الحجاب في ألمانيا
كما هو معروف لكل قصة بداية ولكل ظاهرة تطورات معينة وكي نستطيع فهم السجال المحتدم حالياً في ألمانيا في أوساط الرأي العام وأمام المحاكم لابد من الرجوع إلى بعض التطورات التي لعبت دوراً هاماً في وصول الوضع إلى هذا المآل.
المجتمع الألماني وظاهرة المهاجرين
يحتضن المجتمع الألماني اليوم من خلال المهاجرين الذين يعيشون فيه العديد من الثقافات الأخرى ومن بين هذه الثقافات مايجد صعوبة في التعامل معها بسبب ضآلة معرفته بها. وقد شبت في هذه الأثناء أجيال جديدة من أبناء المهاجرين الذين ينخرطون في شتى صور الحياة التعليمية والمهنية وغيرها. ومع ذلك تبقى صورة الرداء الإسلامي التقليدي تشكل في نظره نوعاً من التحدي ويتم الربط بشكل تلقائي بين المظهر وبين ما يجده دعوة إلى الدين. وهكذا تتوالى الحالات التي يتم فيها رفض مسلمة متحجبة للعمل لدى إحدى الشركات أو في المدارس.
شكوى معلمة مسلمة لم يسمح لها بالتعليم بسبب ارتداء الحجاب
هذه الأيام نعيش قصة الشابة الأفغانية المولد التي رفض طلبها للعمل كمدرسة في إحدى المدارس الرسمية في ولاية بادن فورتمبيرغ. وكانت المحكمة الإدارية الاتحادية قد رفضت الشكوى التي تقدمت بها، معللة ذلك بأن ارتداء الحجاب يخرق حيادية المدارس الرسمية. وجاء في نص الحكم أنه نظراً للحرية الدينيةً لكل تلميذ فله الحق أن لايتعرض من قبل الدولة إلى تأثير دين غريب، والحجاب يمثل رمزاً واضحاً لدين معين حتى وإن كانت مرتديته لاتنوي القيام بأي دعوة إليه.
موقف القضاة والمحامين
حسب رأي نائب رئيس محكمة الدستور الاتحادية فينفريد هاسيمير تتمثل عقدة القضية التي تبت بها المحكمة في كارلسروه في السؤال عن مدى قدرة المجتمع الألماني على تحمل الديانات الغريبة. هانس يورغ ميلشينغر محامي الشابة المسلمة لودين أكد على أن موكلته ستشعر في حال خلع الحجاب بأنها تعرت وسيعتريها الخجل. وأشار المحامي إلى عمل عدة معلمات يرتدين الحجاب في مدارس بعض الولايات الألمانية دون أن يتسبب هذا الأمر في نشوب صراعات، فالتلاميذ اعتادوا على صورة المرأة المحجبة.
الشابة لودين تقول:
"إنني أعتبر ديني جزءاً من شخصيتي" وكانت قد قالت في نص الدعوى التي رفعتها إن منعها من العمل يشكل خرقاً لحقها الأساسي في الحرية الدينية ولكرامتها الإنسانية".
محكمة الدستور الاتحادية عالجت التأثير النفساني لمعلمة متحجبة على التلاميذ وفي هذا الإطار قال عالم نفس الأطفال الأستاذ بيتر ريديسر:
" إذا كانت المعلمة المحجبة ليست ذات تعصب ديني، لايتمخض عن ممارستها التعليم آثار عاطفية وتعليمية سلبية."
لكن المختص في علم النفس من مدينة كيل توماس بليسنر فيقول: " من المحتمل أن يسبب الحجاب انعكاس صراعات خارجية على جو المدرسة".
الخلاف حول الحجاب يشغل القضاء الألماني منذ سنين
في الحقيقة يشغل الخلاف المحتدم حول الحجاب المحاكم الألمانية منذ سنين، والشابة الأفغانية ليست الأولى التي ترفع شكوى قضائية إنما توجه قبلها أيضاً عديدات من المسلمات بدعاوى إلى المحاكم. والخلاف الناشب في ألمانيا حول الحجاب يحير محاكم البلاد. وقضاة محكمة الدستورالاتحادية التي تبت حالياً في قضية الشابة المسلمة مضطرون في هذه الحالة إلى الاستنارة في حيثيات الحكم الذي يتخذونه بقطبين أساسيين:
الحق بالحرية الدينية وواجب الدولة في ضمان الحياد. والمجموعات المعارضة للحجاب وتلك المؤيدة له هي عديدة وشديدة التنوع، وحسب تقديرات الخبراء يوجد في ألمانيا حوالي ثلاثمائة معلمة مسلمة لايرتدي منهن الحجاب سوى عدد قليل، وفي صفوف المدافعات عن حقوق المرأة من يقول إن الحجاب يشكل رمزاً لاستعباد المرأة.
