شجرة الأرز المتعددة الطوائف
سواء كان المرء يريد الزواج أم التقدم إلى عمل فإن السؤال الأول الذي يُطرح في لبنان هو: إلى أي طائفة تنتمي؟ تسود الطائفية لبنان، سواء في السياسة أم في الحياة اليومية. وكثيراً ما تأتي المصالح السياسة لطائفة ما قبل المصلحة العامة، أما التنافس والخصومات التي تصاحب ذلك فتؤدي بين الحين والآخر إلى إتاحة الفرصة أمام القوى الخارجية لكي تستخدم الجماعات اللبنانية ضد بعضها بعضا، ثم التحكم في مصائر البلاد من الخارج.
أما على الصعيد الاجتماعي فإن الطائفية تعني افتقاد اللبنانيين واللبنانيات للحرية في ممارسة شعائر دينهم كما يريدون، إذ إن لبنان لا يعرف مفهوم مواطنة خارج الجماعة الدينية.عديد من اللبنانيين يعرفون تماماً أن نظامهم السياسي لا يتوافق مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، كما لا يتوافق مع كونية حقوق الإنسان. بالرغم من ذلك لم يشهد لبنان حتى الآن جهوداً جادة بالفعل تسعى إلى إلغاء النظام الطائفي، كما أن كل المحاولات في هذا الشأن - على سبيل المثال لإدخال نظام الزواج المدني - باءت بالفشل الذريع. رغم أن الواضح أن الطائفية – وأيضاً التشابك بين الدولة والدين – تمثل نموذجاً متقادماً لا مستقبل له.
زيجات نادرة تجمع بين طائفتين
في رسالتها للحصول على درجة الدكتوراة تناولت آنه فرانسوا فيبر، الباحثة في علم الاجتماع، سؤالين جوهريين: إلى أي مدى يشعر اللبنانيون بأهمية إنهاء الفكر الطائفي؟ وهل يوجد في المجتمع اللبناني نظم أو أماكن أو فاعلون يتجاوزون علنياً أو ضمنياً الحدود الطائفية؟
للعثور على أجوبة على هذه الأسئلة قامت فيبر بدراسة مبادرات الحوار الإسلامية المسيحية في لبنان. من ناحية أخرى – وهنا تغدو الدارسة شيقة بحق – قامت بتسليط ضوء كاشف على الحياة اليومية وموقف العائلات المسلمة-المسيحية من الدين.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإن أكثر من تسعين في المائة من اللبنانيين يتزوجون من داخل الطائفة نفسها التي ينتمي إليها الفرد، أي أن الزواج المختلط دينياً ما زال من النوادر. غير أن فيبر اهتمت بالعائلات والزيجات المختلطة دينياً لأن معايشات تلك العائلات وخبراتها يمكن أن تكشف عن حقيقة الوحدة الوطنية وذلك الحوار "الذي يكثر الحديث عنه في لبنان".
كثيراً ما يشير اللبنانيون بفخر إلى التنوع الثقافي والديني في لبنان، غير أن ذلك التنوع يقف عند حدود الزيجات المختلطة دينياً، إذ هي بالأحرى مرفوضة اجتماعياً، كما أن الأزواج والزوجات مختلطي الديانة يواجهون مشكلات قانونية كبيرة، وهو ما يبدأ بإتمام الزواج نفسه الذي يحدث في الخارج (في معظم الأحيان في قبرص) لانتفاء إمكانية الزواج المدني في لبنان، وتستمر الصعوبات عند الطلاق أو تحديد النفقة، وكذلك في حالات الميراث. ولأن قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الإرث مختلفة تماماً بين المسلمين والمسيحيين والدروز، فغالباً ما يتحول أحد الزوجين – ولأسباب براغماتية بحتة – إلى طائفة أخرى بعد مرور فترة من الوقت.
تعزيز الهوية الطائفية
على وجه الإجمال أجرت فيبر حوارات متعمقة مع 34 زوجاً تزوجوا زيجات مختلطة دينياً، وكذلك مع ستة أطفال ولدوا في إطار تلك الزيجات. معظم الأشخاص الذين أُجري معهم الحوار هم إما من المذهب السني أو من طائفة الروم الأرثوذكس، وهم من أبناء الطبقة البورجوازية العليا في بيروت أو من بلدة حلبا الريفية.
عند قراءة هذه الحوارات يلفت النظر على الفور: على الرغم من أن معظم الزوجات والأزواج الذين وجهت إليهم الأسئلة قد اكتووا بنار الطائفية، كما تحتم عليهم أن يكافحوا ضد مقاومة المجتمع العنيدة تجاه زيجاتهم، فإن جزءاً منهم فحسب يعارض نظام الطائفية، وأقلية ضئيلة هي التي تؤيد تربية الأطفال المشتركين تربية تتعدى نطاق الدين الواحد. بل إن الزواج المختلط دينياً يؤدي لدى البعض إلى تعزيز الهوية الدينية الأصلية.
