سيطرة الإسلاميين في مقديشو سوف تعقد الأمور سياسيا

حينما يبلغ المرء أدنى القعر يمتلك الأمل في الصعود ثانية، اذ لا يمكن أن يهبط أكثر من ذلك. هذا ما يقوله بطل رواية "صلات" لنورالدين فارح عن الصومال بعد سنين طويلة من الحرب الأهلية. اليا براون التقى فارح في فرانكفورت وتحدث معه حول كتابه الجديد.

​​حينما يبلغ المرء أدنى القعر يمتلك الأمل في الصعود ثانية، اذ لا يمكن أن يهبط أكثر من ذلك. هذا ما يقوله بطل رواية "صلات" الجديدة لنورالدين فارح عن الصومال بعد سنين طويلة من الحرب الأهلية والفوضى. فارح يحذر من احتمال سيطرة الإسلاميين على الصومال. اليا براون التقى فارح في فرانكفورت وتحدث معه حول كتابه الجديد.

يعتبر الكاتب الصومالي نور الدين فارح المقيم في كيب تاون واحدا من أشهر الكتاب الإفريقيين المعاصرين. في روايته الأخيرة "صلات" يعود بطل القصة الى وطنه الصومال ليزور قبر أمه بعد ان يكون قد امضى عشرين عاماً في منفاه الأميركي. لكن ما يجده أمامه هو بلد غارق في الفوضى، ممزق من جراء الحرب الأهلية.

يجد بطل الرواية، "جيبله" عندما يعود الى الصومال صعوبة في تحديد من يمكن ومن لا يمكن الثقة به، لماذا هذه الصعوبة؟

نور الدين فارح: حسناً لأنه ظل بعيداً لفترة طويلة والظروف تغيرت. فقد تشكلت تحالفات مختلفة عن تلك التي يعرفها عندما كان يقيم في مقديشو سابقاً. جاءت الحرب الأهلية لمصلحة الذين يودون تقسيم الآخرين الى مجموعات ليتسنى لهم استغلال الوضع الجديد. والوضع الجديد يجلب معه بالتأكيد تحديات جديدة ويتطلب موقفا جديدا.

هل تبنى "جيبله" بسبب اقامته الطويلة في الغرب موقفا غربيا او أميركيا شماليا؟

فارح: كلا، إنه فقط لا يعرف اللعبة الجديدة، فالقواعد تغيرت وان لم تتقبل هذه القواعد الجديدة فان حياتك تكون في خطر. هذه ظاهرة جديدة خلقتها الحرب الأهلية لا علاقة لها بالغرب. فقبل عشرين سنة لم تكن العشيرة قوة سياسية، ولم يكن ارتباط الدم في تلك الأيام بمثل هذه الأهمية.

العلاقات الشخصية كانت مهمة، الأصدقاء كانوا مهمين للغاية. سبب ظهور العشائرية هو أن بعض عائلات هذه العشائر اعتقد انه تحت ظل النظام السابق لم يكن لديه سلطة قوية مثل تلك التي كان يتمتع بها غيره من العشائر. الحرب الداخلية أبرزت هذه التوترات التي كانت موجودة في السابق أصلاً.

ما الفرق بين العشيرة والعائلة؟

فارح: العشيرة عائلة كبيرة. في الصومال، اذا كانت كنيتك "أ" مثلاً فكل من كنيته "أ" ينتمي الى عشيرتك. وان كنت رب عمل فانك ستوظف أحدا منهم، سوف تبحث عنهم، تثق بهم، تدعوهم الى منزلك وتعقد علاقات اجتماعية معهم.

ولنقل ان عائلة "أ" لها صلة قرابة مع عائلة "ب"، أولاد العم. فسوف تختلط أيضاً بهم، هذه هي العشيرة: عائلة كيبيرة يبلغ عدد أفرادها، لنقل خمسين أو مائة ألف شخص. يعيشون عادة في نفس المنطقة، فالناس في القرية الواحدة لهم نفس الأجداد.

ولكن جيبله لا يتوافق مع هذا النمط من التفكير؟

فارح: كان ضده من قبل ولا يزال ضده الآن لأنه يقول – وهو ما اتفق معه تماما عليه – لا ينبغي لك أن تفضل أناسا على غيرهم لا لشيء الا لرابطة الدم التي تشدك اليهم. من الأفضل أن تأخذ محاسن الناس بعين الاعتبار. فإذا كان عليك تعيين وزير للخارجية وعينت أحداً من قريتك أو من مدينتك أو من عشيرتك فأنت لا تقوم بوظيفتك بشكل صحيح لأن رابطة الدم ليس قوة موحدة، بعكس ما تكون عليه الآيديولوجيا.

