الكاتب والمؤرخ السوري سامي مبيض...طريق الحداثة مر بدمشق

 (رويترز) - يضع الكاتب

والمؤرخ السوري سامي مروان مبيّض الحداثة في سوريا على سكة ورقية،

ويقود بها إلى استكشاف المجتمع السوري ومدى استعداده للخروج من

أسوار دمشق القديمة نحو عالم متطور، وينطلق معها في كتاب (سكّة

الترامواي، طريق الحداثة مرّ بدمشق) الصادر عن دار رياض نجيب

الرئيس والذي تم طرحه بمعرض بيروت الدولي للكتاب هذا الشهر.



يحجز الكاتب مقعدا له في "الترامواي" متنقلا بين المدن السورية

وكلاسيكيتها وتاريخها وانفتاحها على التجدد في القرنين التاسع عشر

والعشرين فنجد بين صفحاته أن انتقال المجتمع السوري إلى الحداثة

بدأ فعليا مع "التنظيمات العثمانية التي أسست طبقة وسطى في المجتمع

وأصبح أبناؤها أداة التغيير والتطوير في بلادهم".



وتقول صفحات الكتاب إن "معركة التغيير شُنّت عمودياً وأفقياً

على ثلاث جبهات بين ثلاثة مكونات اجتماعية: الشباب المتعلّم

وآباؤهم المحافظون، الرجل والمرأة، ورجال الدين".



ووفقا للكاتب فقد تنوعت منصات الصراع وكثرت أمكنته "في الأزقّة

والحارات وداخل المنازل وفي المساجد وجامعة دمشق وعلى خشبات

المسارح وفي ملاعب كرة القدم وداخل الأحزاب والأندية والصحف".



وينطلق ترامواي الكاتب في أولى محطاته من الشام التي "ذُهل

أهلها عند رؤيتهم الترامواي للمرة الأولى يشقّ طريقه ببطء داخل

شوارع مدينتهم القديمة، فكان مشهداً مبهراً بالنسبة إليهم وأقرب

إلى الخيال، إلى درجة أن بعض العجائز ظنّوا أن جنّياً كان يقود تلك

العربة الكبيرة المصنوعة من الحديد، لا سائقاً من بني البشر".



واستطاع الترامواي أن يربط أحياء المدينة بالأرياف المجاورة،

ما سهّل على الدمشقيين التمكّن والتعلّم والاستطباب والتجارة التي

جاء معها الكثير من الأفكار الغربية والعادات المستوردة.



وقبل ذلك كانت دمشق قد بدأت تشهد نهضة طبية نوعية أدت إلى

إطالة عمر السوريين ومعالجة الكثير من الأمراض السارية، وانتشرت

المستشفيات بالتزامن مع بدء إنارة مدينة دمشق بالكهرباء تدريجيا

اعتبارا من عام 1907.



ويستعرض الكتاب تفصيليا مرحلة حكم الملك فيصل بن الحسين لسوريا

بعد زوال الحكم العثماني وتأثره بالغرب ونظام العمران في كل من

باريس ولندن.



لكن الكاتب يستنتج أن الملك فيصل "لم يحاول نقل تلك التجارب

العمرانية إلى عاصمته الجديدة نظرا إلى قصر فترة حكمه وقلة موارد

دولته، بل فضل أن تكون بصمته في السياسة والإدارة وتنظيم أمور

الدولة على حساب أي تطوير عمراني".



وفي عام 1920 وبعد إطاحة حكم الملك فيصل جاء الانتداب الفرنسي

على سوريا، وبدأت المرحلة الثانية من تطوير دمشق ونقلها إلى مدينة

عصرية أشبه بالمدن الأوروبية.



ويسجل الكتاب أن العمران الفني توقف وتحول إلى عملية تدمير

خلال الثورة السورية الكبرى عام 1920، حيث "قصف الفرنسيون دمشق

بالمدافع ودمّروا أجزاء من سوق الحميدية وأحرقوا بعض قرى غوطة دمشق

وتغيرت ملامح المدينة".



"ولعل المسرح كان أحد أبرز وجوه الانفتاح والتطور في دمشق

والذي واجه بداية معارضة عنيفة داخل المجتمع السوري "ولولا رائد

المسرح أبو خليل القباني مؤسّس الميوزيكال في العالم العربي، لما

كان هناك مسرح في سوريا".



ويشرح مبيض كيف قرر القباني أن يمتهن التمثيل والغناء والتأليف

المسرحي "ضاربا عرض الحائط بكل ما سيقال عنه في مجتمعه المحافظ،

متجاهلاً أي إحراج قد يسبّبه لأبيه وعُرف يومها باسم "القباني"

علماً بأن أفراد الأسرة من قبله كان يُعرفون باسمهم الأصلي "آل

أقبيق".



ويستفيض الكتاب في الشرح عن عروض القباني "المبهرة للعين،

وفيها كل عناصر المسرح العالمي، الستائر كانت مزينة بخطّ عربي، وفي

الصالة كانت تقدّم المرطبات ويجري تغيير الديكور بين المشاهد، وفي

أوج شهرته كان للقباني ثلاثة مسارح تعمل في آن واحد في دمشق".



وقد نال الكتاب شهادة من الأديب اللبناني الفرنسي أمين معلوف

الذي دوّن على غلافه أنه "من مآسي مشرقنا أن الحداثة الاجتماعية

والفكرية التي تبدو في يومنا هذا بعيدة المنال بدأت تسري قبل أجيال

في عروق أبنائه وبفضل روّاد مبدعين كان في وسعهم أن يحوّلوا هذه

البقعة من العالم إلى منارة حقيقية للتقدّم والحضارة، هذا ما يرويه

لنا سامي مبيّض في عمله الرائع عن دمشق عبر أمثلة مقنعة توقظ فينا

الحنين، بالطبع، وتوقظ كذلك شيئاً من الأمل".



ويقع الكتاب في 414 صفحة من القطع الوسط، ويحتوي على أرشيف

نادر من الصور لفنانين ورجال دين وسياسيين ونساء ساهمن في النهضة

وأبطال رياضيين وغيرهم ممّن كانوا في طليعة مَن خاضوا معركة

التغيير في السياسة والمجتمع وفي مجالات الفنون والثقافة.