المهاجرون يعقدون آمالا كبيرة رغم العوائق البيروقراطية
يعيش في أسبانيا ما يقل عن ثلاثة ملايين من المهاجرين، إلا أن هذا العدد قد بلغ ثلاثة أضعاف في أقل من خمس سنين، حيث أصبح يعادل حوالي سبعة في المائة من مجموع السكان. و ينحدر معظم هؤلاء المهاجرين من دول شمال إفريقيا وأمريكا الجنوبية ودول الكتلة الشرقية سابقا. وهم قد جاءوا بحثا عن فرص للعمل ومعيشة أفضل.
تعديل قانون الأجانب
ولكن نصف عدد المهاجرين- ما يزيد على المليون- غير شرعيين ، ولهذا يسمون "عديمي الأوراق" أو "الغير مرئيين", فليس لديهم تصريح إقامة ولا تصريح للعمل. وتريد الحكومة الإشتراكية الآن تعديل القانون الخاص بالأجانب، فبادرت أول فبراير/ شباط من هذا العام (2005) بالسماح لهم بفترة استثنائية شرعية لمدة ثلاثة أشهر، من المفترض أن تنتهي في أول مايو/ أيار من نفس العام.
وتهدف الحكومة بهذه المبادرة إلى مكافحة العمالة الغير رسمية. أما المهاجرون فيعقدون آمالا كبيرة على الخروج من اللاشرعية والحصول أخيرا على تصريح إقامة وعمل، ولكن البيروقراطية تمثل أمامهم عقبة كؤود.
من طنجة الى برشلونة
لقد تغير نظام حياته تغييراً جذرياً منذ عام ونصف مضى، بعد أن استطاع آنذاك السفر خلسة بسفينة ركاب من طنجة بشمال المغرب إلى خليج الجيسيراس بجنوب أسبانيا. لم يكن مع محمد شرقاوي البالغ من العمر واحد وعشرون عاما سوى ملابسه التي كان يرتديها وبعض النقود لشراء البسكويت أثناء رحلته التي بلغت مسافتها ألف كيلومتر وانتهت في مدينة برشلونة، حيث يعيش اليوم مع عمه وعمته.
ويعد محمد الذي لم يتمم دارسته للرياضيات واحدا من بين أكثر من مليون مهاجر يعيشون في البلد بصفة غير شرعية. وهؤلاء يعملون في البناء والزراعة والفنادق والمطاعم والخدمة في البيوت أيضا، حيث يقومون بالأعمال التي يرفضها الأسبان لصعوبتها أو لقلة أجرتها.
مشكلة شهادة السكن
ويحاول محمد شرقاوي الآن أن يقنن إقامته، لأن الحكومة الاشتراكية بزعامة "خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو" قد حددت فترة مدتها ثلاثة شهور لتقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين، إلا أن العقبات أمام تقنين الإقامة تمثل صعوبة.
فمحمد يعلم أن "المرء يحتاج إلى إثبات لمحل الإقامة يبين أنه يعيش هنا منذ أكثر من ستة شهور وشهادة حسن سير وسلوك، وعقد عمل. وهو وغالبية أصدقائه ومعارفه من المغرب لا يستطيعون توفير الشروط المطلوبة.
ويقول الشاب المغربي إن أول مشكلة كبيرة هي إثبات محل الإقامة "فكثير من أصدقائي يستأجرون سريرا أو غرفة لعدة أسابيع أوشهور بمائة أو مائتين يورو" وأصحاب السكن قد لا يسمحون لهؤلاء المهاجرين بالتسجيل على هذا العنوان، مع أنهم يعيشون ويعملون منذ أكثر من ثلاثة أعوام في أسبانيا.
مشكلة عقد العمل
ولعل مشكلة عقد العمل هي ثاني المشاكل الكبرى ، فمحمد شرقاوي يعمل منذ مجيئة بطريقة غير رسمية كموزع للجرائد أو مساعد في أعمال البناء، فكان عليه أن يحمل أكياس الأسمنت على أكتافه.
ويذكر أن العمل كان مجزيا، حيث كان يتقاضى بطريقة غير قانونية ألف يورو صافي شهريا, فأصحاب العمل لا يريدون إعطاءه عقد عمل حتى اليوم, ولهذا يقول: "إن فترة التقنين لسيت عادلة، فالبعض لديهم شهادات سكنية ولكن بدون عقود عمل، والبعض الآخر لديهم عقود عمل ولكن بدون شهادات سكنية".
ومحمد في حاجة إلى عقد عمل لا تقل مدته عن ستة أشهر حتى يستطيع تقديم طلب للدوائر الحكومية من أجل تسوية أوضاع إقامته.
