سفير بين عالمين
اعتنق سكيايولا الإسلام عام 1988 عندما كان سفيرا لإيطاليا لدى الأمم المتحدة في نيويورك. ويعمل سكيايولا حاليا لدى رابطة العالم الإسلامي كما يسعى إلى لعب دور الوسيط بين الطوائف الدينية والمجموعات السياسية المختلفة في بلاده. تقرير شتيفان أولريش
الظروف تتشابه، الحكومة اليمينية تسعى جاهدة منذ حين لكسب ثقة المواطنين في الانتخابات البرلمانية القريبة. لقد تضامت الحكومة في سياستها الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وحصدت نتيجة لذلك كراهية الإسلاميين المتطرفين الذين أطلقوا تهديداتهم عبر صفحات الإنترنت.
في هذه النقطة ينتهي المتوازيان، ففي أسبانيا قتل الإرهابيون قبل عامين قرابة المائتين من البشر. أما في إيطاليا فثمة هدوء تام قبيل الذهاب إلى صناديق الإقتراع في التاسع من إبريل / نيسان. وعلى الرغم من ذلك تدق المخابرات ناقوس الخطر وتصف الأسبوعين قبل الإنتخاب بـ"فترة الخطر".
وفي هذه الظروف بالذات يظهر أناس يعكرون الصفو: إن وزير الإصلاح الإيطالي روبيرتو كارديرولي من حزب رابطة الشمال قد اضطر إلى الإستقالة في فبراير/شباط بسبب ارتدائه "تي شيرت" طبعت عليه إحدى الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد. ولا فرق بينه وبين رفيقه الحزبي ووزير العدل روبرتو كاستلّي الذي قال: "لا أعتقد أن هناك إسلاما وسطيا" وأطلق على المجلس الإسلامي الإيطالي الذي أسسته وزارة الداخلية حديثا بـ"الوحش".
دبلوماسي يعتنق الإسلام
وعلى إثر ذلك قام بعض الإيطاليين بالتحدى لهؤلاء المحرضين. وكان من بينهم رجل على علم بالديانتين، وهو ماريو سكيايولا الكاثوليكي سابقا والذي يعد من أفضل الدبلوماسين في إيطاليا الكاثوليكية. وقد اعتنق ماريو سكيايولا الإسلام وأصبح اليوم رئيس القسم الإيطالي في رابطة العالم الإسلامي، وهي منظمة ذات أهمية كبرى خاضعة للمملكة العربية السعودية.
وقد استغل ماريو سكيايولا هاتين الصفتين للقيام ببناء جسر بين الديانتين، حيث يقوم من خلال مكتبه بـ"المسجد الكبير" في روما باجراء الاتصالات مع جميع الاتجاهات. ويعبر عن ذلك قائلا بأن له أصدقاء في الحكومة والفاتيكان والمنظمات اليهودية وواشنطن.
وبعد ساعة من الزمان جاء حاخام روما الأكبر ريكاردو دي سجني لزيارة المسجد لأول مرة، وهي زيارة تعد تاريخية. ووقف الحاخام دي سيني مع صديقه سكيايولا في أكبر مساجد أوروبا لابسين الجوارب أمام المحراب في اتجاه مكة قبلة الصلاة، مذكريننا - بلحاهم البيضاء تحت القبة العالية - بالأنبياء المذكورين في التوراة.
وهما يدعوان الى السلام بين الأديان. فقد أكد الحاخام أن "المعركة ضد ظاهرتي الاسلاموفوبيا ومناهضة السامية يجب أن تخاض بصورة متوازية". كما أعرب عن تفهمه للتظاهر ضد الرسوم المسيئة لنبي الإسلام والتي تهين الإسلام.
يهودي يدافع عن الإسلام؟ لم يكن هذا مفاجأة لماريو سكيايولا، حيث اعتاد الاطلاع على الديانات الأخرى. واعتنق سكيايولا الإسلام عام 1988 عندما كان سفيرا لإيطاليا لدى الأمم المتحدة في نيويورك. ويقول وهو جالس مرتديا معطفا أسود سميكا في مكتبه المفروش بالسجاد الشرقي بجانب المسجد:
"لقد أخذت القرار بنفسي. واطلعت كثيرا وقمت بدراسة القرآن الكريم، وقد جذبتني إلى الإسلام هذه العلاقة المباشرة بدون وسيط بين الله والمؤمنين، أي بدون قساوسة أو قديسين، مثلما يوجد في المسيحية".