يظهر السياق السياسي في رواية "صلات" أكثر مما هو عليه في كتبك السابقة، على الأقل أكثر مما هو عليه في الثلاثية الأخيرة.

فارح: موضوع الحرب الأهلية هو موضوع صعب جدا بالنسبة لأي كاتب. فحتى في مظاهرة تتكون فقط من مائة مشارك فيها يثيرون إزعاجا عاما يصعب على الكاتب تحديد شخصياتهم الفردية. وفي حرب أهلية تشمل تسعة ملايين شخص، كيف يمكن لك أن تختار شخصاً أو اثنين أو حتى حفنة من الاشخاص لتكتب قصة، لتشرح كيف اندلعت الحرب الأهلية؟

عليك أن تشرح الخلفية، لا يمكنك الاكتفاء بالسؤال لماذا يقتل الناس بعضهم لأول مرة في تاريخ الصومال. لذلك عليك ان تتطرق الى السياسة والتاريخ والمجتمع والى مجالات أخرى كثيرة. هذا الكتاب هو الجزء الأول من ثلاثية – الجزء الثاني والثالث لن يتطلبا شرحاً كثيراً.

لقد تركت الصومال في وقت مبكر من حياتك ولم تعد اليها لفترة طويلة. الآن أيضا انت لا تزال تعيش في المنفى و.....

فارح (مقاطعاً): كلا، انا لا أعيش في المنفى، أنا أعيش في أفريقيا. طالما أنا أعيش في أفريقيا، وهذا ما أفعله منذ عدة سنوات، فأنا لا أعتبر نفسي في المنفى. صحيح انني لا أعيش في وطني ولكن الحقيقة هي انني أزور الصومال كثيراً، مرتين أو ثلاث مرات في السنة.

هل تأمل في أن تعود الى هناك في يوم من الأيام؟

فارح: ربما، اذا عم السلام وتحسنت الأمور، اذا كانت هناك مدارس نرسل اولادنا اليها. ولكني لست وحيداً هنا، اذ أنني أعيش مع أسرتي ، لذا عليّ أن اتكلم معهم، وان وافقنا جميعاً فسوف نذهب للعيش في الصومال. ولكني أشك كثيراً يحدث هذا في السنوات القليلة القادمة.

كيف ترى فرص استقرار الحكومة المركزية في مقديشو؟

فارح: أمراء الحرب الذين يسيطرون الآن على مدينة مقديشو هم المستفيدون من الحرب الأهلية وطالما ظل الأمر على هذا المنوال فإنهم سوف يضعون العثرات في طريق أية مؤسسة فيدرالية تتمركز في مقديشو.

ولكنهم سوف يخسرون في وقت ما هذه المعركة، لأن أكثر الناس تنشد السلام والحقيقة هي ان اكثر الناس تريد ان تكون مقديشو مركز الحكومة المركزية. وأحد مصادر قلقنا هو أن تحصل القوى الاسلامية الأصولية على قاعدة قوية في المدينة اذا لم تنتقل الحكومة الى هناك. لذلك من الضروري اتخاذ خطوات سريعة قبل ان يسيطر الاسلاميون على مقديشو.

هل يتمتع الأصوليون الاسلاميون بسلطة قوية في الصومال اليوم؟

فارح: سوف يحصلون عليها لأن البعض يحاول ايجاد نوع من البديل للدولة العلمانية. أنا نفسي ولدت ونشأت كمسلم ولكنني أؤمن بالدولة العلمانية وأريد فصل الدين عن الدولة. اذا صار الاسلاميون قوة في مقديشو فهذا سوف يعقد الامور سياسياً بالتأكيد.

لكن نهاية روايتك فيها نوع من التفاؤل على الأكثر.

فارح: حسناً، في وضع صعب للغاية لا يمكنك إلا أن تكون متفائلاً. فبعد أن تكون قد وصلت الى القعر تماما لا يمكن لك الا أن تأمل بأن الأمور سوف تسير ثانية نحو الأفضل.

أجرى اللقاء ايليا براون
ترجمة منال عبد الحفيظ شريدي
حقوق الطبع القنطرة 2005

صدرت أخيرا أول رواية لنور الدين فارح مترجمة إلى العربية، عنوانها "خرائط" عن دار الجمل، كولونيا/بيروت/بغداد.