الكنيسة وقضية الصلبان في المدارس
الكنيسة الكاثوليكية تنتظرهي أيضاً بترقب كبير صدور الحكم في هذه القضية، وعندما كان الخلاف قد نشب في بافاريا عام 1995 حول تعليق الصلبان فوق جدران الغرف الدراسية حاججت الكنيسة عندئذ بأن الحرية الدينية تشمل أيضاً إظهار الرموز الدينية في الرأي العام. لكن كما يقول البعض إذا كان ذلك الخلاف يتعلق بتزيين الغرف الدراسية برموز دينية فإن ذلك المتعلق بقضية المعلمة المحجبة يدور حول إعلان ذاتي لمعلمة عن إسلامها.
تعدد القضايا المتعلقة بالحجاب
قضية الحجاب كانت قد شغلت المحاكم الألمانية مرارا من قبل لكن من وجوه مختلفة، ففي القضية التي رفعتها شابة محجبة إلى محكمة العمل الاتحادية في إيرفورت قضى الحكم بأنه يحق لبائعة محجبة بالعمل، وأكد القضاة في الوقت نفسه على أن هذا القرار لايسري إلا على الشركات الخاصة.
وفي مدينة بيركمان في منطقة الرور سرح رئيس البلدية رولاند شيفر في الصيف الماضي مربية أطفال مسلمة محجبة، بتعليل وجوب الحفاظ على الحيادية في رياض الأطفال الرسمية، لكن محكمة العمل المحلية نقضت هذا القرار واستؤنفت القضية أمام محكمة العمل في الولاية وما يزال الكثيرون يترقبون صدور الحكم بكل اهتمام .
قضية عمل المسلمة المحجبة لاتقتصر على ألمانيا
هذا الموضوع يشغل الساسة والمحاكم لا في ألمانيا وحدها بل في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، ففي روسيا قرر وزير الداخلية السماح للمحجبات باستخدام صورهن وهن محجبات في الأوراق والوثائق الرسمية، وفي أواخر الشهر الماضي ناقش البرلمان الفرنسي قضية حظرارتداء الحجاب في المدارس الرسمية، وفي هولندة اقترحت وزارة التعليم خلال الشهر الجاري السماح في المدارس الرسمية فقط بارتداء الحجاب، بينما يفتح المجال لإدارات المدارس المسيحية بحظر ارتداء الحجاب على التلميذات والمعلمات المسلمات.
قضية الحجاب تطرح مسألة تعديل الدستور
بالنسبة إلى الخبير القانوني فينفريد هاسيمير يشكل القرار حول الحجاب في المدارس مناسبة لجعل الدستور يتماشى مع متطلبات الوقت الحاضر وبحيث يتطرق إلى ظاهرة الهجرة وتباين الثقافات، وهو الوضع الذي لم يكن موجوداً في ألمانيا أيام وضع الدستور.
قاضي الدستور بيرتولد سومر يتكلم بشكل أدق قائلاً: الأمر يتعلق بالتوصل إلى نوع من التوازن بين حقوق المعلمات والتلاميذ والأهالي وبين واجب الدولة في ضمان الحيادية.
موقف المجلس الإسلامي الأعلى
خلال المرافعة قال رئيس المجلس الأسلامي المركزي في ألمانيا نديم الياس: "إننا ننتظر توضيحاً لماهية الحجاب. إنه ليس رمزاً ولا وسيلة للدعوة إلى الدين ولا للاستفزاز، إنما هو بكل بساطة أداء للواجب الديني بالنسبة إلى سيدة مسلمة. ومثلما تصلي وتصوم فهي ترتدي الحجاب. ومنع الحجاب في المدرسة يؤدي إلى منع مسلمة، تريد خدمة الدولة، من القيام بهذ العمل ويشكل عزلاً لها ومنعها من العمل، وهذا التصرف ليس في صالح اندماج الكثيرين من المسلمين في المجتمع."
ومثلما يتجلى ويتبين من هذا الأخذ والرد والتفسير والتفنيد تحتاج هذه القضية إلى مديد من الوقت وإلى عمق التفكيرإلى أن تحل بشكل يتم فيه مراعاة كافة أبعاد المشكلة وتتخذ حياة المجتمع المتعدد الثقافات مساراً طبيعياً على شتى أصعدته.
منى صالح، دويتشه فيلله 2003