تاريخ العالم من وجهة نظرة إسلامية
قبل عشرة أعوام تم تكليف المؤرِّخ تميم أنصاري من قبل دار نشر مختصة بتأليف الكتب المدرسية في ولاية تكساس الأمريكية من أجل إعداد كتاب مدرسي جديد حول تاريخ العالم، وذلك بغية تدريسه لتلاميذ المرحلة المتوسطة. واقترحت دار النشر هذه إخراج هذا الكتاب في عشر وحدات، تحتوي كلّ وحدة منها على ثلاثة فصول دراسية. ولكن ما نوعية الأحداث التي تعبِّر عن تاريخ الإنسانية في هذه الفصول الثلاثين؟ وعلى أية حال لقد أصرَّ الناشرون على ألاَّ يحتوي هذا الكتاب على أكثر من فصل واحد عن الإسلام. ولكن هذا المؤلف الذي نشأ في كابول وجد أنَّ تحديد موضوع الإسلام في فصل واحد لا يعطي الإسلام حقه.
ومير تميم أنصاري الذي جاء إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية في سن السادسة عشر بعد حصوله على منحة دراسية لإتمام دراسته الثانوية هناك، لا يعتبر من رجال الدعوة الإسلامية، ولا حتى من المتديِّنين - بيد أنَّ اسم عائلته يبيِّن أنَّه من أحفاد "الأنصار"، أي المسلمين الأوائل الذي أطلق عليهم هذا الاسم في المدينة المنورة. ولكنه كان على قناعة بوجود صيغة تاريخ أخرى بالإضافة إلى صيغة كتاب التاريخ المدرسي الغربي: "تاريخ عالمي بديل ومستقل استقلالاً تامًا، يمثِّل رواية تنافس تلك الرواية التي قدِّر لي أن أكتبها لصالح دار النشر في ولاية تكساس"، على حدّ قوله.
الإسلام حضارة قائمة بذاتها
ولأنَّ الإسلام لا يعدّ مجرَّد شكل من أشكال الإيمان، مثلما يقول تميم أنصاري: فمن الممكن أن يتم تناوله ونقاشه تمامًا مثلما هي الحال في أي مادة دراسية إلى جانب الشيوعية والديمقراطية والفاشية، وذلك لأنَّه يعتبر أيضًا مشروعًا اجتماعيًا لتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية وشؤون القضاء. وهو يشكِّل كذلك حضارة قائمة بذاتها لها إنجازات مميَّزة في مجالي الفن والصناعة؛ ويجسِّد كذلك تاريخًا عالميًا من بين تواريخ عالمية كثيرة.
ومثل كونين متوازيين عاش الغرب والعالم الإسلامي عدة قرون من الزمن بجانب بعضهما - وتجاهلا بعضهما بعضًا. ولفترة طويلة كان كلّ منهما يعتبر نفسه محور التاريخ العالمي، مثلما يكتب مير تميم أنصاري. ولم تبدأ وجهتا النظر الإسلامية والغربية بالتداخل في بعضهما بعضًا إلاَّ في القرن السابع عشر. "وبما أنَّ الغرب كان الأقوى، فقد رجحت روايته وتغلبت على الرواية الأخرى."
والآن يروي تميم أنصاري في كتاب يقع في ثلاثمائة وخمسين صفحة صيغة التاريخ الأخرى. وهذا الكتاب الذي صدر بترجمته الألمانية تحت عنوان "مركز العالم المجهول" لم يصبح كتابًا مدرسيًا أو حتى أطروحة علمية، إذ لم يتَّبع مؤلفه أسلوب المؤرِّخ. وأنصاري الذي يبلغ عمره واحدًا وستين عامًا ويعيش حاليًا في سان فرانسيسكو، يصف في كثير من القصص والنوادر الطريفة "ما حدث من أحداث تاريخية حسب تصوّرات المسلمين" - "كمأساة إنسانية".
هيمنة غربية تبدو حتمية
وهو لا يورد في هذا الكتاب فقط سلسلة الخلفاء والسلاطين والإصلاحيين، بل يبحث أيضًا عن حقيقة القضايا الكبرى التي تميِّز في يومنا هذا العلاقات المتوتِّرة بين الشرق والغرب؛ مثل السؤال عن سبب انتصار الغرب الذي يبدو في يومنا هذا حتميًا لا يمكن تجنّبه؟ وما الذي أدَّى إلى تصادم العالمين في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001؟ وهل نعيش صدام حضارات؟
وطرح هذه التساؤلات يجعل هذا الكتاب مفيدًا بالنسبة للقراء الغربيين والشرقيين على حد سواء. إذ إنَّ تميم أنصاري يتَّبع في تاريخه العالمي نهجًا تنويريًا للغاية. وهو يعرض كيف نشأت العلوم الطبيعية - مثلما نعرفها في يومنا هذا - في عهد الخلفاء العباسيين، قبل سبعة قرون من ولادتها في أوروبا الغربية. وكيف كان يقف المخترعون المسلمون على عتبة الكثير من الاكتشافات - ولكنهم لم يفكِّروا على الرغم من ذلك "باستخدام الطاقة البخارية في آلات أتاحت المجال لإنتاج سلع استهلاكية بكميَّات كبيرة".
