المرأة العربية تخرج من الظل وتقود الثورات
أغلب المجتمعات العربية تضع المرأة في موقع متوار خلف الرجل، فيندر أن تكون جزءا من المشهد السياسي، أو تحتل على الأقل موقعا ضمن النخبة. ربيع الثورات العربية كسر هذا التابو ، وصارت المرأة في طليعة الجماهير المطالبة بالتغيير. وقد خرجت تونس عن الجزء الأول من هذا الوصف، حيث تمتعت المرأة بموقع ممتاز ضمنته التشريعات الليبرالية التي وضعها مؤسس تونس الحديثة ونص عليها الدستور، وقد يفسر هذا حجم مشاركة المرأة التونسية في الثورة التي أطلقت الربيع العربي.
دويتشه فيله تابعت ريادة النساء العربيات في ثلاثة بلدان شهدت ثورات التغيير، فكانت المحطة الأولى تونس حيث حاورت الصحفية والناشطة السياسية الفاعلة في صنع الثورة صوفيا الهمّامي التي اعتبرت أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس قد دفعت إلى الواجهة عددا كبيرا من الوصوليين الذين يحاولون اليوم أن يقطفوا ثمار ثورة صنعها غيرهم. واستشهدت الهمّامي بهذا الخصوص بحالة المدونة والناشطة لينا بن مهني، التي كانت من أنشط النساء اللائي نقلن صورة ما يجري في تونس إلى الخارج وقد عرّفت العالم من خلال موقعها الالكتروني منذ عام 2006 بتحولات كبيرة يشهدها هذا البلد، ثم رشحت للحصول على جائزة نوبل للسلام، لكنها و"بمجرد سقوط نظام بن علي صارت هدفا لهجوم يقوده عدد كبير من الوصوليين بغرض النيل منها وإخراجها من مشهد التغيير".
وتضيف الهمامي أنه في المجمل وصلت تونس اليوم إلى "تغييب المرأة التي تصدرت الصفوف أيام الثورة، حيث غيبت عن المنابر الإعلامية وعن التشكيلة الحكومية التي لم تضم سوى امرأتين فقط ، كما غيبت المرأة في المؤسسات". ثم عادت الهمامي لتستدرك بالقول "سواء فازت لينا بن مهني بجائزة نوبل أو اليمنية توكل كرمان فإن هذا تاج ياسمين لا يذبل فوق رأس المرأة العربية".
"الثورة رفعت الحجب عن المرأة في اليمن"
المحطة الثانية لدويتشه فيله كانت في اليمن حيث ما زالت ثورة التغيير قائمة، والشعب يريد إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح. تقاليد اليمن تحاصر المرأة وتفرض عيها ارتداء النقاب في أحيان كثيرة، وخصوصا في المحافظات البعيدة عن العاصمة ومنها تعز، حيث ولدت الفائزة بجائزة نوبل للسلام مناصفة هذا العام توكل كرمان، التي انحدرت من أسرة ريفية من منطقة بني عون، ونشطت كمعارضة منذ عام 2007 حين نشرت مقالا يدعو إلى إسقاط النظام.
حين قامت الثورة تقدمت توكل الصفوف ثم اعتقلت مساء السبت الـ23 من يناير 2011 من قبل قوات الأمن، بتهمة إقامة تجمعات ومسيرات غير مرخصة، وأطلق سرحها في اليوم التالي. الناشطة والصحفية فاطمة ألأغبري في حديثها مع دويتشه فيله اعتبرت "أن الثورة في اليمن رفعت الحجب عن المرأة ووضعتها على طريق المشاركة الواسعة في صنع التغيير. وقد استطاعت هذه المرأة أن تتجاوز العادات والتقاليد التي تحدد حركتها، وصار معتادا حضورها في كافة الميادين مع الرجال، وما فوز توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام إلا دليلا أكيدا على نجاح المرأة اليمنية في كسر طوق القيود التي فرضها المجتمع عليها".
وتضيف الصحفية والناشطة فاطمة الأغبري قائلة إن فوز توكل كرمان يجب ألا يدفعنا إلى "نسيان أن دور نساء أخريات كن دائما رائدات في قيادة الثورة، ومنهن سامية الأغبري ورحمة حجيرة، ونساء كثيرات أخريات قدن ثورة الرجال والنساء وتعرضن للضرب والاعتقال بسبب مواقفهن السياسية، والمحافظات اليمنية المتمسكة بالتقاليد أضحت اليوم لا تضع أي عائق أمام مشاركة المرأة في مسيرات الاحتجاج والتظاهرات، وهذا تطور ايجابي جدا".
"كل مغتصبة في ليبيا هي جزء من الثورة"
تحولت ثورة ليبيا إلى شبه حرب أهلية بين المعارضة وبين القوات الموالية للقذافي، وهذا قد يضع المرأة في الجزء البعيد من الصورة، إلا أن واقعة "إيمان عبيدي" التي تحدثت علنا إلى وسائل الإعلام عن قيام قوات القذافي باغتصابها سلط الضوء من جديد على الحلقات الأضعف في النزاعات المسلحة، النساء والأطفال. طرابلس الغرب كانت المحطة الثالثة لدويتشه فيله حيث حاورت الناشطة والمدونة غيداء التواتي. غيداء أشارت إلى أن" الربيع العربي فجر ثورة نسوية، حيث كانت المرأة مهمشة وليست أكثر من آلة تفريخ، ولكن في بنغازي انطلقت النساء في تظاهرة تطالب النظام بمحاكمة من قتلوا أزواجهن وأولادهن في واقعة سابقة، ومن هذه المظاهرات انطلقت شرارة الثورة". وتضيف الناشطة بالقول: "هكذا استردت المرأة دورها الطبيعي في المشاركة في بناء وتغيير المجتمع، ورغم أن العديد منهن قد تعرضن للاعتقال". وحسب الناشطة الليبية فإن "النسوة في طرابلس كن يخبئن الثوار في البيوت ليبعدوا عنهم رجال الأمن".
الناشطة غيداء التي اعتقلت في سجن بو سليم لمدة 3 أشهر عند انطلاق الانتفاضة أشارت إلى "أن المجتمع كان ينظر باحتقار إلى المرأة التي تتعرض للسجن باعتبارها قد تعرضت حتما إلى التحرش الجنسي والاغتصاب، وهما أمران مشينان، ولكن بعد الثورة تغير هذا الوضع وصار الناس ينظرون بإجلال إلى ضحايا الاعتقال السياسي، بل إن كثيرا من الثوار تطوعوا للزواج بمن كن ضحايا الاغتصاب في سجون القذافي". ومن هنا وبغض النظر عما قيل بشأن رواية إيمان عبيدي "فأنني احترمها لشجاعتها في الوقوف أمام أجهزة الإعلام وفضحها من قاموا باغتصابها، وفي رأي أن كل مغتصبة في ليبيا قد ساهمت بشكل أو بآخر في الثورة".
ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011