العودة الى عصر النهضة
كان سمير قصير قد أصدر - قبل عام واحد من اغتياله - كتابًا صغيرًا في فرنسا يحمل عنوانا مثيرا، هو "تأملات في المحنة العربية". وهو الكتاب الذي تزامن صدور طبعته الفرنسية مع طبعة باللغة العربية أيضًا. دار هانس شيلر قامت مؤخرا بترجمته الى اللغة الألمانية وصدر بعنوان „Das arabische Unglück“ "المحنة العربية".
"ليست مدعاةً للفرح أن يكون المرء عربيًا في هذا الزمن. فثمة من يشعر بأنه ملاحق، وثمة من هم كارهون لأنفسهم". يشرع قصير بهذه الإفادة الضاربة في كل الاتجاهات، ويوضح في مقدمة الكتاب بأن ما يكتبه عبارة عن تعبير شخصي، وعن رأي إنسان عربي مثقف، وليس دليلاً للعمل السياسي.
ويستتبع ما تقدم بجملتين لهما دلالة كبيرة على مسلمات قصير، وعلى حال الكثير من المثقفين في العالم العربي: فهو يصف نفسه بالعربي العلماني المنصهر ثقافيًا، والغربي الثقافة في الوقت عينه، ويتابع متحدثًا عن نفسه: "لا أرى نفسي ضحية مغرَّبة لثقافة أجنبية".
حنين الى الأزمنة الذهبية
إنفكاك العرب عن دور الضحية هو ما يهم قصير، وكذلك التخلي عن الإحساس بالعجز الموجود في كل مكان في العالم العربي. هذا الإحساس الذي يصفه ويختصره قصير بمفهوم "المحنة العربية".
كما يرى قصير أن مشكلة العالم العربي الرئيسية تكمن في عجزه عن التخلي عن حنينه إلى "الأزمنة الذهبية " الغابرة. هذه المرحلة من التاريخ العربي تحتاج، كما يرى قصير، إلى تقييم و تأويل جديدين على كل حال. ويرى علاوةً - على ذلك - أن العرب ينسون جزءاً حديثًا آخر من تاريخهم من شأنه أن يبعث الكثيرٍ من الأمل.
يود قصير أن يزيل الغموض عن "الأزمنة الذهبية" للتاريخ العربي. ويعير أهمية لإبراز مساهمات مختلف الشعوب في إقامة هذه الحقبة المزدهرة من التاريخ العربي. وبذلك يكون الإسلام، بمفهوم قصير، أحد المكونات الكثيرة التي ساهمت حينئذ في جعل الثقافة العربية ثقافة عالمية. ويقول قصير بهذا الصدد: "التاريخ العربي هو تاريخ الممالك العظمى، الذي يتجلى تراكمًا للتجارب الثقافية. بل أكثر من ذلك، فهو جمعٌ للتنوع الثقافي".
إنفتاح عصر النهضة
أما التشديد على التنوع وقدرة الإسلام على الدمج الثقافي في تلك الحقبة من "الأزمنة الذهبية"، فهي حجة قصير الرئيسة التي يستخدمها ضد الإسلامويين أيضًا. ويحيل منشأ عجز العرب عن التخلي عن الحنين إلى "الأزمنة الذهبية" الى إحساسهم بالعجز تجاه إسرائيل، والى قصور البدائل الإيديولوجية بعدما باءت القومية والاشتراكية العربية بالفشل.
وفي المقابل، يُظهر انفتاح البلدان العربية الثقافي في عصر "النهضة"، و يُبيِّن آثارها التي امتدت حتى القرن الحادي والعشرين. حيث دخلت دور السينما إلى المدن العربية، وخلعت النساء الحجاب بمحض إرادتهن، ونال التعليم مكانة جديدة، وكان لإرادة المشاركة بالحداثة ومنجزاتها حضور قوي في الكثير من البلدان العربية.
يرى قصير أن نسيان هذا الجزء من التاريخ العربي، أو فهمه بشكل سلبي على أنه "غربي الثقافة" خطأ فادح، حيث أن ذكرى حقبة الانطلاق والتقدم هذه، من شأنها بحسب قصير اختراق إحساس العرب بالتدهور الذي يلفهم منذ "الأزمنة الذهبية".
الإستعمار والدكتاتورية
إضافة إلى ذلك، يستعرض قصير نواحي حداثية مختلفة، مثل تعلُّم النساء، وحقوق الإنسان، والديمقراطية كإرث عالمي للإنسانية لا يمكن دفعها جانبًا بحجة الامبريالية والثقافية الغربية.
يود قصير أن يرسم صورة متباينة "للمأساة العربية". فهو لا ينسى أن يذكر نتائج السياسة الاستعمارية الأوروبية ولاحقًا الأمريكية والإسرائيلية من جهة، ولا يتغافل عن التطورات الشائنة في البلدان العربية من جهة ثانية، والتي تسبب بها العرب أنفسهم. ويأتي على ذكر كل أشكال الشقاء الراهن، من أساليب الحكم الاستبدادية للحكام العرب إلى انتهاك حقوق الإنسان وصولاً الى حقوق المواطنة.
كما أن قصير يراهن على النتائج الإيجابية للعولمة الثقافية، التي من شأنها أن تقرِّب البلدان العربية من بعضها البعض من جهة، وأن تدفعها لتقبُّل تأثيرات أخرى من جهة ثانية كذلك.
كتاب "المأساة العربية" هو محاولة لتحليل المزاج الراهن في البلدان العربية من وجهة نظر أحد مثقفيها الأقوى تعبيرًا. يبدو أنه كان مصيبًا وناجحًا في الكثير من النقاط.
هذا الرجل بالذات، والذي لم يستهدف إهانة الثقافة العربية إطلاقًا، كان يشعر بارتباط عميق بالثقافة العربية، على الرغم من عدم مجاملته لها. هذا الرجل الذي سقط ضحية تدابير فئة من السياسيين العرب، يستدعي تسجيل صفحة محزنة أخرى في التاريخ العربي الحديث.
بقلم سوزان جواد
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
لعبة في أيادي الخارج
يبقى غالبية اللبنانيين على أمل بأن يروا بلدهم ناعماً بالسلام، بعيداً عن الانعزال والعسكرة. ولكن الواقع يقول: إن المصالح العربية والغربية سيكون لها اليد الكبرى في تشكيل لبنان المستقبل. تحليل بقلم مايكل يونغ
صراع على كسب الرأي العام
يعتبر لبنان واحدا من أهم المراكز الصحفية في الشرق الأوسط، ولذلك بذل الوجود السوري في لبنان كل ما في طاقته لإسكات الأصوات المعارضة. فقد شهدت الفترة الماضية اغتيال أسماء صحفية بارزة، ومع ذلك يسود الإعتقاد بتحسن أوضاع حرية الصحافة في لبنان بعد الخروج السوري. تقرير برنهارد هيلنكامب