اللاجئون السوريون- شهادات حية على ''أنياب'' الأسد الدموية
يقع مركز جابر الحدودي، الذي يفصل سوريا عن الأردن، على بعد 90 كيلومتراً شمال العاصمة الأردنية عمان. هذه النقطة الحدودية تزدحم بطوابير بشرية تمتد عدة كيلومترات، ما بين أردنيين راغبين في السفر إلى دمشق، التي تبعد ثلاث ساعات بالسيارة، لزيارة الأقارب والأصدقاء، أو حتى شراء بضائع رخيصة الثمن. فسوريا أضحت مكاناً محبباً لدى الأردنيين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
لكن على مدى التسعة أشهر الماضية تحول مركز جابر الحدودي إلى منطقة مقفرة تثير خوف المارين بها. فالتنقل بين الأردن وسوريا ازداد تعقيداً، وسائقو سيارات الأجرة ينتظرون الزبائن بدون جدوى، بينما خلت المقاهي من المسافرين والضيوف. حتى حرس الحدود، الذي تسرب إليهم الملل، يشعرون بالسعادة لرؤية أي تغيير في هذه المنطقة، إلا أنهم يصرون على منع التصوير، لأنهم يخافون أن تطالهم يد الجيش السوري. ويقول أحد موظفي النقطة الحدودية إن "اللاجئين لا يمرون من هنا، بل عبر الغابات. بالطبع نتركهم يعبرون، لأنهم يحتاجون إلى حماية". ويضيف بأن الوضع في مركز الرمثا الحدودي أسهل "سواء بالنسبة للتجار أو للائجين".
الرمثا – اقتصاد مبني على التهريب
الرمثا بلدة حدودية صغيرة وحيوية، تنتشر فيها محلات كثيرة تعرض بضائع متنوعة، دون أن يقبل عليها أي أحد. فالحدود مع سوريا تفتح تارة وتغلق تارة أخرى بعد دقائق قليلة. معظم اللاجئين هنا يأتون من مدينة درعا السورية، التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن الرمثا. وتعتبر درعا مهد الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، التي انطلقت في مارس/ آذار الماضي. ودرعا تعتبر أيضاً نقطة انطلاق أولى مجموعات اللاجئين نحو مركز الرمثا الحدودي.
ما بين مارس/ آذار والوقت الراهن لجأت عائلات بأكملها من الشمال نحو الحدود الأردنية، كما حصل مع عائلات بلدة جسر الشغور قرب الحدود مع تركيا. بعض العائلات السورية وجدت لها في الرمثا مأوى عند أقاربها، حيث يتقاسم 18 فرداً بيتاً متواضعاً مكوناً من أربع غرف. ويروي أبو أحمد، أحد اللاجئين من سوريا، قصة هروبه، فعندما "أردنا أن ندفن فرداً من أفراد العائلة، قامت قوات الجيش السوري بإطلاق النار علينا، وكان هناك قتلى، وهذا ما دفعنا للهروب إلى الرمثا". ويعتبر أبو أحمد أحد المحظوظين، فهو تمكن من إيجاد مصدر للرزق في الأردن كعامل بناء. أما أخته فيتملكها الخوف، لأن عائلتها لا تزال في سوريا. وتضيف أن أحد أقربائها كان لاجئاً في تركيا، وبعدها عاد إلى سوريا، ليتم إلقاء القبض عليه وتعذيبه، "أصبح بعدها أخرساً"، بحسب قولها.
ويشير أحد أقارب أبو أحمد، ويدعى مصطفى – وهذا ليس اسمه الحقيقي بالطبع – إلى أنه "بعد قيامنا بإضراب تدخلت قوات الأمن ودمرت كل شيء: محلاتنا التجارية الصغيرة ومنازلنا. كان الجيش منتشراً في كل مكان بعد ساعات، ولم يعد أحد يتجرأ على النزول إلى الشارع. رحل ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان الحي من السنة عنه". إنهم لا يقولون أسمائهم الحقيقية لأنهم خائفون من العواقب، بين لحظة وأخرى يطلبون منا"رجاءا لا تلتقطوا لنا صورا". ويتمنى أبو أحمد أن "يأتي زمن نتمكن فيه مجدداً من العيش بسلام. لكن فقط عندما لا يكون (بشار) الأسد على رأس السلطة".
أم مصعب مع المقاومة غير مسلحة
أم مصعب سيدة سورية مطلقة عمرها 51 سنة، تعيش برفقة أفراد عائلتها التسعة في بيت صغير مكون من غرفتين ومطبخ في مدينة المرفق، التي تبعد 13 كيلومتراً عن حدود بلادها. بيت أم مصعب لم يكتمل بناؤه بعد، وأثاثه يتكون من عدد كبير من الفرش. تصر أم مصعب على عدم التقاط صور لها، بينما تسرد روايتها حول الأحداث في مدينة حمص التي فرت منها. وتقول أم مصعب: "لقد حولوا الحي الذي نسكنه إلى منطقة معزولة. المواد الغذائية نفدت، وقوات الأمن لم تتوقف عن إطلاق النار. لقد تعرضنا إلى عقاب جماعي، إذ قطعوا الكهرباء والماء عنا، ولم يكن هناك لا وقود ولا غاز".
وتضيف السيدة السورية أن ابناً وبنتاً لها لا يزالان في حمص يحاولان البقاء على تواصل فيما بينهم قدر الإمكان، وغالباً ما تقطع السلطات السورية الإنترنت عن الناس. أحد أبنائها التحق بها مؤخراً من حمص، بعد أن أنهى خدمته العسكرية في الجيش السوري، والتي شكلت بالنسبة له رعباً حقيقياً. ويضيف هذا الشاب أنه وأثناء خدمته في الجيش "كنا نطلق الرصاص في الهواء، لأن الجيش يتفقد بعدها أسلحتنا ليتأكد من أننا استخدمناها. العديد من رفاقي لم يكونوا يعلمون ما الذي يمكن فعله إزاء ذلك. لم تكن لدينا أية معلومات حول الوضع، كل ما كان يقال لنا هو أن المتظاهرين إرهابيون ويجب علينا أن نتصدى لهم".
ويبقى بالنسبة لأم مصعب أهم شيء هو "أن تسود حرية الصحافة. بالعنف لا يمكن الوصول إلى أي حل يذكر". وتفضل أم مصعب أن تعيش سنوات كلاجئة بدلاً من العيش تحت قبضة النظام القمعي لبشار الأسد، مضيفة أن الشعب السوري "يريد أن يطلع الرأي العام الدولي بشكل أكبر على ما يحدث لنا في سوريا"، مؤكدة أنها تتمنى العودة إلى منزلها في حمص. "لكن فقط إذا رحل نظام الأسد".
دوريس بولاو
ترجمة: عبد الرحمان عمار
مراجعة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011