في أبحاثها سلطت فيبر الضوء أيضاً على الممارسة الدينية في الحياة اليومية وعلى تربية الأطفال تربية دينية. وتميز فيبر بين ثلاثة أنماط في هذا الشأن:
1) العائلة غير المتدينة التي لا تربي أطفالها تربية دينية
2) العائلة غير المتوازنة دينياً، وفيها يتولى أحد الوالدين تربية الأطفال تربية دينية
3) العائلات الما بين دينية، وفيها يكتسب الأطفال عناصر دينية من الوالدين كليهما.
"الجد الآن عند المسيح"
ويلفت النظر أن الأب ليس في كل الحالات هو الطرف الذي يقرر هوية الأطفال الدينية، بل تتولى الأم في كثير من الأحيان تحديد الانتماء الديني للأطفال. عنصر آخر مدهش هو العملية التي يواجه بها الأزواج والزوجات هذا الموضوع؛ فنجد امرأة شيعية متزوجة بمسيحي ماروني ترسل أطفالها طواعيةً إلى دروس التربية الدينية المسيحية المارونية رغم عدم إصرار الأب على ذلك. وعندما توفي الجد، حكت لأطفالها أن الجد الآن عند المسيح – لأن هذا شيء من الممكن أن يتصوره الطفل، تقول الأم، وبالتالي يتفهمه بسهولة.
إن دراسة فيبر تبين أن هناك دوماً أشخاصاً يعارضون السائد حتى إذا كان منطق الاختلاف في المجتمع هو الغالب. وهناك عدد قليل من اللبنانيين، ولكنه عدد يتزايد، يطالب بالحق في الإلحاد، أو كما تكتب آنّه فرانسوا فيبر: "إن شجرة الأرز اللبنانية ليس فقط مسلمة ومسيحية."
تتوصل فيبر في نهاية دراستها إلى النتيجة التالية: على المدى الطويل، ليس هناك مفر من الفصل بين الدين والدولة في لبنان. ولكن لا يمكن إلغاء الهويات الدينية بين عشية وضحاها. إن المهم هو عدم إضفاء الصبغة السياسية على تلك الهويات. تقول فيبر: " على المرء، بدلاً من ذلك، أن يخلق أماكن مشتركة، سواء في السياسة أو في الحياة الشخصية." إن تحرير الفرد يتوقف في خاتمة المطاف على ما إذا كان حراً في اختيار انتمائه إلى هوية جمعية أو في رفضها.
مارتينا صابرا
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2008
صدر كتاب آنه فرانسوا فيبر بالفرنسية عام 2007، وهو يستند على رسالة دكتوراة أشرف عليها أساتذة من ألمانيا وفرنسا في الوقت نفسه.
Anne Francoise Weber: Le Cèdre islamo-chrétien. Nomos Verlag, Baden-Baden, 2007.
قنطرة
بعد انسحاب الجيش السوري:
إلغاء الطائفية هو أكبر تحدي يواجهه المجتمع المدني في لبنان
المواضيع السياسية الحساسة والصعبة لم تناقش بشكل علني، رغم أن النداء من أجل الاستقلال يرتفع من كل الجهات. بعد اغتيال رئيس الوزارء السابق رفيق الحريري تظاهر الآلاف في شوارع بيروت مطالبين بانسحاب السوريين واستقالة حكومة كرامة. هل يمكننا اعتبار هذه الحركة الجماهيرية بداية انطلاق مجتمع مدني حقيقي في لبنان؟ حوار مع عمر طرابلسي مدير منظمة "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي" في بيروت.
البدائل اللبنانية:
لعبة في أيادي الخارج
يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة. ولكن الواقع يقول: إن المصالح العربية والغربية سيكون لها اليد الكبرى في تشكيل لبنان المستقبل. تحليل بقلم مايكل يونغ
الحرب الأهلية اللبنانية في ذاكرة الشباب:
مبادرة استثنائية تجمع شبابا من طوائف مختلفة في الضاحية الجنوبية من بيروت
بمناسبة الذكرى الثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية قامت أمم للتوثيق والأبحاث ببيروت بورشة عمل شبابية، اشترك فيها 25 شابا وشابة تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشر والتاسعة عشر لتبادل ذكرياتهم عن الحرب الأهلية وتوثيقها. تقرير بيرنهارد هيلينكامب