ويقول تميم أنصاري إنَّ المسلمين لم يجدوا أي فائدة ترجى من الثورة الصناعية والتصنيع وإنتاج بضائع تزيد عن الحاجة وإنشاء شبكات إنتاج فعَّالة في مجتمع كان يضم ملايين من الصناعيين والحرفيين. وفي المقابل لقد أفاد كلّ من نظام ترجيح الصادرات ودعم التجارة والإصلاح وكذلك المذهب الفردي والسعي إلى الاكتشافات الأوروبيين من دون قصد؛ وبكلّ بساطة كانت الظروف مناسبة.
"التجارة نقيض الحرب"
وبعد ذلك يلتقي العالمان ببعضهما من جديد. ويأتي الأوروبيون إلى العالم الإسلامي كتجَّار، بعد انتهاء الحملات الصليبية التي يصفها أنصاري بأنَّها كانت تهدِّد الإسلام أقل بكثير من هجمات المغول التي تلت الحملات الصليبية. ويقول المؤلف مؤكِّدًا أنَّ مجيء الأوروبيين لم يكن صراعًا بين الحضارات قطّ؛ ويتابع قائلاً إنَّ "التجارة تعتبر في آخر المطاف نقيض الحرب".
وفي الولايات المتَّحدة الأمريكية اشتهر تميم أنصاري من خلال رسالة إلكترونية تم إرسالها في البدء إلى أصدقائه فقط، ناقش فيها بعد بضعة أيَّام من أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 خطط إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الرامية إلى قصف أفغانستان وإعادتها إلى العصر الحجري. وقد كتب في تلك الرسالة: "المشكلة أنَّ أفغانستان تعيش في العصر الحجري".
وفي كتابه هذا يكتب تميم أنصاري أنَّ الغرب يريد الدفاع عن الحرية والديمقراطية في أفغانستان وفي العراق. ويقول إنَّ خطاب الإسلامويين المسلحين لا يتوجَّه في هذه الحرب إلى نظام الحكم الليبرالي الديمقراطي، بل إلى الانحلال الأخلاقي. والإسلامويون يقولون: "إنَّكم منحلون"، ويرد الغرب بالقول: "نحن متحرِّرون"
ومن الصعب لهذين الموقفين أن يتقاربا من بعضهما بعضًا. وهما حسب رأي تميم أنصاري بمثابة ظاهرة تميِّز الكثير من الجوانب في العلاقة القائمة بين العالم الإسلامي والغرب. ويعبِّر أنصاري عن ذلك بقوله إنَّ "كلَّ طرف لا يتعرَّف على الطرف الآخر إلاَّ باعتباره بطلاً لقصَّته الخاصة". ومن خلال "تاريخه العالمي من وجهة نظر إسلامية" يفتح الكاتب أعين الطرفين على وجهة نظر الآخر. ويتَّضح بذلك على الأقل عن ماذا يدور الحديث.
كلاوس هايماخ
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010
تميم أنصاري Tamim Ansary: "الحضارة المجهولة - تاريخ العالم من وجهة نظر إسلامية Die unbekannte Mitte der Welt. Globalgeschichte aus islamischer Sicht"، عن دار نشر Campus Verlag.
قنطرة
حلب عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2006:
ماضي عريق، وحاضر بائس!
"الإسلام لا يعني الإرهاب" - من هذا المنطلق اعتمدت منظَّمة المؤتمر الإسلامي قرارًا يقضي باختيار كلَّ عام ثلاث عواصم ثقافية في العالم الإسلامي؛ حيث يفترض لهذه العواصم أن تعرض صورًا إيجابية عن الحضارة الإسلامية. منى نجار زارت حلب، عاصمة الثقافة الإسلامية العربية وأعدَّت هذا التقرير
التراث والنهضة:
فؤاد زسكن والثقافة العربية الإسلامية
فؤاد زسكن أستاذ جامعي، مؤلف ومحقق، كما أنه مؤسس معهد تاريخ العلوم العربية والاسلامية في فرانكفورت. أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة بوخوم غرهارد إندرس يقدم لنا زميله الذي بلغ هذه السنة الثمانين من عمره
المسلمون و"الحرب ضد الإرهاب":
المبادئ الخمس لمستقبل الإسلام
تطالب الصحفية البريطانية الشابة فارينا علم الرجوع إلى القيم الدينية الإسلامية - التي تفضل الحوار على العنف والفضائل الاجتماعية على الحماس الديني المتعصب – وترى في ذلك إحدى الإمكانيات لتهدئة غضب الشباب المسلم.