وسيط بين الأديان
ويروي الدبلوماسي المتقاعد أن الأسرة والأصدقاء تقبلوا هذه الخطوة، إلا أن زوجته أكثرت من الذهاب إلى الكنيسة عن ذي قبل، "ولكن الأمور هدأت مرة أخرى". أما من ناحية الوظيفة فلم تكن هناك جوانب سلبية، وقد كانت "مفاجأة لي أنه لم يصدر أي رد فعل من قبل وزارة الخارجية بهذا الخصوص". أما بعض الزملاء فكانوا يغتابونني ويقولون: سكيايولا بدأ يجن.
لقد أصبح هذا السفير السابق ذا أهمية عالية في إيطاليا، خاصة وأنه أصبح وسيطا في وقت يزداد فيه عدد المسلمين من ناحية وخطر الأصوليين من ناحية أخرى. وهنا يحذر سكيايولا من الاستسلام للانفعالات، ويقول أن معظم المهاجرين المسلمين هاربون من الفقر والاضطهاد، وجاءوا إلى إيطاليا للعمل بحثا عن شيء من الرخاء لهم ولأطفالهم.
كما يرى سكيايولا أن ستة بالمائة فقط من المسلمين المقيمين في البلد يذهبون بانتظام إلى المساجد، وهؤلاء غالبا ما يذهبون لتأدية الصلاة ولا يمارسون السياسة.
المسلمون الناجحون
ولا يعتقد سكيايولا أن الدين يشكل عائقا أمام اندماج المسلمين البالغ عددهم 1,2 مليون مسلم في إيطاليا. ويقول: "إنني أعرف كثيرا من الأردنيين والسوريين بلون بشرتنا يعملون بنجاح وليست لديهم صعوبات في وجود أصدقاء إيطاليين". وعلق سكيايولا على هذه النظرة السياسية الخاطئة قائلا:
"إذا وجدت صعوبات تعوق الاندماج فهي إذن عنصرية وليست دينية، وذكر على سبيل المثال وضع الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الأفارقة يواجهون أيضا صعوبات في إيطاليا."
ومن وجهة نظر سكيايولا أن الأهم هو الوقوف حيال نشوء عزلة اجتماعية (الغيتو)، كما هو الحال في فرنسا. إن نجاح الاندماج مرهون بإقامة المهاجرين في نفس الضواحي التي يسكنها المواطنون الأصليون وبذهاب أطفالهم إلى نفس المدارس الذي يذهب إليها أطفال المواطنين الأصليين. ويقول:
"لا أحد يستطيع التنبؤ بارتفاع نسبة عدد المسلمين في إيطاليا في الخمسين عاما القادمة، ولكن من الواضح أنه سيزداد لدرجة كبيرة".
أما بخصوص السؤال عن الوجود الحالي للإسلاميين المتطرفين في إيطاليا فقد تجنب الإجابة عنه متهكما بقوله: "هل تريدون الحقيقة؟ إنني لن أفصح عنها". ولكنه صريح للغاية في نقطة واحدة، ألا وهي الحوار مع المتطرفين، حيث يقول:
إن الحوار مع المتطرفين مضيعة للوقت سواء أكان في العراق أم في إيطاليا. ويجب على الغرب محاولة تقويضهم بالاندماج، وليس أمام إيطاليا- لضعف نسبة المواليد فيها وكثرة المهاجرين إليها - إلا الاندماج. ثم يضيف قائلا: "إما أن نعيش سوية أو ستكون هناك كارثة".
شتيفان اولرش
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
صدر المقال في صحيفة زوددوتيتشه تستيتونغ
قنطرة
جيل يمد الجسور إلى الآخر
خالد شوقي رئيس "الشبيبة الإيطالية المسلمة" وأحد المشتركين في صياغة "البيان ضد الإرهاب ومن أجل الحياة" الذي صدر في إحدى كبرى الصحف الإيطالية. إنريكو بيترتشيللي يعرّفنا بممثل الجيل الأوربي المسلم الجديد