المنظمات الغير حكومية تنتقد سياسة الجذب
وعلى الرغم من أن الحكومة قد أخذت موافقة نقابات العمال والمنظمات العمالية قبل الشروع في تنفيذ مشروع تقنين الإقامة في السابع من فبراير / شباط 2005 إلا أن كثيرا من منظمات حقوق الإنسان أخذت في انتقاد سياسة الهجرة، مثل منظمة "SOS-Racism انقذوا أرواحنا من العنصرية" في قلب مدينة برشلونة.
وترى المنظمة أنه حل قصير المدى فيما يخص موضوع الهجرة، وتنتقد ذلك السيدة بوجونيا سانشيز – المتحدث الرسمي للمنظمة – قائلة "إن فترة التقنين كانت خطأ من بدايتها".
وأن الحكومة تقصد في الأصل إلى مكافحة العمالة الغير رسمية، وكان عليها أن تهتم بالعدالة الإجتماعية في المقام الأول، حيث أن المهاجرين غير الشرعيين ليسوا ظاهرين في المجتمع الأسباني، وهم بشر من الدرجة الثانية يستغلون وبلا حماية.
مخاوف التهجير
ويعتبر "الحصول على الأوراق" الهدف الأكبر لكل مهاجر، أي تقنين الإقامة، وهذا معناه أنهم أخيرا سوف يستطيعون السفر إلى أوطانهم وزيارة عائلاتهم. ومن ناحية أخرى يفكر البعض في استقدام أقاربهم عندما يحصلون شخصيا على إقامة مقننة.
أما بالنسبة لمحمد شرقاوي فالتقنين معناه العيش في أمان. فلو فرض أن أحدا اعتدى عليه– كمهاجر غير شرعي– فلن يستطيع أن يقدم شكوى ضده، لأن – كما يقول – مكتب البوليس إما سيرسله إلى وطنه أو يخرجه من البلد.
عملية التقنين تتباطأ قدماً
ترى منظمة "SOS-Racism انقذوا أرواحنا من العنصرية" أن شروط تقنين الإقامة ما هي إلا شروط تقييدية، وتلح على تخفيف تلك الشروط حتى تأتي عملية التقنين أُكلها. وحسب تقديرات وزارة العمل في منتصف يناير/ كانون الثاني من هذا العام أن حوالي 800.000 مهاجر غير شرعي سوف يمكنهم الحصول على إقامة مشروعة في هذه المدة.
وحتى الآن لم يتعد عدد الطلبات المقدمة 130.000 في جميع أنحاء البلاد، ومعظمهم مهاجرون من أمريكا الجنوبية (إكوادور وكولومبيا), يليهم المغاربة الذين يشكلون 15% من مجموع مقدمي الطلبات.
ونظرا لهذه التطورات تحذر الحكومة أصحاب العمل - وتعطيهم مهلة حتى السابع من مايو/ أيار (أي حتى نهاية المدة المحددة)- بأن من يوظف منهم عمالا بطريقة غير شرعية، سوف يعرض نفسه لدفع غرامة مالية كبيرة.
استغلال ورشاوى... وتفاؤل
ومحمد شرقاوي يعلم أن تشغيل المهاجرين غير الشرعيين بدون عقود عمل شيء مربح جدا لأصحاب العمل, فقد سمع من أصدقائه أن رؤساءهم يستغلون الموقف ويطلبون من المهاجرين ما بين أربعة وخمسة آلاف يورو للتوظيف الشرعي بعقد العمل المطلوب. كما أن نقابات العمال تذكر حالات فصل مفاجأة من العمل.
ورغم ذلك سيظل محمد شرقاوي متفائلا، ويقول سوف أحصل على "الأوراق" في وقت من الأوقات. وعندما يفكر في الماضي، لا يندم على شيء ويقول أن الصمود كان مجديا، ويقول مبتسما: "لقد حصلت على كل حال على شهادة السكن".
ولكي يستطيع الحصول يوما ما على عمل رسمي، فقد التحق بدورات تأهيلية تقدمها النقابة في مجال الفندقة والمطاعم. ويضيف قائلا: "بعد ذلك سأقوم بفترة تدريب عملى، وأنا متأكد أنني سوف أحصل يوما ما على عقد عمل".
بقلم جينا بيلاريني
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005©
قنطرة
إسبانيا
على هامش المجتمع
بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في مدريد ينتاب الخوف الكثير من المغاربة الذين يعيشون في اسبانيا من اعتداءات عنصرية، ويشعرون بأنهم يعاملون غالبا كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. بيتينا أمباخ وهذا التحقيق من مدريد وسويتا
الهجرة غير الشرعية
تغيرات جوهرية في التعاطي الأوروبي
تزايد حوادث غرق المهاجرين غير الشرعيين من دول العالم الثالث إلى أوروبا أثار اهتمام صناع القرار السياسي الأوروبي بهذه المشكلة، لكن المطلوب الان هو التعاطي العملي مع هذه الظاهرة لإيجاد حلول مقبولة لها.