوزي" المنضمة إلى "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" بدوريات ليلية للوقوف دون إحراق السيارات وأعمال النهب.
كما حصل "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" على تأييد عالمي، فعلى سبيل المثال صرح الدكتور يوسف القرضاوي، المصري الأصل وذو علاقة وثيقة بالإخوان المسلمين، موقع "Islamonline.net" من إمارة قطر بعدم جواز الاشتراك في أعمال الشغب والعنف من الناحية الدينية وأنها لا تليق بالمسلم التقي. والقرضاوي فقيه له ثقل عالمي وعضو في "مجلس الفتوى" التابع لـ"اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا".
أما في موقع "Oumma.com" التي أسسها دعاة الإصلاح من المثقفين المسلمون والمثقفين الفرنسيين – الذين اتحدوا قبل عامين إبان الجدل حول منع لبس الحجاب في المدارس الفرنسية - نجد أن موقف "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" تعرض لنقد شديد.
ووجهت الشتائم إلى "الاتحاد" بأنه "شرطي مساعد لساركوزي"، وعلاوة على ذلك فهو يجعل من أعمال الشغب "مسألة خاصة بجماعة فردية" عندما يدعي أن المشتركين في أعمال الشغب هم فقط الشباب المسلم, ويصف الشباب بقوله "أنتم مسلمون حثالة". وبدلا من ذلك فعلى المرء ألا يعتبر "تلك المشاكل الإجتماعية مسألة خاصة بجماعة أو دين" وأن يعتبرها مشاكل خاصة بالمجتمع كله.
بقلم برنارد شميد
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005